جريدة الجرائد

الزواج الخليجي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبد الرحمن الراشد


عندما تداعت دول الخليج إلى تأسيس مجلسها في عام 1981، كانت الأوضاع مشابهة لما هي عليه اليوم: مخاوف جماعية من الجار الإيراني. كان كالغوريلا العملاقة، يضرب على صدره مهددا جيرانه عرب الخليج في وقت احتدمت فيه المعارك بينه وبين الغوريلا الثانية، عراق صدام حسين. وكانت المظاهرات في شوارع طهران وبيانات رجال الثورة تهدد، صراحة، السعودية والإمارات والبحرين، وسبقت الحرب تهديدات العراق المبطنة للكويت والسعودية.

لم يكن هناك من خيار سوى التفكير في جبهة موحدة؛ فوُلد مجلس التعاون لدول الخليج العربية في أبوظبي. وجاء الاحتجاج الأول من صدام وليس من آية الله الخميني، لكن صدام لم يكن في موقع يسمح له بتخويف أحد؛ حيث بدأت القوات الإيرانية تصد هجماته وتنطلق باتجاه قطع البصرة عن طريق العاصمة بغداد. فوُلد مجلس التعاون في وقت انشغل فيه الوحشان بالحرب.

بالأمس، في الثمانينات، كانت طهران خطرة على الخليج، اليوم أصبحت أخطر. غادر الحكم رجال الثورة القدامى الذين صهرهم الحكم والزمن والتجربة، مثل هاشمي رفسنجاني وخاتمي وموسوي، وحتى المرشد آية الله خامنئي فقد الكثير من قدسيته وقدره. الذي يحكم العاصمة الآن عسكر، قادة الحرس الثوري، وأمثال قاسمي سليماني، قائد فيلق القدس. خلال السنوات العشر الماضية نجح هؤلاء في تطويق الحكم في الداخل بإقصاء القياديين القدامى، وتهميش القوى الدينية والشبابية التي ليست في معسكرهم. وبتنا نعيش نتائج انقلاب بطيء تبدلت فيه الوجوه والقيادات. محور سياسة نظام طهران الحديدي الانقلابي يقوم على سياسة توسع خارجية في اتجاه العراق والخليج وما وراءهما. ومعركة السلاح النووي ليست مجرد استعراض بل جزء من سياسة جادة مبنية على فرض دور مهيمن لطهران المتطرفة في المنطقة.

أما ما علاقة ذلك بالدعوة إلى بناء اتحاد خليجي، فالحقيقة أنه يمثل القصة كلها تقريبا. دول الخليج تشعر بقلق أكبر بسبب تعاظم عدوانية إيران، كما نرى سعيها إلى الهيمنة على العراق وحتى الشواطئ اللبنانية. ودخولها في اليمن عبر الحوثيين يبين سياسة محاصرة جلية. ومع تعاظم شهية الجارة إيران تتناقص رغبة المدافع الرئيسي عن منطقة البترول الخليجي، أي الولايات المتحدة، بعد فشلها في العراق، وانشغالها بقضاياها الاقتصادية. وليس أمام الدول الخليجية الست، التي تمثل المجلس القديم، سوى أن تواجه الحقيقة المخيفة بنفسها. سيأتي يوم تفاجئ فيه إيران دولة خليجية بمعركة تحت ذريعة ما، وقد تتلكأ واشنطن في خوض المواجهة. هنا هل سيكون المجلس بلغة "التعاون" ملزما بالدفاع المشترك، أم أن كل دولة لذاتها في ظروف تزداد تعقيدا، داخلية وخارجية؟

الاتحاد الخليجي الكونفدرالي رسالة صريحة للإيرانيين وغيرهم أن أي استهداف لدولة هو استهداف لدول "الاتحاد". وتجربة البحرين مهمة؛ حيث إن معظم دول الخليج فضلت المشاركة شكليا بالحضور أمام عدسات المصورين ورفضت إرسال قوات لمساندة البحرين لحظة الحسم. للاتحاد كمصطلح ومعنى دلالات مهمة في وقت بالغ الحساسية.

