حكومات الإسلاميين: مصر بعد تونس والمغرب؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
وحيد عبد المجيد
لم يمض أسبوعان على انعقاد البرلمان المصري حتى أدرك بعض قادة جماعة "الإخوان المسلمين" أنه قد يصعب عليها كما على حزبها(الحرية والعدالة) صاحب الأغلبية النسبية في هذا البرلمان، مواصلة الالتزام باستمرار حكومة الجنزوري حتى نهاية المرحلة الانتقالية في 30 يونيو القادم. فقد تراجع بسرعة التفاؤل النسبي الذي اقترن بتشكيل هذه الحكومة قبل نحو شهرين، وأصابها ارتباك أضعف أداءها على نحو يثير استياء قطاعات متزايدة من المجتمع. لذلك بدأ الحديث عن إمكان تشكيل حكومة ائتلافية بقيادة حزب "الحرية والعدالة" بدون انتظار انتخاب رئيس الجمهورية. ورغم عدم استعداد المجلس العسكري لقبول مثل هذا التغيير الآن، تلقى الدعوة إلى حكومة جديدة تأييداً من معظم الأحزاب والقوى السياسية. ففي كل يوم يمر خسارةٌ تُمنى بها الأحزاب الممثلة في مجلس الشعب عموماً، والحزب الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد خصوصاً. فقد اقترن انتخاب مجلس الشعب بثورة توقعات هائلة، وأصبح مطلوباً منه أن يحل مشاكل كبرى متراكمة. ولذلك شعر كثير من الناخبين بإحباط عندما تابعوا الجلسات العامة للمجلس على مدى أكثر من أسبوعين، ولم يجدوا إلا كلاماً وخطباً في معظم الأحيان وهتافات ومهاترات ومزايدات في بعضها.
ورغم أن مجلس الشعب لا يستطيع تعويض قصور السياسات الحكومية حتى إذا كان أداؤه أفضل، فهذا لا يعفيه من المسؤولية أمام الناخبين الذين لا يهتم الكثير منهم بمعرفة الفرق بين سلطة تشريعية وأخرى تنفيذية، ولا يقتنع من يعرفون هذا الفرق بوقوف مجلس الشعب عاجزاً أمام حكومة لا تفعل شيئاً يبشر بأن يكون الوضع أفضل حالاً في الأشهر القادمة، أو حتى يؤكد أنه لن يكون أسوأ.
ولذلك قد لا يكون بإمكان الحزب الذي حصل على ثقة أكثر من 40 في المائة من الناخبين، أن ينتظر انتهاء المرحلة الانتقالية ليشكل حكومة في أوضاع أقل اضطراباً أو هكذا يُفترض أن تكون. فقد كان الميل السائد في أوساط جماعة "الإخوان" وحزبها هو تفضيل عدم المخاطرة بقيادة حكومة إلى أن تنتهي المرحلة الانتقالية باضطراباتها ويعود الجيش إلى ثكناته ويصدر دستور جديد يتيح للحكومة دوراً أكبر وصلاحيات أوسع. وهذا موقف يبدو منطقياً لأن تحمل المسؤولية في أوضاع شديدة الاضطراب يجعل المهمة أكثر صعوبة. لكنه لا يكون كذلك إلا إذا كان أداء الحكومة القائمة معقولاً أو إذا كان القسم الأكبر من الرأي العام مدركاً أن مجلس الشعب لا يتحمل مسؤولية مباشرة عن ضعف أدائها.
أما وأن الغضب تجاه أداء الحكومة القائمة يتجاوزها ليشمل هذا المجلس عموماً وحزب الأغلبية فيه خصوصاً، فقد فرض على "الإخوان" الذين أسسوا هذا الحزب إعادة النظر في تريثهم بشأن تحمل المسؤولية عن السلطة التنفيذية لعدة أشهر. فالجنزوري ووزراؤه لن يخسروا شيئاً جرّاء الإحباط الشعبي الناتج عن أدائهم، لأن مستقبلهم وراؤهم. والخاسر الأكبر هو الحزب الذي اختار نحو 40 في المائة من الناخبين تحميله المسؤولية، وأصبح بالتالي أمام اختيار بالغ الصعوبة بين خيارين أحلاهما مر. فتحمله المسؤولية الحكومية الآن ينطوي على مغامرة غير مأمونة لأن هذا هو الوقت الأسوأ والأصعب حيث دخلت مصر الفترة الأكثر حساسية وحرجاً واضطراباً في المرحلة الانتقالية. كما أن تريثه في ذلك ينطوي على مخاطرة قد تكون عواقبها وخيمة لأنه وعد بأنه يحمل الخير الذي بات ناخبوه ينتظرونه منذ أن أدلى كل منهم بصوته.
