جريدة الجرائد

هل يعيد المنصف المرزوقي إحياء الاتحاد المغاربي ؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

توفيق المديني


بعد توليه منصب رئاسة الجمهورية، قام الدكتور المنصف المرزوقي بأول زيارة له خارج تونس إلى ليبيا يوم 3 يناير 2012، والتقى في العاصمة الليبية رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل ورئيس الحكومة الليبية المؤقتة عبد الرحيم الكيب، إذ أكد أهمية تعزيز التعاون بين البلدين، لكنه ركز بصورة أساسية على مصير ومستقبل اتحاد المغرب العربي، حيث قال المرزوقي "نحن في تونس نعتبر أن المغرب العربي مشروع يجب أن يعود إلى الحياة لأن تونس تعتبر الجزائر جارة مهمة جدا مثل ليبيا أيضاً جارة مهمة ونحن لا نتصور مستقبلا من دونهما". وتابع قائلا "كذلك المغرب وموريتانيا يجب أن تكونا جزءا من هذه المغامرة المشتركة في بناء وطن مغاربي كبير، وربما أوسع من ذلك اتحاد الشعوب العربية المستقلة الذي نحلم به منذ سنوات". واختتم الرئيس التونسي تصريحه بقوله إن "الاندماج والعمل المشترك هما ما كانت تمنعه الديكتاتوريات السابقة".
وهاهو الرئيس التونسي، يقوم مجددا بجولة مغاربية بدأها بزيارة المغرب يوم الأربعاء 8فبراير الجاري، وتشمل كلا من الجزائر وموريتانيا، حاملاً تصورات جديدة لمعاودة تفعيل الاتحاد المغاربي المتعثر. وصرّح الرئيس التونسي الذي يعتزم زيارة قبر والده المدفون في مراكش عاصمة الجنوب المغربي، بأن الدول المغاربية الخمس مثل أصابع اليد الواحدة، لا يمكن لأصبع ضمنها أن يستغني عن الآخر.
وفي مستهل زيارته للمغرب، دعا الرئيس التونسي منصف المرزوقي إلى تكريس خمس حريات من أجل معاودة بناء الاتحاد المغاربي،وهي "حرية التنقل والاستقرار والاستثمار والتملك والمشاركة في الانتخابات البلدية".و بعدما عبر المرزوقي عن رغبة تونس الثورة في المضي قدما في هذا الاتجاه، قال الرئيس التونسي في حديث مع وكالة الأنباء المغربية الرسمية: سنعمل هذه السنة على إعادة الانسجام بين أشقائنا الجزائريين والمغاربة والليبيين والموريتانيين بهدف إحياء حلم الاتحاد المغاربي الكبير المتعثر منذ سنوات. وأعربت تونس عن رغبتها باستضافة قمة الدول الخمس التي تشكل اتحاد المغرب العربي (المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا).
لا أحد يشك من الذين تعاطوا ولو بقليل من الجدية والموضوعية مع فكرة إنشاء اتحاد دول المغرب العربي أن هذه الفكرة والحلم يمران اليوم بأزمة ليست كسابقاتها المتكررة في عهد لم يتعد عقدين من الزمن، وأخطر ما في هذه الأزمة أنها تتعدى في حجم استعصائها على المعالجة حدود أزمات الإقليم العصية على الاختراق إلى أخرى تجوب انتماءه القومي الأرحب والقاري والعالمي، وتتحكم بموجبها بعض الدول "الكبرى" في مصير الدول والشعوب العاجزة عن خلق نظامها الإقليمي الطبيعي الذي يعتبر بالنسبة لها ضرورة تاريخية كما هو حال الوحدة بين أقطار دول المغرب العربي.
من الواضح أن الإحساس بالأزمة البنيوية العميقة وانغلاق سبل الخروج منها، هو الذي دفع الأنظمة المغاربية المأزومة في عقد الثمانينيات من القرن الماضي،إلى محاولة البحث عن مخرج جماعي بإحياء وحدة المغرب العربي بهدف التخفيف من المخاطر الداهمة. علماً بأن اتحاد المغرب العربي قام على أساس قطري واندمج في إطار تشكيل وحدة إقليمية على غرار الوحدات الإقليمية العربية، وحدة أنظمة قُطرية مسيطر عليها من قبل الإمبريالية الأمريكية، ولها وظيفة في هذه الإستراتيجية الأمريكية في العالم العربي، والبحر الأبيض المتوسط، لدعم ركائز هذه الأنظمة القطرية، ومنع الحركات الإسلامية الأصولية المغاربية من أن تحقق أهدافها، وخلق نوع جديد من التوازنات يساند فيه النظام القوي النظام الضعيف، ويمنع الأقطار الأكبر من احتواء الأقطار الأصغر.
