كتـاب: أوين يحلل جذور الاستبداد في الأعوام الخمسين الأخيرة (3)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كتـــــاب : روجر أوين يحلل جذور الاستبداد في الأعوام الخمسين الأخيرة (3)
القاهرة
أنهت ثورتا مصر وتونس أسطورة النظم الجمهورية الملكية التي ساد الاعتقاد أنها النمط الذي سيسيطر علي العالم العربي إلي أمد غير معلومrlm;.rlm; وللمرة الأولي في الدراسات الغربية الرصينةrlm;,rlm; يغوص المؤرخ البريطاني الشهير روجر أوين في أصول واليات نظم الحكم وشكل الحكومات التي سادت في الشرق الأوسط علي مدي القرن العشرين في كتاب جديد صعود وسقوط ظاهرة الرؤساء العرب مدي الحياة ويصدر في مايو المقبل عن دار نشر جامعة هارفارد الأمريكيةrlm;..
ويعرض الأهرام لأهم أفكار الكتاب قبل صدوره لاستخلاص أهم الدروس من الظاهرة السياسية التي أوصلت شعوب المنطقة إلي الثورة وإعادة رسم خريطة العالم العربي من جديد.
انتهي أوين من كتابه فعليا قبل أيام من بدء الثورة علي زين العابدين بن علي في تونس في ديسمبر عام0102 ثم وقع في حيرة من أمره هل يدفع مؤلفه إلي المطبعة أم ينتظر لرؤية تداعيات الإنتفاضات المتتالية التي بدأت بتونس ثم مصر وليبيا واليمن وأخيرا سوريا وما بينهما من إعلان الرئيس السوداني عمر البشير أنه لن يسع إلي فترة رئاسة جديدة بعد نهاية فترته عام5102 وهو ما كان يعني عمليا نهاية ظاهرة كان مقدرا ان تحكم الشرق الأوسط لعقود قادمة من توريث للحكم وقمع متواصل للحريات ثم واصل قراءة التطورات المثيرة ليقدم دراسة مهمة.
ويقول روجر أوين77 عاما أنه قد حضر صعود النظم الجمهورية القوية في العالم العربي بعد نهاية الحقبة الاستعمارية إستجابة لعملية إعادة البناء سعيا للإستقلال الكامل ومن ثم ظهرت برامج الإصلاح الزراعي والتصنيع والتعليم الحديث إلا أن سنوات السبعينيات جاءت بمظاهر الحكم الفردي الأكثر مركزية قبل أن تتحول إلي حكم سلطوي يتمسح في التعددية الحزبية والديمقراطية دون أن تمارسها الأنظمة العربية علي منوال بعض دول أمريكا اللاتينية أو جنوب آسيا أو أفريقيا جنوب الصحراء فيما يصفه المؤرخ الكبير بأنه قد تطور إلي عملية عناد وسير عكس الزمن وضد فلسفة النظام الجمهوري في العالم الحديث. ويقول أوين أن الحاكم العربي الوحيد الدي ترك السلطة طوعا- في مرحلة ما بعد وصول العسكريين للسلطة في غالبية الجمهوريات العربية في النصف الثاني من الستينيات- هو الرئيس اليمني الشمالي عبد الرحمن الإرياني عام4791. وبحلول نهاية ديسمبر0102, كان المشهد العربي يعج بالمعمرين في السلطة من حسني مبارك إلي علي عبد الله صالح في اليمن وزين العابدين في تونس والقدافي في ليبيا وعمر البشير في السودان, بينما كان نجاح نقل السلطة في سوريا إلي بشار الأسد هو الإغراء الأول للحكام الأخرين أن يقتفوا أثره في التوريث, بينما كانت الملكيتان في المغرب والاردن تخطوان نحو ممارسات أقرب للنظم الجمهورية من حيث الانفتاح علي التعددية الحزبية. ويقول الكاتب أن إغراء التحول من جمهوريات إلي ملكيات أمر يضرب بجذوره في التاريخ القديم والمعاصر, فالرئيس الأمريكي جورج واشنطن قاوم بشدة مطالب تنصيبه ملكا علي الولايات المتحدة بعد حرب الاستقلال ونابليون بونابرت قبل أن يصبح إمبراطورا تلبية لدعوات الحفاظ علي مكتسبات الثورة الفرنسية.
