العراق والقمة العربية المقبلة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
رغيد الصلح
قبل أيام قليلة وبعد زيارة إلى العراق واجتماع بمسؤوليه أكد أحد المسؤولين في جامعة الدول العربية أن القمة العربية سوف تنعقد في موعدها في بغداد . وأكد هذه الأنباء أيضاً هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقي الذي أبلغ المسؤولين في عدد من الدول العربية أن العراق على جاهزية كاملة لاستقبال ldquo;المحفل العربي الكبيرrdquo;، كما وصفه . رغم هذه التأكيدات لاتزال تتردد تكهنات في بعض الأوساط العربية على مصير القمة، وعن احتمال تأجيلها مرة أخرى إذا ما تدهورت الأوضاع تدهوراً خطراً في المنطقة، خصوصاً في ضوء ما يجري في سوريا، وما يجري من صراعات استخباراتية عنيفة تدور على الأرجح بين الأجهزة ldquo;الإسرائيليةrdquo;، من جهة، والجماعات المناوئة لها، من جهة أخرى على امتداد القارة الآسيوية .
ما عدا ذلك فإنه من المرجح أن تنعقد القمة في أواخر الشهر المقبل، وأن يترأس العراق دورتها حتى ربيع عام ،2013 فهل من دلالات مهمة لهذا الحدث؟ وهل يتوقع أن يكون له تأثير في سياسة الحكومة العراقية الحالية تجاه القضايا العربية؟ تشكل دورة رئاسة العراق الحالي للقمة العراقية مفارقة لافتة للنظر، فالتحالف الحاكم في بغداد تفرّق أشياء وعوامل كثيرة بين أطرافه منها اعتبارات أيديولوجية ومصلحية وعشائرية، ولكّن هناك عاملاً يجمع أكثر أطرافه ألا وهو الموقف السلبي تجاه الفكرة العربية التي نشأت عليها الدولة العراقية منذ ولادتها في العشرينات وحتى الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 . ووجه المفارقة هنا هو أن القمة العربية وكل ما يمت بصلة إلى النظام الإقليمي العربي خرج إلى الوجود بتأثير الفكرة العربية وبدافع من الاقتناع بالهوية العربية، والرغبة في بناء مؤسسات عربية تعبّر عن هذه الفكرة وعن هذه الهوية . أما أهل الحكم الحالي في العراق فإن عدداً لا يستهان من بينهم وخاصة رئيس الحكومة نوري المالكي، فهم من المناهضين لهذه الفكرة . ويعبّر هؤلاء عن نظرتهم هذه بأشكال مختلفة . من هذه الوسائل والطرق القمع المنهجي والعنيف للمتعاطفين مع العراقيين المؤيدين للفكرة العربية . ولا يتوقف هذا القمع عند المنتمين إلى حزب معين ولا يطال أبناء جماعة دينية محددة، بل هو يطال العراقيين العروبيين بلا استثناء . فخلافاً للانطباع الرائج بأن هناك انقساماً سنياً شيعياً على المسألة العربية في العراق، وخلافاً للانطباع الذي يروّجه أحياناً بعض أنصار الحكومة الحالية بأن الشيعة يناهضون عروبة العراق، وبأن السنة العرب هم فقط الذين يؤيدونه، خلافاً لذلك فإن حملة الاعتقالات والقمع التي نظمتها حكومة المالكي لم تستهدف السنة بمقدار ما استهدفت أبناء الطائفة الشيعية في الجنوب . وليس من غرابة في ذلك إذا ما أخذ بعين الاعتبار أن البيئة التي نمت فيها الفكرة العربية في العراق شملت جنوب العراق بصورة خاصة .
إن مواقف المالكي السلبية تجاه الفكرة العربية، تثير علامات استفهام كثيرة عن الدور الذي سيلعبه بعد انعقاد مؤتمر القمة العربي، وعندما يتسلّم العراق رئاسة القمة العربية لمدة عام كامل . فأن يكون المالكي رئيساً للحكومة في دولة عضو في جامعة الدول العربية شيء، وأن يكون رئيساً لحكومة برلمانية في دولة تترأس القمة العربية شيء آخر . ومما يضاعف من سلبية الدور الذي يمكن لحكومته القيام به هو أن رئاسة بلده للقمة سوف تقترن بمسؤوليات واسعة تشمل ترؤس العراق لعشرات اللجان المهمة المتفرعة عن القمة العربية، وكذلك ترؤسه خلال الفترة المقبلة لثلاثة مؤتمرات هي فضلاً عن قمة بغداد القمة العربية-اللاتينية والقمة العربية-الإفريقية وحضوره المرتقب للعديد من المؤتمرات الدولية المهمة . تقليلاً من أهمية التساؤلات والشكوك التي يثيرها دور المالكي وأنصاره المقربين على صعيد القمة العربية المرتقبة، فإن رئيس الحكومة العراقية يحاول إرسال تأكيدات بأنه سوف يكون كثير الحرص على المصالح العربية، ويعمل على تنمية العلاقات العربية - العربية كما يقول ميثاق الجامعة . قد تقنع هذه الرسائل بعض المسؤولين العرب، ولكن هل يستطيع المالكي إقناع المعنيين بمصير النظام الإقليمي العربي بأنه بات يألف الفكرة العربية، وبأنه يستطيع أن يتعايش معها ومع متطلباتها؟ هل يستطيع رئيس الحكومة العراقية أن يتحدث اليوم بنفس اللغة التي صيغت بها كلمة رئيس حكومة مصر لحظة توقيع ميثاق جامعة الدول العربية في مارس/آذار 1945 إذ قال، ldquo;إنما هي (الجامعة) مشتقة من صميم وحدة حقيقية بين البلاد العربية . . . فأما الحاضر والماضي فوحدة في اللغة والثقافة ونظم الحياة وأوضاع الاجتماع واشتراك في كثير من المصالحrdquo;، ثم أضاف قائلاً، ldquo;ويوثق هذه الوحدة . . . اشتراك قديم في الآمال والآلام، وفوق ذلك تراث من تلك المدنية العظيمة، المدنية العربية التي مدت رواقها . . . حقبة طويلة من الزمنrdquo; . هل يستطيع تحويل مثل هذا الموقف إلى رسالة يوجهها إلى مؤيدي الفكرة العربية فيخفف من قلقهم عندما يجدون شخصاً مثله يتكلم باسم العرب وينطق باسم شعوبهم وحكامهم؟