هل تتراجع الجامعات السعودية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أمل عبد العزيز الهزاني
أخبار غير سارة نشرها موقع التصنيف العالمي الإسباني "ويبوماتريكس" عن الجامعات السعودية الأسبوع الماضي. التصنيف يقيّم الجامعات بمحتوى موقعها الإلكتروني، من أبحاث ومعلومات علمية ومدى استيفائها لما يحتاجه المستعرض للموقع والمتاح الوصول إليه إلكترونيا.
التراجع حصل للجامعات السعودية في هذا التصنيف خلال فترة قصيرة، أي مقارنة بعام 2010، فجامعة الملك فهد للبترول والمعادن كانت في يوليو (تموز) 2010 في المرتبة 178 عالميا، وأصبحت في 2012 في المرتبة 462، وجامعة الملك عبد العزيز كانت في يوليو 2010 في المرتبة 292 وأصبحت اليوم في المرتبة 755، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كانت في يناير (كانون الثاني) 2010 في المرتبة 636 وحاليا في المرتبة 1776، وجامعة أم القرى كانت في يوليو 2010 في المرتبة 681 والآن في المرتبة 1799، تبقى جامعة الملك سعود التي لم يكن تراجعها محسوسا.
أرقام غير متوقعة لا يمكن إلا الوقوف عندها ومحاولة فهمها. صحيح أن جامعات المملكة لا تزال متصدرة عربيا، ولكن تراجعها واضح، كما أن السعودية منذ سنوات قليلة خرجت بإنجازاتها من الجلباب العربي، وأصبحت تطلعاتها عالمية، وقطعت فعليا شوطا لا بأس به في هذا المضمار.
المفارقة أن تصنيف "ويبوماتريكس" هو نفسه التصنيف الذي سبب زلزالا في السعودية عندما كشف مثل هذه النتيجة الضعيفة لجامعات المملكة في نهاية عام 2006، وتسبب في إحداث أكبر نقلة نوعية في تاريخ التعليم العالي في السعودية.
فهل عادت عقارب الساعة 5 سنوات إلى الوراء؟
ما معنى أن تتراجع الجامعات بهذا التسارع في محتوى موقعها الإلكتروني؟ أي أن موقعها الإلكتروني - ببساطة - متواضع، وهو متواضع لاحتمالين؛ إما لأن الجامعة لا تملك أصلا ما يثري موقعها، وهذا أمر مثير للغرابة ومستبعد فجامعة الملك فهد للبترول والمعادن مثلا من الجامعات المميزة علميا وتقنيا، ومن غير المعقول أن تكون قد أفلست فجأة. الاحتمال الثاني أن الجامعات اتخذت موقفا ضد التصنيف تجاوبا مع بعض تيارات المجتمع السعودي التي ترفض مناخات التصنيفات العالمية ولا تعترف بها.
تشخيصي أن الاحتمال الثاني هو ما حصل، الجامعات أصابها الذعر من جدال التصنيفات الذي ثار في السعودية منذ سنتين ما بين مؤيد ورافض، ففقدت كل جرأتها وشجاعتها ورغبتها على التنافس المحلي أو العالمي، اختارت النكوص والتراجع للخلف والبعد عن "فلاش" التصنيفات، وتكرس هذا الخوف أكثر بعد "إعلان الرياض" الذي صدر من مؤتمر وزارة التعليم العالي في أبريل (نيسان) الماضي وتحفظ على التصنيفات العالمية.
التصنيف الإسباني قد لا يكون هو المشكلة الكبرى للسعوديين لأن من السهولة أن تخبئ الجامعات منجزاتها تحت الطاولة ولا تعرضها في موقعها الإلكتروني خوفا من أن تتخذ موقعا متقدما في التصنيف العالمي فتتعرض لسياط النقد والتشكيك! ولكن المشكلة الكبيرة في تصنيف شنغهاي الذي يكشف حقيقة المستوى البحثي للجامعات، وبالتالي المستوى العلمي للدولة، فهل ستتوقف الجامعات السعودية عن نشرها العلمي ونشاطها البحثي وشراكاتها العالمية حتى لا تظهر متقدمة في تصنيف شنغهاي؟
في كل بقاع العالم الجامعات هي من يقود حركة التطوير العلمي والثقافي في المجتمع، ومن السوء بمكان أن في بلد طموح كالسعودية المجتمع باختلافاته الصغيرة هو من يرسم توجهات الجامعات.
وبعيدا عن الجامعات الأميركية الأولى دائما في هذا التصنيف وغيره، فقد احتفلت بعض الجامعات العربية بتقدمها هذا العام في "ويبوماتريكس" كجامعة البصرة وجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، واعتبروه إنجازا كبيرا تحققه جامعاتهم على طريق رفع المستوى العلمي والإداري لها، وهناك جامعات عربية احتفلت بدخولها التصنيف لأول مرة، كجامعة ذي قار العراقية، هل سمعتم بها قبلا؟ ليعذرني أصدقائي هناك فأنا لا أعرفها، لكني أعرف أن أرض ذي قار كنز من التاريخ، وأنها أرض أول انتصار عربي على الفرس قبل البعثة المحمدية بقيادة هاني الشيباني الوائلي، لم أكن أعرف أنها طرقت باب المستقبل، وأنها تعتبر أن "دخولها ويبوماتريكس نتيجة طبيعية لاعتمادها استراتيجية علمية واضحة لمواكبة التطورات الحديثة التي وصلت إليها الجامعات العالمية". إنها اللغة نفسها التي كانت تتحدث بها الجامعات السعودية قبل سنوات قليلة.
من حق الجامعات أن تختار أن تدخل غرفة اختبار التصنيفات لتخرج برقم يضعها على خريطة العالم، ومن حقها العكس، أي أن تتجاهل بيانات تقييمها العالمية، ولكن لنتذكر أن هذا التقييم هو مؤشر لمستوى الجامعة في جانب معين وليس هدفا بذاته، وبالتالي على الجامعات الرافضة أن تجد لنفسها تقييما آخر يقيس أداءها سنويا أمام الغير.
لن أستطيع أن أنسى مقدار رغبة وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري في تطوير الجامعات السعودية، لأني لمستها عن قرب، شاهدت مواقف لرجل غيور على سمعة المؤسسات التي تعمل تحت إدارته، ولكني كغيري أشعر بقلق كبير من نتائج التصنيف الإسباني، لأنها مؤشر خطير، فنحن كمن يحمل مشرطا ويشوه وجها جميلا خوفا من سمعة الجمال.
لنا الحق أن نقلق ولنا الحق أن نطمئن؛ فهل رد فعل المجتمع والدولة الغاضب والرافض لنتائج التصنيف الإسباني عام 2006 والذي كشف مستوى ضعف الجامعات السعودية حينها قد تغير وأصبحنا اليوم أكثر قبولا بالمقاعد الخلفية؟