في الفصل الأول تحت عنوان البحث عن الشرعية في عالم غير آمن يرصد أوين مسيرة النظام الرئاسي في الدولة العربية الحديثة ويقول أن ما وصلنا إليه اليوم هو نتاج خليط من ميراث الحقبة الاستعمارية والعروبة والنظام الدولي للدول صاحبة السيادة تحت رعاية الأمم المتحدة بعد عام5491 حيث شملت بريطانيا وفرنسا الدول الحديثة التي ظهرت من توازنات وخطط الحرب العالمية الأولي والثانية وهو ما ترك أثرا بالغا في استمرار وجود مناطق نفوذ لتلك الدول في الشرق الأوسط فيما بعد, سواء في الهلال الخصيب أو شبه الجزيرة العربية أو شمال إفريقيا. وشهد بناء الدولة القومية تحديات هائلة نتيجة قيام الدول الاستعمارية بوضع حدود واقامة سلطة مركزية ونظام قانوني فيما أبقت علي الشركات التي استغلت ثروات تلك الدول وتركت وراءها ميراثا أخر من التقسيم الطائفي والعرقي تحصد ثماره الثورات العربية اليوم. كما ورث العالم العربي ـ بعد سيطرة التيار المعادي للاستعمار ـ أسوأ ملامح السياسات الاستعمارية وهي إهمال التعليم والصناعة المحلية, في حين خلف تيار العروبة في المناطق الواقعة شرق قناة السويس مشكلة التنازع مع الدولة الوطنية. وبعد حصول الدول العربية علي استقلالها عقب الحرب العالمية الثانية, لعب التهديد الخارجي من عودة المستعمرين من جديد دورا في إحكام الأنظمة الحاكمة قبضتها علي السلطة والبرهنة أمام شعوبهم علي أنهم قادرون علي الحكم والابتعاد عن مطامع المحتلين السابقين, فيما سعت الدول الإستعمارية إلي مواصلة الضغط السياسي والاقتصادي والعسكري علي تلك الأنظمة. وقد ولدت الضغوط السابقة, سياسات جديدة للأنظمة الحاكمة تعمل علي فرض السطوة علي المواطنين من خلال المؤسسات والاساليب المتنوعة ومنها إستخدام قوة جهاز الشرطة والأمن وإدارة الإنتخابات وهي أساليب مستعارة من الحكم الاستعماري السابق. كما لعبت هزيمة عام8491 دورا في رفع قدرات الجيوش العربية لمواجهة تهديد إسرائيل وهو ما نتج عنه زيادة في تعداد الضباط في الطبقتين الوسطي ودون الوسطي في مجتمعات, منها المجتمع المصري بالقطع, والطبقة الجديدة المتخرجة من الأكاديميات العسكرية كانت مفعمة بالوطنية وهو ما ترك تبعات في المواجهات بين العسكريين والقوي المدنية في مراحل لاحقة. وفي مواجهة الضغوط الخارجية, تحركت مصر لمواجهة الاستعمار القديم بأفكار الوحدة العربية والتعاون الأفريقي-الأسيوي فيما بقي حال الأوضاع الداخلية للنظام السياسي العربي في مأزق كبير خاصة بعد الانقلابات المتتالية في سوريا وهزيمة7691.
الجيل الثاني من الأنظمة العربية الحاكمة
في غالبية العالم العربي, شهدت حكومات ما بعد الاستقلال عملية إحلال جديدة بظهور أنظمة أكثر راديكالية سعت باسم الثورة علي إزالة كل أثار الحقبة الإستعمارية مثل تفكيك القواعد العسكرية الأجنبية المتبقية وتأميم معظم القطاع الخاص المرتبط بالعالم الخارجي لمصلحة سياسات إقتصادية تسيطر عليها الدولة وسياسات اجتماعية أيضا, فيما باتت الديمقراطية والتعددية أمورا مكروهة بعد أن أشاعت النخبة أن الممارسات الديمقراطية وراء الإنشقاق وبعثرة الوحدة الداخلية وبالمثل صارت القومية العلمانية هي الأيديولوجية السائدة علي حساب أي بديل أخر, ومنها ما يستند إلي المبادئ الإسلامية. ويقول أوين أن محاكمات ما بعد حركة الجيش في مصر عام2591 إستهدفت منح شرعية للضباط الأحرار وليس فقط معاقبة النظام الملكي السابق, بهدف محدد وهو تعميق الحكم السلطوي والصوت الواحد في ظل الصراع من أجل الإستقلال الكامل. وفي أعقاب مصر, توالت انقلابات مماثلة في العراق والسودان والجزائر وسوريا وليبيا في الفترة ما بين8591 و9691. كما أدت محاولة الإنقلاب المتتالية في الأردن والسعودية والمغرب إلي إرتداء الحكام ثوب المحدثين القابضين علي السلطة المركزية علي نمط الحكومات الجمهورية المجاورة. والنمط الأكثر تفضيلا للنظام السياسي في الجمهوريات الجديدة هو الحزب الواحد في ظل هيمنة تامة علي برامج وخطط التنمية والرفاهية الإجتماعية من خلال محاولة إعادة توزيع الثروة.. من وجهة نظر روجر أوين أن تلك البنية الجديدة كانت وسيلة أو محاولة لبناء الدولة فيما كان واقع الحال هو منح شرعية أكبر للحكام الوطنيين من خلال استخدام مصطلح الاشتراكية العربية بصورة غامضة سهلت عملية احكام السيطرة علي المواطنين والحدود الجغرافية واحتكار الصورة الرسمية للإسلام. عقب هزيمة7691, قامت إنقلابات عسكرية جديدة بفعل الروح المعنوية المتدنية خاصة في العراق وسوريا ثم ظهرت منظمة التحرير الفلسطينية وخرجت إلي النور التيارات الإسلامية في حقبة السبعينيات, وبزغت أنماط جديدة من التفكير السياسي ومنها ما فعله الرئيس الراحل أنور السادات من قبول تسوية سلمية مع إسرائيل بعد حرب أكتوبر وإعادة التفكير من جديد في جدوي النسخ المتشددة من القومية العربية. ويقول أوين أن هناك اربعة عوامل ظهرت في الفترة من أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات تركت أثرها في الحوادث السياسية التالية في العالم العربي وهي:
الأمر الأول: إعادة تأهيل الجيوش العربية علي نحو محترف بعد الهزيمة سواء في مصر أو سوريا أو العراق فيما أحكم الرئيس الجديد أنور السادات سيطرته علي المؤسسة العسكرية وهو النمط الدي انتقل إلي سوريا والعراق اللتين شهدتا في الماضي عدم قدرة الرؤساء أصحاب الخلفيات العسكرية علي السيطرة التامة علي مقاليد السلطة واستمالة الضباط المسيسين ممن دأبوا علي إستخدام الجيش في الصراعات السياسية.
الأمر الثاني: هو أن هزيمة يونيو أدت إلي ندرة في العوائد المالية والموارد اللأزمة للوفاء ببرامج الرفاهية الاجتماعية مما أدي إلي التفكير في سياسات الإنفتاح الاقتصادي ـ من أجل تقديم حافز للإستثمار الأجنبي ـ وموجة هجرة العمالة المصرية للعمل في دول الخليج العربي ثم توالت الآثار في صورة إنفتاح سياسي وتعددية مقننة في ظل معارضة تحت السيطرة وتطور الأمر إلي سياسة الخصخصة في التسعينيات من القرن العشرين والتي عنيت ببيع مشروعات مملوكة للدولة لأصحاب رؤوس أموال وشركات مقربة من النظام في الغالب. كما قامت أنظمة جمهورية أخري في العالم العربي بعمليات خصخصة مماثلة بعد تراجع أسعار البترول إعتبارا من منتصف الثمانينات فضلا عن وجود ضغوط من القوي الغربية الكبري والمؤسسات المالية الدولية من أجل مزيد من إنفتاح السوق الداخلي بعد سقوط المعسكر السوفيتي في عام9891.
الأمر الثالث: هو تراجع معدلات الانقلابات في العالم العربي ـ اعتبارا من أواخر الستينيات ـ نتيجة ما سبق الإشارة إليه من رفع مستوي احتراف كثير من الجيوش العربية وزيادة قدرة السلطة السياسية علي السيطرة علي المؤسسة العسكرية بعد حرب7691. ويقول أوين أن زيادة تعداد الجيوش العربية ورفع كفاءتها قد ساهم في تقليص معدل الإنقلابات نتيجة عدم قدرة فصيل واحد علي حشد الأخرين حول رغباته فضلا عن إنشاء وحدات الحرس الجمهوري وتوزيع مهام المراقبة علي المخابرات الوطنية ووحدات في الأحزاب السلطوية الحاكمة مثلما حدث في حالة حزب البعث في العراق وسوريا.
الأمر الرابع: هو البحث عن شرعيات جديدة بعد تأكل شرعية الجيل الأول لمرحلة ما بعد الإستقلال وكانت وسيلة الشرعية الجديدة هي سياسة التحرير الاقتصادي المدعومة بـعملية انتخابية تجري تحت السيطرة وفي وجود معارضة مستأنسة.
وقد خلقت تلك الخطوة عددا من المشكلات الجديدة أدت إلي استناد الرؤساء العرب علي مزيد من قوة المؤسسة الأمنية الداعمة لهم والتي إستهدفت بقائهم في السلطة دون تهديد فعلي.