كان هذا هو التصور الذي حكم نشأة اتحاد المغرب العربي (ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، وموريتانيا) الذي تم الإعلان عنه في مدينة مراكش بالجنوب المغربي في 17 فبراير 1989، حيث واجه هذا الاتحاد منذ ولادته تحديات داخلية وخارجية يلخصها الشلل الكامل لمؤسساته، والتأجيل المستمر لاجتماع مجلس الرئاسة الذي كان مفترضاً أن يعقد في الجزائر عام 1995. ويضم هذا الاتحاد المغاربي حوالي/90/ مليون نسمة من العرب، ويشمل المنطقة من حدود ليبيا مع مصر إلى نهر السنغال التي تصل مساحتها إلى نحو 5.380591 ، وفي هذا الاتحاد دولتان مهمتان من حيث الموقع وعدد السكان هما المغرب والجزائر.
لا شك أن وحدة المغرب العربي كمشروع بناء إقليمي قديم متجذر في ضمير شعوب المنطقة، غير أنه يمكن تصنيف المعوقات الكبرى التي اصطدم بها مشروع بناء وحدة المغرب العربي إلى ثلاث: مرحلة إزالة الاستعمار وبناء الدولة الوطنية الحديثة: فبعد عامين من استقلال تونس والمغرب عام 1956، وتجذر الثورة الجزائرية في مقاومة الاستعمار الفرنسي عقدت في مدينة طنجة في عام 1958، أول قمة مغاربية ضمت قادة أحزاب الاستقلال المغربي والدستور التونسي، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، لا الحكومات بحكم أن الجزائر لم تنل استقلالها بعد.
وبعد استقلال الجزائر عام 1962 كان بناء المشروع المغاربي في قلب المفاوضات بين البلدان الثلاثة، حيث تم توقيع اتفاقيات الرباط في عام 1963، التي نصت على تحقيق التطابق في سياسة البلدان الثلاثة تجاه السوق الأوروبية المشتركة، وتنسيق مخططات التنمية، وسياسة التبادل التجاري.
غير أن كل هذه الاتفاقات لم تتجسد مادياً على الأرض، ولم يتجاوز بناء المغرب العربي إطار المشروع النظري بسبب الصراع التنافسي الذي دب بين حكوماته المختلفة على زعامته، واستمرار النزاعات الحدودية الموروثة من الحقبة الكولونيالية بين مختلف البلدان المغاربية
(نذكر في هذا الصدد النزاع المسلح بين المغرب والجزائر في أكتوبر 1963)،
وهو ما عكس لنا بروز المظاهر والنعرات الإقليمية التي أصبحت سائدة في عقول وممارسات النخب الحاكمة، والتي قضت على أي تفكير جدي في بناء المغرب العربي الكبير، على نقيض الاعتقاد الذي كان سائداً، والذي كان يعتبر أن استقلال الجزائر سوف يساعد على تحقيقه.
ومغزى آخر هو أن الدول المغاربية أغلقت أبوابها على نفسها، ووضعت حدودا لها بحواجز إدارات الهجرة والجمارك، وبثقافة جديدة تخلع كل قطر من هويته المغاربية والإسلامية، وسلمت بالكيانات القُطرية، وصارت تنظر إلى مشروع المغرب الكبير على أنه مجرد تعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية دون التفكير في تنازل الدول عن أي شيء من سيادتها لحساب هيئة اتحادية مهما كانت هذه الهيئة مجردة من السلطات. وهي روح تختلف عن تلك التي سادت مؤتمر طنجة سنة 1958.
وأسهم اختلاف الإستراتيجيات الاقتصادية في البلدان المغاربية في تهميش مشروع التكامل الاقتصادي الإقليمي خلال عقدي الستينات والسبعينات، وإلى تأجج الصراعات الأيديولوجية بين محورية تونس والمغرب من جهة، مقابل الجزائر وليبيا من جهة أخرى.
لقد شكل تأسيس الاتحاد المغاربي في 17 فبراير 1987 خطوة نوعية في مسار الوحدة المغاربية، وعقدت عدة آمال على ذلك، أقلها إيقاف الاستنزاف المتبادل بين أطراف المجال المغاربي، خصوصا أنه جاء بعد معاناة شعوبه ودوله من سياسات المحاور الثنائية المتصارعة على الزعامة طيلة عقدي السبعينات والثمانينات.
وجاء تبلور هذا المشروع إفرازا لسلسلة تطورات نوعية في المنطقة، نجملها في خمسة عناصر.
أولا، عودة العلاقات الدبلوماسية المغربية الجزائرية، بعد قطيعة دامت 14 سنة، وذلك على إثر لقاء العام 1988 بين الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد، وهذا التقارب أشار إلى تراخي قبضة المؤسسة العسكرية الجزائرية في توجيه السياسة الخارجية للجزائر.