ويثير الحديث عن قيام "الإخوان" بتشكيل حكومة جديدة ائتلافية أسئلة شتى بعضها دستوري -قانوني ليس محلها هنا، فضلاً عن أنها ليست المسألة الأساسية لأن تحولاً بهذا الحجم قبل انتهاء المرحلة الانتقالية لا يمكن أن يحدث بدون تفاهم مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
ولذلك ربما يكون السؤال الأكثر إثارة للتأمل هو عن طبيعة الحكومة الجديدة التي يمكن أن يقودها "الحرية والعدالة" والتي ستكون في هذه الحالة أقرب إلى "النموذج المغربي" منها إلى "النموذج التونسي". فهاتان هما التجربتان العربيتان اللتان شُكلت فيهما حكومة ائتلافية بقيادة حزب إسلامي ("العدالة والتنمية" في المغرب و"النهضة" في تونس) خلال الأشهر الستة الأخيرة.
والفرق بين النموذجين كبير، فالحكومة التونسية تملك معظم السلطة التنفيذية حيث تتجاوز صلاحياتها اختصاصات رئيس الجمهورية الذي يؤدي دوراً أكبر مما هو معروف في النظام البرلماني، لكنه أقل مما هو معتاد في النظام المختلط وليس فقط في النظام الرئاسي. أما الحكومة المغربية فتملك من السلطة التنفيذية أكثر مما كان متاحاً لسابقاتها جميعاً. لكن سقف صلاحياتها منخفض مقارنة بالحكومة في تونس، حيث يحتفظ الملك في المغرب بصلاحيات واسعة.
ولذلك نجد رئيس الحكومة المغربية (وهو بن كيران أمين عام "العدالة والتنمية" الإسلامي) يكرر منذ تشكيل حكومته في 3 يناير الماضي أنها "لم تأت لتحكم رغماً عن الإرادة الملكية بل جاءت لتحكم معها".
وينعكس الفرق في صلاحيات الحكومتين التونسية والمغربية وعلاقة كل منهما بالرئيس والملك، على تشكيلة كل منهما. فالحكومة التونسية حزبية بالكامل، يقودها حزب "النهضة" ويشارك فيها حزبا "التجمع من أجل الجمهورية" و"التكتل من أجل العمل والحريات". والحكومة المغربية حزبية أيضاً في معظمها حيث تضم، إلى جانب "العدالة والتنمية"، أحزاب "الاستقلال" و"الحركة الشعبية" و"التقدم والاشتراكية". لكنها تضم أيضاً وزراء مستقلين محسوبين على القصر الملكي ووزيراً كان ينتمي إلى حزب قريب إلى عاهل البلاد وهو عزيز أخنوش القيادي السابق في حزب "التجمع الوطني للأحرار".
والأرجح أنه إذا حدث تفاهم بين المجلس العسكري والأحزاب على تشكيل حكومة ائتلافية بقيادة "الحرية والعدالة" في الأسابيع القليلة القادمة وقبل انتهاء المرحلة الانتقالية، فستكون هذه الحكومة أقرب إلى النموذج المغربي، بحيث يجوز توقع أن يقول رئيسها -بصيغة أو أخرى- مثل ما قاله بن كيران مع استبدال الإرادة العسكرية بالإرادة الملكية. وسيكون على هذه الحكومة أن تتكيف مع أسلوب المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لكن في ظروف مختلفة تماماً عن تلك التي تعمل في ظلها الحكومة المغربية. فالحكومة المصرية الأولى التي يقودها حزب إسلامي ستتشكل، في هذه الحال، في وجود مجلس عسكري مؤقت وليست سلطة ملكية مستمرة، وستعمل مع سلطة أمر واقع يطالب قسم في المجتمع، يشمل القوى الشبابية الأكثر حركية، برحيلها بشكل فوري وليس مع سلطة تقليدية تحظى بالشرعية.
لذلك سيكون وضع هذه الحكومة والحزب الإسلامي الذي يقودها، أصعب مقارنة بالحالة المغربية، وأضعف مقارنة بالحالة التونسية.