جريدة الجرائد

الشيخ القرضاوي‏..‏ والليبراليون‏!‏

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

أحمد عبد المعطي حجازي

لا أظن أن فضيلة الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي كان موفقا في هذا الهجوم الضاري الذي شنه علي الليبراليين المصريين الذين وصفهم في تصريحاته الأخيرة بأنهم دخلاء علي الشعب المصريrlm;,

لأنهم في رأيه يرفضون شرعية الاسلام ولهذا يعتقد فضيلته أن الليبراليين لامستقبل لهم في الحياة السياسية المصرية الا في حالة واحدة, هي أن يخيب الاسلاميون, فعندئذ تصبح الفرصة سانحة لليبراليين!
لم يكن الشيخ القرضاوي موفقا. لأن الليبراليين هم أنصار الحرية. وليس من العدل أو التوفيق أن يقال ان أنصار الحرية دخلاء علي المصريين أو علي غير المصريين.
كلمة ليبرالي تعريب للكلمة الفرنسية liberal المشتقة من كلمة liberte أي الحرية التي أصبحت تدل في العصور الحديثة علي أوضاع سياسية واقتصادية لم يكن لها وجود من قبل. فقد تطور الانتاج بفضل التقدم العلمي, واتسعت الأسواق واتصلت بعد الكشوف الجغرافية, وظهرت طبقات ومهن ومطالب جديدة فرضت نفسها علي المجتمع القديم وأعادت بناءه من جديد, فلم يعد الحكم استبدادا, ولم تعد الثروة احتكارا لطبقة بالذات. وإنما حلت الديمقراطية محل الاستبداد, وصار النشاط الاقتصادي نشاطا حرا مفتوحا يشارك فيه الجميع ويحصل كل مواطن علي نصيب من عائداته, بعد أن كان العمل سخرة والثروة امتيازا خاصا لمن يملكون ولايعملون. هل تكون الليبرالية بصورتها هذه دخيلة علي مصر؟ وإذا كانت الليبرالية دخيلة فهل تكون العبودية أصيلة؟ وهل يكون الطغيان قدرا مسلطا علي المصريين دون الخلق أجمعين؟!
صحيح أننا عشنا في السخرة والطغيان عصورا طويلة, وأننا لم نفتح عيوننا علي الحرية والديمقراطية إلا بعد أن اصطدمنا بالأوروبيين في العصور الحديثة, فهل كان علينا أن نرفض الديمقراطية, والدستور, والبرلمان, وحرية الصحافة, والمناهج العقلانية, والأكتشافات العلمية هل كان يجب أن نرفض هذا كله ونحافظ علي تخلفنا لأن التخلف انتاج محلي والتقدم مستورد؟!
نعم, كل ما ننعم به الآن لم نصنعه بأيدينا, وإنما نقلناه عن الأوروبيين. هذه الطاقات, وهذه الأدوات, وهذه المصانع, وهذه المعارف, وهذه العلوم كلها منقولة. حتي درجة الدكتوراه التي يحملها صاحب الفضيلة ويبدأ بها ألقابه منقولة مستعارة من عالم العصور الوسطي الأوروبية. كل هذا منقول ومستورد. ولابأس بأن ننقله بشرط ألا نتخذه زينة لأسمائنا ونكتفي بذلك, بل نجعله شررا نشعل به طاقاتنا لنصبح في هذه الحضارة الانسانية الحديثة منتجين لامجرد مستهلكين.
وأنا لا أقول جديدا, وإنما أصف مشروع النهضة الذي بدأناه منذ قرنين, حين أرسلنا رفاعة الطهطاوي الي باريس ليأتينا بقبس من أنوارها فعاد يبشرنا بالكثير. ومن الكثير الذي بشرنا به هذه الليبرالية التي توطنت خلال القرنين الماضيين في بلادنا, وأصبحت تيارا فاعلا صانعا للتاريخ. ولو رجع الأستاذ القرضاوي الي تخليص الابريز في تلخيص باريز لقرأ الكثير عن الليبرالية, خاصة حين يتحدث الطهطاوي عن ثورة الفرنسيين عام 1830 والصراع بين الملكيين والليبراليين الذين يسميهم الطهطاوي الحريون نسبة للحرية.