ثانيا، التفاهم على تسوية نزاع الصحراء المغربية في إطار خطة استفتاء بإشراف أممي، وجرى التفاوض على هذه الخطة طيلة 1988-1990.
ثالثا، تراجع حدة الضغط الأجنبي على المنطقة والناجم عن التقاطب الدولي بين المعسكرين الشرقي والغربي بسبب بداية تفكك المعسكر الشرقي.
رابعا، بروز تحدي التكتل الأوروبي في مواجهة دول الشمال الإفريقي. خامسا، فشل سياسات المحاور الثنائية خصوصا بعد التجربة المرة لمحور المغرب ليبيا في مقابل محور الجزائر تونس موريتانيا، والتي أدت لإضعاف كافة الأطراف.
وعقدت أول قمة للاتحاد المغاربي بعد المؤتمر التأسيسي في تونس بين 21-23 يناير 1990 واتخذت عدة إجراءات مهمة بشأن التعاون في مجال الدفاع وتعزيز التعاون مع المجموعات الإقليمية العربية الأخرى والعلاقة مع السوق الأوروبية المشتركة الخ..كما أصبح التعاون السياسي بين البلدان المغاربية الخمسة ممكنة عن طريق اتخاذ مواقف سياسية مشتركة حول مواضيع الساعة فضلاً عن قبول الزعماء المغاربة أن يكون واحدا من بينهم يمثلهم على الصعيد الدولي.
وجاءت قمة الجزائر التي عقدت في يوليو 1990 بعد الفوز المدوي للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات البلدية لتسجل بداية التراجع في ديناميكية الوحدة المغاربية. ومما لا شك فيه أن الأنظمة المغاربية تخوفت كثيرا من مشاهدة الإسلاميين يصلون ديمقراطياً إلى السلطة في الجزائر، باعتبار هذا الوصول في حال تحققه فعلياً، كان،سيكون له وقع كبير في كل منطقة المغرب العربي، ولاسيَّما تونس حيث إن حركة النهضة حصلت على ما بين 20-30 % من أصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية التي جرت في عام 1989، وأصبحت تطرح إقامة السلطة الإسلامية البديلة في تونس.
ومنذ الانقلاب العسكري الذي حصل في الجزائر مع بداية يناير 1992 بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وتدخل الجيش لإلغاء الانتخابات التشريعية، وإرغام الرئيس السابق الشاذلي بن جديد على الاستقالة، دخلت الجزائر في مرحلة الحرب الأهلية بين النظام والمعارضة الإسلامية الأصولية. وكان لهذا الوضع المأساوي الذي استمر في الجزائر لأكثر من عقد من الزمن،أثره الكبير في إبطاء وتيرة اجتماعات مجالس الرئاسة لاتحاد المغرب العربي، وهي مصدر القرار الرئيسي، وبالتالي في إبطاء مركبة الوحدة المغاربية.
وهكذا تعثر القطار المغاربي مع بداية الأزمة الجزائرية، وتفجر أزمة لوكربي بين ليبيا وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا والتي تطورت إلى فرض عقوبات دولية على ليبيا في عام 1992، بسبب انكفاء الأنظمة على أنفسها لحل مشاكلها الداخلية، بدءاً من موريتانيا الغارقة في همومها السياسية والاقتصادية، مروراً بالجزائر التي كانت تواجه حرباً أهلية طاحنة، وانتهاء بليبيا التي كانت تطاردها أزمة لوكربي، والمغرب الذي ظل منشغلاً بأمور منها قضية الصحراء وأثرها المباشر في احتدام صراع المحاور الإقليمية بين المغرب والجزائر والموقع الذي احتلته في إستراتيجية التطويق والمحاصرة لدى كل من البلدين.
وكانت ليبيا قد رفضت المشاركة في الاجتماعات الوزارية للاتحاد في العام 1994 بسبب ما اعتبرته تقصيراً في إظهار التضامن معها بوجه العقوبات المسلطة عليها منذ العام 1992، إثر رفضها تسلم الرئاسة للاتحاد من الجزائر عام 1995، قبل رفع الحصار الظالم عنها.
لكن الاتحاد تعطل منذ قمة 1994 مع انتقال الرئاسة الدورية إلى الجزائر التي تحتفظ بها. لأن الدول الخمس لم تتمكن منذ ذلك الحين من اللقاء على مستوى القمة. على رغم أن كلا منها لا يترك مناسبة دون الإصرار على التمسك بالبناء المغاربي والاستعداد لإطلاق عمل هياكله. صحيح أن مؤسسات تابعة للاتحاد كانت تجتمع بين فترة وأخرى. وحتى على مستوى وزاري. لكن الصحيح أيضاً أن هذه الاجتماعات كانت أقرب إلى الفولكلور من اللقاءات المثمرة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف