جريدة الجرائد

كامب ديفيد في عهد الإخوان

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

محمود الريماوي

أصاب رئيس حزب الحرية والعدالة المصري محمد مرسي كبد الحقيقة حين أعلن أن اتفاقية كامب ديفيد هي جزء من العلاقات المصرية الأمريكية، وليست مجرد علاقة ثنائية أو اتفاق ثنائي بين القاهرة وتل أ بيب .وما ينطبق على كامب ديفيد ينسحب على المعاهدة الأردنية ldquo;الإسرائيليةrdquo;، وهذا ما يفسر بالدرجة الأولى ldquo;رسوخrdquo; هاتين الاتفاقيتين حتى الآن، ويسترعي الانتباه أن حزب الإخوان المسلمين في مصر، بات يحذر واشنطن من أن إقدام الجانب الأمريكي على أية مراجعة للعلاقات الثنائية بين واشنطن والقاهرة سوف يؤدي الى إعادة النظر في كامب ديفيد . ومناسبة هذا التصريح الحملة الأمريكية على القاهرة بعد إغلاق مقار 43 جمعية اتهمت بتلقي تمويل أجنبي بصورة غير مشروعة . هذه الاتهامات سوف يبت بها القضاء وهي ليست حكماً مبرماً، وقد كان لبعض هذه الجمعيات دور مشهود في ثورة 25 يناير التي صعد بموجبها الإخوان المسلمون الى أكثرية مجلس الشعب والشورى، ومن المنتظر أن يصعد هؤلاء إلى السلطة التنفيذية مع مطلع الصيف المقبل .

على أن مدار الحديث في هذا المقال لا يدور عن هذه التفاصيل الداخلية وهي على جانب كبير من الأهمية، وإنما عن تموضع مصر الإقليمي في المرحلة القريبة المقبلة . لقد ذكر زعيم الأغلبية البرلمانية في التصريحات المنشورة الخميس الماضي 16 فبراير/ شباط الجاري، أن حزبه ldquo;يريد لمسيرة السلام أن تستمر بما يحقق مصلحة الشعب المصريrdquo; . وهو تصريح لا يجانبه الذكاء، فمصر في عهدها الجديد تريد للمساعدات الأمريكية أن تتواصل (مليار وثلاثمئة مليون دولار سنوياً)، وأن تستمر معها ldquo;مسيرة السلامrdquo; مع إضافة ldquo;مصلحة الشعب المصريrdquo;، وهذه إضافة مهمة تضيف عنصراً ثالثاً لمنظومة، كامب ديفيد والعلاقات المصرية الأمريكية . ولا يخال المرء أن هذه الإضافة هي مجرد ديباجة لفظية . فمناط الموقف من هذه المنظومة هو المصلحة الوطنية المصرية التي يتعين أن تؤخذ في الاعتبار الأول . وإذا كان من حق الولايات المتحدة ان تتخذ موقفاً مناوئاً لحملة المجلس العسكري، وعلى الخصوص من توقيف 19 أمريكياً في القاهرة، وذلك التزاماً بما تراه واشنطن مصلحة قومية أمريكية ونصرة لعدد من مواطنيها، فإن مصلحة مصر في عهدها الجديد تكمن بأن ترفع عاليا مصلحة الوطن والشعب، وأن تجعل هذا المعيار هو وحدة القياس في التعامل مع الاتفاقيات المبرمة، وفي بناء علاقاتها الدولية بما في ذلك مع الدولة العظمى . لقد بدت كامب ديفيد في محطات مختلفة وطوال فترة مديدة، قيداً على النفوذ الإقليمي لمصر وعلى حضورها في المنطقة، بينما بقي الطرف الآخر مطلق اليدين في سلوكه التوسعي والعدواني، ثم تفاقم الأمر إلى استهداف جنود مصريين على أرضهم وداخل حدودهم، وقد وقعت مثل هذه التعديات الجسيمة بعد الثورة المصرية، بينما تنصلت واشنطن على الدوام من التزاماتها حيال ldquo;مسيرة السلامrdquo; وعلى نحو بدا فيه إن واشنطن تستغل العلاقات مع القاهرة أبشع استغلال، وذلك بالإيحاء بأن العلاقات مع أكبر الدول العربية، لا تحمل واشنطن على اتخاذ مواقف موضوعية نزيهة، وأن التحالف مع الاحتلال ldquo;الإسرائيليrdquo; هو ما يحتل فقط الأولوية المطلقة، وأن على القاهرة التزام موقف المراقب المحايد، وأن تعدّ سلامها مع تل أبيب هو ldquo;السلام العادل الشاملrdquo;، وصرف النظر عما يجري في المنطقة بخصوص تطورات الصراع والتسوية الشرق أوسطية . تهميش الدور المصري، وتسييد الدولة الصهيونية قوّةً إقليمية عظمى في المنطقة تعتمد الخيار العسكري، وعلى حدود مصر، لا يصب بالتأكيد في مصلحة الشعب المصري التي تحدّث عنها القيادي الإخواني محمد مرسي .

ومغزى ذلك أن المنظومة بتداعياتها الملموسة منذ أكثر من ثلاثة عقود، تستحق التوقف عندها واستنباط دروسها، وذلك ضمن المراجعة الشاملة لأداء الدولة المصرية في الداخل والخارج . ويحسب المرء أن مسألة محورية كهذه، ستكون في خلفية اي حوار مع واشنطن يجريه إخوان مصر حالياً بصفتهم الحزبية، ثم بصفتهم الركن الأبرز في التشكيلة الحكومية بعد بضعة شهور من الآن . وإذا كان جل الاهتمام يتركز في هذه الآونة على معالجة التركة الثقيلة للنظام السابق، فلا مندوحة من النظر بعدئذ الى امتدادات هذه التركة إلى السياسة الخارجية، علماً أن واشنطن ترغب في تجديد شامل يطرأ على الحياة العامة الداخلية، شريطة أن يرافقه جمود كامل على السياسة الخارحية، فيبقى القديم على قدمه وكأن شيئاً لم يتغير على المحروسة . والحفاظ على تفوقها على جميع دول المنطقة بما في ذلك بالطبع مصر، مع الضغط الشرس على كل من يعترض سواء كان من أهل الربيع أم الخريف على هذا ldquo;القدرrdquo; . أمام ذلك فلعله يحسُن بقادة مصر الجدد، التشديد على مصلحة الشعب المصري والمصلحة الوطنية العليا بأكثر من الحديث عن كامب ديفيد ومسيرة السلام، على الأقل، لأن أنهاراً من الحبر لا تقل في مجموع تدفقها عن نهر النيل أهرقت في الحديث عن هذين الأمرين، بينما غابت المصلحة المصرية طويلاً عن الألسن والأقلام والأذهان .

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف