الدبلوماسية الأميركية.. بين الحل والتحايل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
نبيل عمرو
آرون ميلر.. كان أحد أعضاء فريق العمل الأميركي في عملية السلام على مسارها الفلسطيني - الإسرائيلي، ورغم الصورة النمطية التي يحب بعضنا رسمها عن اليهود الأميركيين أمثال دينيس روس وغيره، فإنني أقول ووفق انطباعاتي الشخصية عن الرجل إنه كان جديا في سعيه من أجل فتح الأبواب المغلقة كلما تعثرت المفاوضات، أو كلما واجه تطبيق مخرجاتها عوائق من أي نوع، حتى إنه أشرف على مبادرة بذور السلام التي راهن على أنها ربما تزرع في أعماق النشء ثقافة التفاهم والحوار والتسامح.
في آخر رأي سياسي قدمه ميلر تحدث عن الرباعية، وكنت في "الشرق الأوسط" قد كتبت شيئا مباشرا عنها، وأضاف على ما نعرف ما هو أخطر وأكثر عمقا.. ولقد لفت نظري في أقوال ميلر تفسيره لفكرة الرباعية، وهو تفسير من شأنه تعميق الانطباع بأن إدارة بوش اعتمدت التحايل في أمر عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية بغرض تحقيق مكتسبات في مكان آخر (العراق)، ونجحت في استدراج روسيا إلى اللعبة.. ولربما نجحت في تضليل أوروبا.. بإيهام الطرفين الروسي والأوروبي بأنهما أصبحا شريكين في الشرق الأوسط، وهو أمر تسعى إليه روسيا منذ قديم الزمان، وقدمت على سبيله إمكانيات ضوئية دون جدوى. أما بالنسبة لأوروبا، الجار الأقرب للشرق الأوسط، فهي - ومنذ زمن - ملّت دور الممول الاقتصادي للسلام والتابع السياسي لواشنطن من دون محصلة ملموسة تذكر. لهذا كانت الرباعية كفكرة وإطار بمثابة خطوة ذات إيقاع سحري على صعيد تحقيق حلم المشاركة، أما على الصعيد العملي فكانت تحايلا من أجل شراء سكوت أو هدوء باقي الأطراف.. تراه واشنطن ضروريا في حملتها العسكرية الثانية لاحتلال العراق.
في السياسة وعلى صعيد الدول الكبرى، تحدث أشياء كثيرة من هذا القبيل، ولا يجوز القول إن هذا عمل غير أخلاقي، فالأخلاق في السياسة هي لتبرير اللاأخلاق في السلوك!.. وهذا أمر أضحى بديهيا حتى في وعي البسطاء وليس العلماء!! إنما السؤال الذي يثور ونحن بين يدي حكاية التحايل والحل في أمر الرباعية هو بالتحديد: ماذا أنتج هذا النوع من السياسة؟ وإلى أين أوصل الشرق الأوسط وعنوانه في عملية السلام هو المسار الفلسطيني الإسرائيلي قبل الفيضان الجديد المسمى بالربيع العربي؟
لقد ورثت الإدارة الديمقراطية عن الجمهورية الجمل بما حمل.. ورثت الرباعية بعد أن تعود الشرق الأوسط عليها كآلية دولية وحيدة تقوم بسد الفراغ أو إدارة الفراغ من دون بذل أي جهد لتقديم حلول ممكنة.. حتى خطة خارطة الطريق التي وضعت في غمار التظاهر الأميركي بالعمل الجدي نسيت تماما.. وكان أول من نسيها أولئك الذين تبنوها بعد أن وضعوها وهم أقطاب الرباعية، إذ جرى اختصار محصلة الخطة على الترحيب بما قدمه الفلسطينيون من تطبيق لما يخصهم منها.. مع إبداء الأسف لعدم استجابة الإسرائيليين.
وفي غمار التحايل كذلك دعا الرئيس بوش الابن إلى حفل تأبيني مزدهر اتخذ صفة المؤتمر الدولي في أنابوليس، وقام ببيع سلعة قديمة في أغلفة جديدة، اسمها العمل الحثيث لإنقاذ عملية السلام.. وحين لم يتم الإنقاذ قال الرجل: "آسف، لم يتبقَّ عندي المزيد من الوقت كي أحقق نتائج".. كان ذلك في الأسابيع الأخيرة لثماني سنوات من الجلوس على عرش العالم بما في ذلك الشرق الأوسط.
وحين ينكشف أمر الصيغة الأميركية في العمل الشرق أوسطي، ويبدو فيها أن التحايل أوفر حظا من الحل، هل سيغير الديمقراطيون لو فاز أوباما بولاية ثانية سيناريو سلفه "المتحايل"؟ أم أنه سيقفز من فوق الحفرة إلى مكان آخر تاركا سلام الشرق الأوسط وراء ظهره إلى أجل غير مسمى؟ أم أن السيناريو سيظل على حاله لو فاز الجمهوريون أصحاب الفكرة وصناع ظاهرة التحايل عبر الرباعية؟ إن السيد ميلر قدم أخيرا استنتاجه كخبير أميركي، يعرف مقومات صنع القرار في واشنطن ويعرف استعدادات أطراف الشرق الأوسط تجاه السلام سلبا وإيجابا.. لقد خلص إلى ما نعرف ولكن لا نعترف.
الإدارة الأميركية لا تملك سياسة تجاه السلام في الشرق الأوسط.. ولن يجرؤ لا الديمقراطيون ولا الجمهوريون على ممارسة ضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان.. وأميركا دخلت مرحلة أن أحدا لا يقيم لها وزنا!!!
ولو أن أحدا غير أميركي توصل إلى هذا الاستنتاج لأحاط به الشك والتشكيك من كل جانب، ولكن حين يقول ذلك آرون ميلر وهو أحد اللاعبين الرئيسيين باسم أميركا في حلبة الشرق الأوسط، فلا بد أن يكون لقوله مصداقية موجعة.