وقبل أن يمر نصف قرن علي صدور هذا الكتاب حدث في مصر ما حدث في فرنسا. فقد تألف الحزب الوطني الأول الذي ضم زعماء الثورة العرابية, وطالب بالدستور, وبمجلس نيابي يكون له الحق في اصدار القوانين ومراقبة الحكومة ومحاسبتها. وقد جاء في برنامج هذا الحزب الذي شارك في وضعه الإمام محمد عبده إن الحزب يخضع للخديو, لكنه قرن هذا الخضوع بالعزم الأكيد علي عدم عودة الاستبداد والأحكام الظالمة التي أورثت مصر الذل, وبالالحاح علي الحضرة الخديوية بتنفيذ ما وعدت به من الحكم الشوري (الديمقراطي) وإطلاق عنان الحرية للمصريين.
وإذا كانت الليبرالية قد بدأت في كتاب الطهطاوي كلمة مترجمة عن الفرنسية فقد أصبحت ثقافة مصرية في رسالة الشيخ حسين المرصفي التي ألفها قبل مائة وثلاثين سنة وسماها رسالة الكلم الثمان وتحدث فيها عن الأمة, والوطن, والحكومة, والعدل, والظلم, والسياسة, والحرية, والتربية. فإذا خرجنا من القرن التاسع عشر ودخلنا القرن العشرين وجدنا الليبرالية حاضرة بقوة في النشاط الثقافي المصري, في كتابات أحمد لطفي السيد, وطه حسين, والعقاد, وفي النشاط السياسي, في حزب الوفد, وحزب الأحرار الدستوريين, وغيرهما.
gt;gt;gt;
والشيخ القرضاوي الذي لم يكن موفقا حين قال إن الليبراليين دخلاء علي مصر, لم يكن موفقا كذلك حين قال إن الليبراليين يرفضون شرعية الاسلام. فالاسلام في مصر ليس وافدا جديدا ليواجه الرفض والقبول, وإنما الاسلام هو ديانة غالبية المصريين منذ قرون عديدة, وهو أساس راسخ في ثقافتهم جميعا مسلمين وغير مسلمين. وإنما الوافد الدخيل هو هذا الفهم الضيق للاسلام المنقول الينا من عصور خلت ومجتمعات لها ظروفها التي تفرض عليها شروطا جائرة للحياة تتناقض مع الحقوق الطبيعية للانسان, وتصطدم بحضارة العصر, فمن الطبيعي أن نرفض هذه الشروط, لا باسم الليبرالية وحدها, بل باسم الاسلام أيضا. لأن الاسلام في جوهره الحقيقي أكثر إنسانية مما يراه بعض الذين يتحدثون باسمه, وأرحب منهم صدرا, وأكثر قدرة علي أن يطور فكره مع تطور الحياة, لأنه رسالة موجهة للبشر جميعا في كافة أصقاعهم وكافة عصورهم التي تختلف شروط الحياة فيها وتتطور علي الدوام. فما كان يصلح للجزيرة العربية لايصلح لنا. وما كان مقبولا في القرن السابع الميلادي لم يعد مقبولا ولامعقولا في القرن الحادي والعشرين.
نعم نرفض خلط الدين بالسياسة. ونرفض الاستبداد. ونرفض احتقار المرأة وعزلها. ونرفض التمييز بين أصحاب الديانات المختلفة. ونرفض الدولة الدينية التي كانت تقوم علي هذه المباديء والسياسات التي يسميها الشيخ القرضاوي شرعية الاسلام.
gt;gt;gt;
وأخيرا, فالشيخ القرضاوي لم يكن موفقا حين جعل المستقبل وقفا علي الاخوان والسلفيين. كأن مصر ليس فيها طوائف دينية وتيارات فكرية وأحزاب سياسية أخري تتيح لها الديمقراطية أن تتعلم من تجاربها وتوسع قواعدها بما تطرحه علي المصريين من برامج ووعود وسياسات, وتصل عن طريق الانتخابات الي السلطة, وهذا ما يخشاه الشيخ القرضاوي, ويحذر الاسلاميين منه, وينصحهم بالبقاء في السلطة شاءت الديمقراطية أو أبت!
والحقيقة أن الاسلاميين لايحتاجون لنصيحة شيخهم. فماضيهم مع الديمقراطية محفوظ, وحاضرهم ماثل في كل البلاد التي يحكمونها حولنا. وعلينا نحن أن نتعلم الدرس, ونحذر الوقوع في هذا المستقبل المظلم!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ليبرالي اصيل
ابوعبدالرحمن -

