جريدة الجرائد

مطلوب فكر سياسي إسلامي جديد

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

علي محمد فخرو

أما وأن العديد من التنظيمات السياسية الإسلامية قد وصلت إلى قاعات البرلمانات والى كراسي الحكم في بعض الأقطار العربية وأنها في طريقها شبه المؤكد للوصول إلى تلك المقاعد في أقطار آخر، فانًّ العلاقة بين أسس الحكم كتعبير عن سلطة الدولة وأسس ممارسة السياسة في المجتمع كتعبير عن إرادة الشعوب أو الأمة من جهة وبين العقيدة والفقه والفكر الإسلامي من جهة أخرى لم يعد موضوعاً أكاديمياً وإنما أصبح شأناً مؤثراً بقوة في واقع كل جوانب حياة الناس اليومية، الشخصية منها والعامة. وفي المستقبل القريب سيصبح هذا الموضوع شغلاً من أهم شواغل الثورات والحراكات العربية في تجلياتها في الشوارع والسَّاحات وفي قاعات الحكم والتشريع والقضاء ومؤسسات المجتمع المدني كافة وفي كل وسائل الإعلام والتواصل.
ومن المؤكد أن الطرح الإسلامي لتلك العلاقة سيقابله وجهاً لوجه الطرح الآخر الذي هيمن سابقاً: طرح العقائد والمذاهب والفلسفات والأفكار والتجارب الأخرى غير الإسلامية. وهذا بالطبع سيجعل المشهد السياسي عبر الوطن العربي أكثر تعقيداً وامتلاء بالصراعات. وكنا نتمنَّى لو أن هذا الموضوع قد حسم قبل مجيء ثورات الربيع العربي وما حملته من مفاجآت لم تكن في حسبان الكثيرين. هذه الصٍّراعات الفكرية السياسية ستكون عبثية وغير منتجة لو لم تأخذ بعين الاعتبار الجوانب التالية:
أولا: إدراك القوى الإسلامية السياسية بأن تاريخ الفكر السياسي الإسلامي، بما فيه السياسي الفقهي، إتَّسم بالفقر والتسطيح وأنه إنشغل بحقوق وواجبات السلطان أكثر من اهتمامه بحقوق وواجبات الأمة وساكني المجتمعات. وكان أكثره شبه نصائح للسلاطين وولاة الأمر بدلاً من تأصيل لمجمل العلاقات بين الناس وسلطة الدولة. ولن تكفي الإشارة إلى بضع آيات قرآنية كريمة أو بضعة أحاديث نبوية لتكوين فكر سياسي يتصف بالشمولية والمرونة والفاعلية في مواجهة قضايا معقدة شائكة تواجهها مجتمعات عصرنا. إن تلك الآيات والأحاديث هي توجيهات أخلاقية وقيميه رفيعة المستوى ودافعة نحو سمو الحياة السياسية ولكنها ليست نظريات ولا استراتيجيات ولا برامج ولا منهجيات ولا تنظيمات سياسية تعمل في الواقع اليومي وتغيٍّره.
ثانيا: لكن في مقابل ذلك الفقر القديم يوجد تراث فكري سياسي إسلامي، فيه الكثير من الجديَّة والحيوية والعمق، تراكم عبر القرنين الماضيين. إن كتابات جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والطهطاوي والكواكبي ورشيد رضا وعلي عبدا لرزاق وابن بأديس وخير الدين التونسي وخالد محمد خالد وحسن حنفي وطــــــه عبدالرحمن وعبدالله العروي ومحمد عابد الجابري وفهمي هويدي وطارق البشري وعشرات غيرهم في طول الأرض العربية والإسلامية وعرضها، تزخر بمحاولات جدية مبهرة ناجحة لتأصيل فكر سياسي إسلامي يتصف بالشمولية والفاعلية والمرونة والتجديد اللازمين لقيام حياة سياسية بالغة الغنى والحداثة في أرض العرب والإسلام.
ثالثا: هناك التطور الكبير الذي دخل على الفكر السياسي الإسلامي عند الأحزاب السياسية الإسلامية نفسها وذلك عبر العقود الأخيرة. فتعبيرات من مثل الديمقراطية والدولة المدنية وحقوق الإنسان العالمية والتعددية السياسية والثقافية ومساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات أصبحت جزءاً من خطاب العديد من الأحزاب الإسلامية السياسية الكبيرة التي نجحت مؤخراً في اقتحام الحياة السياسية العربية بشكل مبهر. والمطلوب من هذه الأحزاب هو الاستمرار في تطوير فكرها السياسي من أجل التعامل مع الأوضاع العربية الجديدة من جهة ومع مسؤولياتها وواجباتها الثقيلة الجديدة من جهة أخرى.
رابعا: من جانب آخر فان المفكرين والكتاب الذين حملوا لواء الفكر السياسي الأخر، وعلى الأخص الآخر الذي ولد وترعرع وطبّق في الغرب الأوروبي والأمريكي، مطلوب منهم مراجعة ما تبنَّوه وما أدَّعوا انه الحل السحري المتكامل الذي يجب أن يتبنًّاه العرب والمسلمون. إن مهمتهم تحتاج أن تركٍّز على إبداع القدرة على إغناء ذلك الفكر السياسي الإسلامي الواسع والمتنوٍّع، إغنائه بما لدى الآخرين من فكر وتجارب في حقول السياسة. المسألة ليست انتصار فكر على فكر أو إحلال فكر مكان آخر. المسألة هي تلاقح فكري خلاًّق لا يقفز فوق تاريخ وثقافة المجتمعات.
هل سينجح المفكرون والقادة السياسيون أن يخرجوا هذه الأمة من المواجهات الفكرية العبثية التي تميَّز بها القرن الماضي، لرحاب الحوارات المغنية لحياتنا السياسية العربية، حتى لا ينقلب الربيع العربي إلى خريف أو حتى شتاء ؟ هذا هو أحد الأسئلة المطروحة في هذه المرحلة الجديدة بقوة على مفكري وقادة هذه الأمة التي أنهكتها المحن عبر القرون الماضية، وآن لها أن تهدأ وتستريح.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
فكر إسلامي ثاني؟
lilly -

