قضية كشغري وسؤال العدالة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
شتيوي الغيثي
ما حصل في قضية حمزة كشغري كان أكبر من أن نفهمه في إطار حدث التغريدات التي كتبها في لحظة حماس، أو لحظة جهل، أو سوء تعبير عن قضايا ثقافية أبعد تخص أكثر من مسألة في ذات الوقت، إذ يتداخل هنا مفهوم حرية التعبير مع احترام عقائد الشعوب أو ما يسمى احترام المشاعر الدينية، وعدم العبث بالرموز الدينية لدى الناس، إلى جانب الصراع الثقافي الدائر قبل القضية نفسها، من قبيل الاحتقان بين الأطياف المتصارعة كالليبرالية والسلفية والتشدد والاعتدال والتيار "الليبروإسلامي" ــ إذا صح التركيب ــ الصاعد حاليا، حول الكثير من القضايا الفكرية ذات الهم العام كقضايا الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها.. بل إنه يمكن القول: إن الأمر يتعدى إلى الاحتقان الجماهيري والتعبير عن غضب جماعي توجه إلى ذات الشخص حتى بعد إعلان التوبة والتراجع عن ما كتبه، مما يدل على أن القضية تعدت عن كونها قضية دينية خالصة، إلى تفريغ مكبوتات قهرية تلبست الطابع الديني.
الذي حصل أن القضية تحولت إلى قضية رأي عام، وطبيعة القضايا العامة أنها حساسة، ولا يمكن حلها في جانب دون النظر للجوانب الأخرى: الاجتماعية والدينية والثقافية، وحتى السياسية منها أيضا، لأنها ذات طابع تداخلي يجعل من القضية تتعقد أكثر وأكثر كلما نظرنا إليها من جانب دون الجانب الآخر، وعلى ذلك؛ فإن الحكم في الأخير على القضية لابد أن يضع في اعتباره كل هذه الأشياء متراكمة مما يعقد المسألة أكثر، وهنا يصبح سؤال العدالة سؤالا شائكا لأنه يخضع لمعايير خارجة عن القضية نفسها.
إن الانتقام المتبادل من جميع الأطراف، والصراع الدائر، وتصفية الحسابات، والتجييش الجماهيري حتى ضد المعتدلين في نظرتهم للأمور، وفرز المجتمع فرزا حادا إلى تيارين لا ثالث لهما، يأخذ بالمسألة إلى تشعبات تستعصي على الحل السريع، أو قد تؤثر أحيانا على مسار القضية، وتحرفها عن المشكلة الأساسية إلى مشكلات أخرى متفرعة تدخل في لب الصراع، بحيث يتم التأثير على القضية بما هو خارجها، مما يربك النظر في القضية.. النظر الذي يستقصي حيثيات الموضوع في القضية نفسها وليس إلى ما أفرزته من مشكلة اجتماعية أو ثقافية بعيدة عن أساس المشكلة.
الغريب أن الأطراف المتنازعة التي تختلف في مفهوم العدالة، تتفق في أن هناك مشكلة في القضاء نفسه، والاتفاق حول مشكلة القضاء ناتج عن الاختلاف في مفهوم العدالة أي أن كل طرف من الأطراف ينظر إلى العدالة القضائية بمنظوره الديني أو الثقافي أو القانوني، والغريب أكثر أن جميع هذه الأطراف تحتكم إلى هذا القضاء الذي تنتقده كل فترة، مما يعني أن سؤال العدالة مازال سؤالا إشكاليا وضبابيا في نظر المختلفين..
إن الناظر في القضية سوف يكون أمام خيارين: إما النظر لها على اعتبارها قضية خاصة جدا سوف يتم التعامل معها من منظورها الداخلي، أو النظر لها إلى كقضية عامة لايمكن حلها إلا بالنظر إلى التشعبات الكثيرة التي أنتجتها.. برأيي إن النزاع لن ينتهي لدى الأطراف في حال تم الحكم على القضية في أي شكل من أشكالها، لأن رغبة التأثير في الحكم يدور حول مسألة انتصار مفهوم العدالة لدى الأطراف المتنازعة، وليس إلى المدونة القضائية العامة.. الإشكالية الأخرى أن المدونة القضائية ذاتها مختلف فيها، وخاضعة إلى التأثيرات الثقافية والدينية والقانونية للمجتمع، وتماسها سلبيا أو إيجابيا مع مواثيق حقوق الإنسان الدولية، مما يعني أننا بحاجة إلى تحرير مفهوم العدالة نفسها قبل أي شي آخر.