ومن الطبيعي أن يقلق التوجه نحو صيغة اندماجية البعض في الداخل في عدد من الدول الخليجية خشية إلغاء الهوية وخصوصيات الدولة الواحدة المستقلة لصالح الدول الأكبر، السعودية تحديدا. وبعضهم يخاف أن يكون الاتحاد تذكرة إلحاق بدولة كالسعودية. وهذا أمر مستحيل بوجود نظام يحدد علاقة الدول ببعضها، كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي الذي لم يلغِ حقوق أي من دوله وأبقى على جيوشها. وهناك من حافظ على عملته، وكلهم تمسكوا بلغاتهم، ولم يتنازل أي منهم عن برلمانه، ولم تصبح بروكسل إلا عاصمة إدارية.

في تصوري لن يتغير شيء كثير عند الانتقال من "التعاون" إلى "الاتحاد" سوى المعاني السياسية والإحساس بالجبهة الواحدة. وأعتقد أن دول الخليج كلها تشعر من تجربة زواج ثلاثة عقود أنه زواج مصلحة مشتركة، وتعرف أن في الجوار دولة لا تتوانى عن افتراس الدول في لحظات مضطربة أو في جنح الليل.

بعد تجربة ثلاثين عاما، حافظت البحرين على حقوق المرأة والحريات، والكويت ببرلمانها الصاخب، وقطر تنام كل ليلة على قاعدتين أميركيتين وثيرتين ولم يحاسبها أحد على علاقتها بإسرائيل، والإمارات بانفتاحها. وسلطنة عمان استمرت تتعامل مع إيران سياسيا واقتصاديا. ولا أتصور أن هناك من يريد تغيير هذا الخليج المتنوع مهما سُمي الزواج.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
و هل الخليج اوروبا؟
علي الأعرجي -

الإتحاد الاوروبي تشكل من دول ديمقراطية و الشعوب الاوربية كان لها الخيار في الدخول في الاتحاد او لا؟ ماذا لو خرج الشعب البحريني رافضاُ لهذا الزواج الباطل؟ هل سيتولى درع الجزيرة إسكاتهم بالرصاص و الغاز المسيل للدموع و تكسير العظام و الزج بالشباب في السجون كما فعل سابقاً؟ كنت في السابق اكن لك الإحترام حتى أيقنت انك لست اكثر من قلم للأيجار. طالب بإقامة نظم ديمقراطية أولا لشعوب الخليج و بعد ذلك إترك الخيار لهذه الشعوب أن تدخل في إتحاد او لا.

قلة المعلومات او تجاهلها
بو جاسم -

يلاحظ من موضوع الكاتب أنه تلاشى التحدث علنا عن السعودية!!ولا اعرف لماذا فتارة يتخبط ويتكلم بالتاريخ ويقول ما يريد ويتناسى ما يريد!! وتارة يهجم على دول بعنيها بطريقة السم القاتل يبجل المجلس الخليجي ويمدحه ويدعو للاتحاد الكامل ومن ثم يشكك في جدواه وفي اخر المقالة يتكلم عن كل دولة وبماذا حافظت وتميزت فيه فذكر البحرين بما يحب والكويت بما يحب وقطر بما يكره وعمان بما يكره!!سبحان الله يفترض من الكاتب ان يقول الحقيقة كاملة او يصمت ولا يقول امور ويسكت عن امور!!فالسعودية هي من ادخل الامريكان للمنطقة عبر قاعدة الخرج وكانت اكبر قاعدة امريكية في المنطقة!! هل تنكر ذلك يا صاحب المقالة؟؟ ونفس القاعدة انتقلت للعديد والسيلية في قطر!! وهل نسيت اكبر اسطول بحري امريكي في المنطقة وهو في مملكة البحرين؟؟ وهل نسيت قاعدة علي السالم في عريفجان في الكويت؟؟ وهل نسيت قاعدة الظفرة في الامارات؟؟ وهل نسيت قواعد سلطنة عمان الامريكية والبريطانية؟؟ وهل نسيت القواعد الامريكية الخفية في السعودية؟؟ هل نسيت كل هذا؟؟ وهل نسيت علاقات اسرائيل مع البحرين في برلمانها ومع الامارات وعمان بالمكاتب التجارية ومع الكويت بشركات اسرائلية؟؟ ثم هل نسيت مبادرة الملك عبدالله ملك السعودية وهي مبادرة السلام مع اسرائيل التي رفضتها اسرائيل!! ليتك تذهب لتقرأ هذه المبادرة وتعرف حيثياتها!! فلا ترمي الحجارة وبيتك من زجاج!! فابحث عمن ادخل الامريكان للمنطقة ومن ثم تكلم عن وجودهم او عن العلاقات سواء مع الامريكان او اسرائيل!! من فوق الطاولة او من تحتها!! والسلام ختام