يقول الكاتب أنه يلزمنا فكر اسلامي جديد وكأن الفكر الموجود اليوم لا يكفينا! أمثال الكاتب اعتقدوا أن وصول الاسلامويين إلى السلطة نهاية المطاف وأنه علينا أن نقبل بقدرنا كما هو وأن ينحصر جهدنا من الآن فصاعداً بإغناء تجربتهم. تجاهل الكاتب تجارب كل باقي الأمم وحاول اقناعنا اننا -ذوي خصوصية- وأن الدولة الدينية تنفع عندنا ولو فشلت في كل بقاع الأرض. تجاهل المقال اننا بشر كباقي الخلق واننا جزء من هذا العالم ولو حاول الإسلام السياسي عزلنا و نشر ايديولوجيته فينا بغية البقاء في الحكم. خطاب الاسلامويين سيصطدم بحقوق المواطنين لأن -النص المقدس- لا يؤمن لا بحرية المرأه ولا بحقوق الانسان؛ هو يعتبر الآخر المختلف إما عورة ناقصة عقل أو ذمي كافر أو علماني ملحد. قد يكون الوصول للسلطة -هدف- تحقق للإسلام السياسي لكنه ليس كذلك للأوطان فالمنصب يجب أن يكون -وسيلة- تسعى لإصلاح المجتمع مع القبول المسبق بفكرة ترك الكرسي لفريق آخر مختلف قد يتم إنتخابه لاحقاً. تجربتنا مع الاسلاميين ستفاقم من مشاكلنا لأنهم لا يختلفون عن من سبقهم إلا باللحية. وصول هؤلاء لموضع القرار سيرجعنا للخلف فنتلهى بتمجيد أعلام الاسلام السياسي كما فعل كاتب هذا المقال.

فكر إسلامي ثاني؟
lilly -

يقول الكاتب أنه يلزمنا فكر اسلامي جديد وكأن الفكر الموجود اليوم لا يكفينا! أمثال الكاتب اعتقدوا أن وصول الاسلامويين إلى السلطة نهاية المطاف وأنه علينا أن نقبل بقدرنا كما هو وأن ينحصر جهدنا من الآن فصاعداً بإغناء تجربتهم. تجاهل الكاتب تجارب كل باقي الأمم وحاول اقناعنا اننا -ذوي خصوصية- وأن الدولة الدينية تنفع عندنا ولو فشلت في كل بقاع الأرض. تجاهل المقال اننا بشر كباقي الخلق واننا جزء من هذا العالم ولو حاول الإسلام السياسي عزلنا و نشر ايديولوجيته فينا بغية البقاء في الحكم. خطاب الاسلامويين سيصطدم بحقوق المواطنين لأن -النص المقدس- لا يؤمن لا بحرية المرأه ولا بحقوق الانسان؛ هو يعتبر الآخر المختلف إما عورة ناقصة عقل أو ذمي كافر أو علماني ملحد. قد يكون الوصول للسلطة -هدف- تحقق للإسلام السياسي لكنه ليس كذلك للأوطان فالمنصب يجب أن يكون -وسيلة- تسعى لإصلاح المجتمع مع القبول المسبق بفكرة ترك الكرسي لفريق آخر مختلف قد يتم إنتخابه لاحقاً. تجربتنا مع الاسلاميين ستفاقم من مشاكلنا لأنهم لا يختلفون عن من سبقهم إلا باللحية. وصول هؤلاء لموضع القرار سيرجعنا للخلف فنتلهى بتمجيد أعلام الاسلام السياسي كما فعل كاتب هذا المقال.