الغريب ان الكاتب المحترم عندما اراد تقريب مفهوم اللبراليه قال انها معربه من كلمه فرنسيه - كيف تكون معربه وهي تنطق وتكتب بنفس نطقها بالفرنسيه او الانجليزيه - ومن قال لك ان امثالك ضد الدوله الدينيه وعزل المرأه والى اخر الاسطوانه العلمانيه المشروخه ؟ لماذا لا ترجع الي تصريحات ساركوزي بأن فرنسا فشلت في موضوع التعدد الثقافي ؟ لماذا تفشل عاصمه النور وبلد الحريه في التعدد والتعايش الثقافي ؟ واذا كان من كتب مسلمين كتبوا عن الامه والسلطات والقوانين في مستمده اساسا من الاسلام , فخطبه الخليفه الاول للمسلمين - ابوبكر الصديق رضي الله عنه - بعد اختياره من مملثي الامه تتضمن حريه الامه في عزل الخليفه اذا قصر في مهامه ( وليت عليكم ولست بخيركم فإن اعوججت فقومني )فإين كانت بلد الحريه وعاصمه النور في هذا التوقيت ؟

ليبرالي اصيل
ابوعبدالرحمن -

الغريب ان الكاتب المحترم عندما اراد تقريب مفهوم اللبراليه قال انها معربه من كلمه فرنسيه - كيف تكون معربه وهي تنطق وتكتب بنفس نطقها بالفرنسيه او الانجليزيه - ومن قال لك ان امثالك ضد الدوله الدينيه وعزل المرأه والى اخر الاسطوانه العلمانيه المشروخه ؟ لماذا لا ترجع الي تصريحات ساركوزي بأن فرنسا فشلت في موضوع التعدد الثقافي ؟ لماذا تفشل عاصمه النور وبلد الحريه في التعدد والتعايش الثقافي ؟ واذا كان من كتب مسلمين كتبوا عن الامه والسلطات والقوانين في مستمده اساسا من الاسلام , فخطبه الخليفه الاول للمسلمين - ابوبكر الصديق رضي الله عنه - بعد اختياره من مملثي الامه تتضمن حريه الامه في عزل الخليفه اذا قصر في مهامه ( وليت عليكم ولست بخيركم فإن اعوججت فقومني )فإين كانت بلد الحريه وعاصمه النور في هذا التوقيت ؟

ماركسيون سابقون
حامد -

اغلب اللبراليين المصريين والعلمانيين هم في الحقيقة من الماركسيين والشيوعيين السابقين الذين بدلوا جلدوهم بعد سقوط أصنامهم. وطول عمرهم كانوا خداماً للدكتاتورية والاستبداد وأعداء للدين الاسلامي والقيم والاخلاق

ماركسيون سابقون
حامد -

اغلب اللبراليين المصريين والعلمانيين هم في الحقيقة من الماركسيين والشيوعيين السابقين الذين بدلوا جلدوهم بعد سقوط أصنامهم. وطول عمرهم كانوا خداماً للدكتاتورية والاستبداد وأعداء للدين الاسلامي والقيم والاخلاق