حالهم حال غيرهم
منهل العراقي -

أتمنى من كل قلبي لسكان الخليج ان يعيشوا بأمان, الوحدة من عدمها سيحددها ما سوف يجري, أعتقد دعوات الكونفدرالية الخليجية هي حاجة ماسة في ضوء التدهور السياسي في المنطقة. ولكن في المدى البعيد لا أعتقد أنه سيصمد , بدون ديمقراطية كل شي مزيف. حاكم دولة في أي لحظة يستطيع نسف الأتحاد لأي سبب حتى وإن كان ليس في مصلحته,

مشكلة
abualhuda -

ألكاتب ألراشد مشكلته انه أصلا غير مقتنع ولا يؤمن بما يكتب . فقط انه يريد أن يكتب لأجل ألكتابة لأن ألقراء دائما في نهاية مقالاته لايعلمون ماذا يريد ألراشد حتى أنا ضاعت عني ألحقيقة فهل ألراشد مع أسرائيل أم ضدها ؟ شكرا لأيلاف

...............
أنس -

يفترض عبدالرحمان الراشد دائما أن الخطر قد يأتي لدول الخليج من إيران أو العراق، ولا مرة واحدة قرأت له مقالا يشير فيه إلى إمكانية أن يكون الخطر على هذه الدول وافدا من إسرائيل؟ هل الكاتب مطمئن إلى هذا الحد من الإسرائيليين ؟ ولكن العراقيين إخوة في العرق والثقافة والتاريخ، والإيرانيين إخوة في الدين. فلماذا يتخوف منهم الراشد ولا يشك في نوايا الإسرائيليين؟ . يكفي ما يفعلونه بالفسطينيين. فموضوع هؤلاء لم يعد يعني أي شيء بالنسبة للراشد وحتى لدول الخليج..

مقالات عجيبة
زهرة بغداد -

انت كاتب محترم استاذ - ولكن للاسف دائما مقالاتك فيها تصغير من شأن العراق والعراقيين : بدلا من تحريف الواقع بقولك ان العراق كان غوريلا يتوعد الخليج لكن لم يملك القوى لتنفيذ تهديده ، اعترف بالحقيقة لان الناس كلها باتت تعرفها الان وهي ان العراق حارب نيابة عنكم طول هذه السنوات وخسر ما خسر كي تكبروا وتنعموا بالرفاهية - والان بعد ان فقد العراق قوته (مؤقتا) طل عليكم الغوريلا الفارغ، وهو ايران - البعبع الذي لن تجدوا من يساعدكم ضده هذه المرة- لذلك بدلا من استصغار العراق ودوره الريادي الدائم (في حمايتكم وفي المنطقة ايضا- لانه يوم تغير، تغير كل الشرق الاوسط) كان الاجدر بكم مساندته كي تقفوا يدا واحدة ضد ايران. للاسف تصدمني تحليلاتك كل مرة. هؤلاء هم العرب - يكرهون بعضهم ومفرحين فيهم الاعداء.