رسالتان مطلوبتان من مؤتمر أصدقاء سوريا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عثمان ميرغني
الشعب السوري يحتاج إلى أكثر من البيانات ومن خطوات الدعم المقدمة حتى الآن، وهذا واضح ولا يحتاج إلى شرح مع مناظر القتل والقمع التي تنقلها كاميرات المحتجين يوميا؛ فالنظام أثبت أنه مستعد للقتال والقتل من أجل التشبث بالسلطة، لم تردعه كل بيانات الإدانة الصادرة حتى اليوم، ولم توقفه خطوات المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية الجزئية، خصوصا مع وجود حلفاء مستعدين لدعمه، ودول عربية غير راغبة في الانضمام لهذه المقاطعة، ومستعدة لخرقها. بل إن النظام يبدو وكأنه يجد شيئا من التشجيع عندما يرى الانقسام في المواقف إزاء الأزمة على الأصعدة كلها، داخليا وإقليميا ودوليا. فعلى الصعيد الداخلي لا تبدو المعارضة موحدة، وتفتقد التنسيق المطلوب في ظل هذا الوضع، بل وتعاني التضارب والتنافس أحيانا، بينما الشعب يدفع ثمنا باهظا مع تصاعد شراسة الحملة التي يشنها النظام لإجهاض الانتفاضة، كما أن هناك قسما من السوريين لا يزال يدعم النظام، وقسما آخر يقف حائرا وخائفا ومتفرجا.
على الصعيد الإقليمي، هناك تجاذب لا يخفى على أحد في ظل تقاطعات سياسية تتداخل فيها عوامل وحسابات طائفية بدأت تزداد حدة في المنطقة، ولم يعد ممكنا إنكار وجودها، أو إسقاط تأثيراتها على الأزمة السورية. أما عربيا فهناك دول تدعم النظام السوري بالمستور أو بالمكشوف، تارة بحجة رفض التدخل الخارجي، وتارة بذريعة الخوف على سوريا وشعبها من الحرب الأهلية، وأحيانا بحجة الخوف على الأمن القومي العربي، الذي أصبح مجرد شعار يردد من دون أن يعني شيئا على أرض الواقع المستباح.
دوليا ليس هناك ما يدل على أن روسيا والصين ستقومان باستدارة كاملة عن موقفهما الذي أحبط خطة الجامعة العربية في مجلس الأمن، وذلك على الرغم من بعض القراءات المتفائلة لجولات المبعوثين الروس والصينيين الأخيرة والتصريحات الصادرة من البلدين لتبرير استخدامهما لـ"الفيتو". فالبلدان يقولان إنهما يريدان تسوية داخلية عبر حوار بين النظام السوري والمعارضة، ويرفضان ما يعتبرانه هيمنة غربية ومحاولة أميركية لاستخدام مجلس الأمن كغطاء لسياسة تغيير الأنظمة، ويقولان إنهما خُدعا في القرار المتعلق بالأزمة الليبية الذي استخدمته الدول الغربية كغطاء لتدخل حلف "الناتو". من هذا المنطلق فإن دعوة الجامعة العربية الأخيرة إلى تشكيل قوات عربية - أممية للمراقبة والتحقق من تنفيذ وقف إطلاق النار ستصطدم مرة أخرى بالجدار الروسي - الصيني؛ لأن تشكيل مثل هذه القوات لا يمكن أن يتم من دون قرار من مجلس الأمن الدولي.
في ظل هذه الصورة المعقدة ما الذي يمكن توقعه من مؤتمر أصدقاء سوريا الذي سيُعقد بعد يومين؟
التدخل العسكري المباشر غير وارد، حتى إن أراده البعض، على الرغم من علاته الكثيرة ومخاطره الجمة. فبغض النظر عن موقف الصين وروسيا المعارض، فإن الدول الغربية في غالبيتها ترفض هذا الخيار، وعبرت عن هذا الأمر في تصريحات كثيرة بدءا من واشنطن وانتهاء بلندن، وهما في العادة العاصمتان الأكثر ميلا واستعدادا للتدخل العسكري. وقد قطع الأمين العام لحلف "الناتو" الشك باليقين عندما قال في تصريحات قبل أيام إن الحلف لن يتدخل في سوريا حتى لو صدر تفويض بذلك من الأمم المتحدة.
يبقى الخيار الآخر، وهو التدخل العسكري غير المباشر من خلال تقديم الدعم للمعارضة السورية، وهو الأمر الذي يصبح أكثر احتمالا كلما أمعن النظام السوري في استخدام العنف. فقرار الجامعة العربية الأخير الذي تبنى فتح قنوات اتصال مع المعارضة السورية وتوفير جميع أشكال الدعم السياسي والمادي لها يمهد الأرضية لتمكين المعارضة من الحصول على السلاح لتصعيد الضغط على النظام ولتوفير قدر من الحماية للمدنيين. هناك من يحذر من مثل هذه الخطوة على أساس أنها قد تدفع بالأمور نحو الحرب الأهلية، كما أنها قد لا تنجح في قلب موازين القوة على أساس أن النظام يملك ترسانة عسكرية قوية لا يمكن للمعارضة مضاهاتها. لكن الذين يدفعون بهذا الطرح لا يقولون ما الذي يمكن فعله لردع النظام عن القتل، ولحماية المدن والمدنيين الذين يموتون بالعشرات كل يوم تقريبا.
صحيح أن هناك من يرى أن المقاطعة أثرت على النظام، لا سيما في الجانب الاقتصادي والمالي، وبالتالي فإن قدرته على الصمود ومواصلة استخدامه للبطش والآلتين العسكرية والأمنية، ستضعف تدريجيا مع مرور الوقت. إذا سلمنا بصحة هذا الكلام، فإن الأمر يعني أن معاناة الشعب السوري ستطول وتستمر ما لا يقل عن ستة أشهر أخرى إن لم يكن أطول، حسب توقعات من ينادون بالصبر على هذا الخيار. فالتجارب من عراق صدام إلى ليبيا القذافي توضح أن الأنظمة يمكن أن تصمد فترات طويلة في مواجهة المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية، ما دامت لا تكترث بمعاناة شعوبها، وما دامت هناك أطراف راغبة في خرق هذه المقاطعة وتقديم الدعم للأنظمة، بغض النظر عن الدوافع والمبررات.
من هنا، فإن التعويل على المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية وحدها لن يكون كافيا لزحزحة النظام السوري وإيجاد حل سريع للأزمة ونهاية قريبة لمعاناة الشعب؛ فالمطلوب قد يكون مزيجا من الخطوات التي تتراوح بين تشديد العقوبات والخناق على النظام، وتقديم الدعم للمعارضة، وتوفير المساعدات الإنسانية العاجلة للشعب السوري، حتى إن استدعى ذلك إقامة ممرات آمنة، مع إبقاء نافذة مفتوحة على الحل السياسي تحت إشراف عربي ودولي لا تُستبعد منه الصين أو روسيا حتى لا تبقيا قوتين معرقلتين. هذه هي التحديات التي تواجه مؤتمر أصدقاء سوريا الذي سيحتاج، من خلال الخطوات التي سيتبناها، إلى توجيه رسالتين قويتين: واحدة للنظام السوري، بأنه لا يمكنه المضي في القتل والبطش دون رادع، والأخرى إلى الشعب السوري، بأن العالم لن يدير وجهه عن معاناته التي طالت.