اللبرالي بوق فقط
محمود -

اللبراليين والعلمانيين نخبة فاشلة بكل المقاييس تحتقر الشعب ومعتقداته ولا تجيد الا اللغو الفارغ تاريخيا هي من وقفت مع الطواغيت وايدتهم وهي التي بررت لهم كل هزائمهم وتجاوزاتهم ادعو الى اعادة سهم المؤلفة قلوبهم للدفع لهؤلاء ليخرسوا ويكفوا بلاهم عن المجتمعات ويتركوا الناس يعملون وينتجون

اللبرالي بوق فقط
محمود -

اللبراليين والعلمانيين نخبة فاشلة بكل المقاييس تحتقر الشعب ومعتقداته ولا تجيد الا اللغو الفارغ تاريخيا هي من وقفت مع الطواغيت وايدتهم وهي التي بررت لهم كل هزائمهم وتجاوزاتهم ادعو الى اعادة سهم المؤلفة قلوبهم للدفع لهؤلاء ليخرسوا ويكفوا بلاهم عن المجتمعات ويتركوا الناس يعملون وينتجون

الكاتب معه حق
علي الكعبي -

......لقد اخطأ الشيخ القرضاوي في تصريحاته وهو ينوه الى فتح المجال امام الاسلاموية الضاربة اطنابها في ارض مصر لتستبدل الدكتاتورية بفكر اكليروسي ديني يستنسخ تجربة ايران وتجربة دول دينية اخرى فاشلة, .......الليبرالية تؤسس كل بناءها على الفرد سواء في الحرية الفردية وحرية المعتقد والدين الى اشتراك الفرد في اقتصاديات السوق على مبدأ مايسمى بالانكليزية المركنتالزم , الليبرالية تسمي الفرد على راي ادم سمث باليد الخفية التي تلعب دور في بناء النظام الداخلي للدولة وبماء النظام العالمي للعلاقات الدولية, ما احوج مجتمعاتنا العربية الان لاحترام الفرد واعطائه حقوقه واعتباره ودوره الذي سلب منه لقرون طويلة. العالم العربي الان وبعد الثورات العربية يطالب بحقوق انسان وحيوان وبيئة وحرية وديمقراطية وبرلمانات وبناء مؤسسات عادلة في توزيع الثرة ودعم الفرد والعائلة. هذه الليبرالية فاين الخطأ في الدعوة اليها والحد من سطوة الاسلامويين واضطهادهم وظلمهم وفكرهم المتعسف المبني على الالغاء والتكفير ورفض الاخر ..مع تحياتي للجميع

الكاتب معه حق
علي الكعبي -

......لقد اخطأ الشيخ القرضاوي في تصريحاته وهو ينوه الى فتح المجال امام الاسلاموية الضاربة اطنابها في ارض مصر لتستبدل الدكتاتورية بفكر اكليروسي ديني يستنسخ تجربة ايران وتجربة دول دينية اخرى فاشلة, .......الليبرالية تؤسس كل بناءها على الفرد سواء في الحرية الفردية وحرية المعتقد والدين الى اشتراك الفرد في اقتصاديات السوق على مبدأ مايسمى بالانكليزية المركنتالزم , الليبرالية تسمي الفرد على راي ادم سمث باليد الخفية التي تلعب دور في بناء النظام الداخلي للدولة وبماء النظام العالمي للعلاقات الدولية, ما احوج مجتمعاتنا العربية الان لاحترام الفرد واعطائه حقوقه واعتباره ودوره الذي سلب منه لقرون طويلة. العالم العربي الان وبعد الثورات العربية يطالب بحقوق انسان وحيوان وبيئة وحرية وديمقراطية وبرلمانات وبناء مؤسسات عادلة في توزيع الثرة ودعم الفرد والعائلة. هذه الليبرالية فاين الخطأ في الدعوة اليها والحد من سطوة الاسلامويين واضطهادهم وظلمهم وفكرهم المتعسف المبني على الالغاء والتكفير ورفض الاخر ..مع تحياتي للجميع