جريدة الجرائد

حلال الأمريكيين وحرامهم

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

فهمي هويدي


العرب مشغولون بالوضع المتدهور في سوريا، ولا أحد يتحدث عن الوضع المتدهور في غزة. غاضبون ومستاءون من القمع الوحشي الذي تمارسه قوات النظام السوري، وساكتون على الغارات التي تشنها إسرائيل على غزة وعلى الكارثة الإنسانية التي تهدد القطاع. حماسهم شديد للوقف الفوري والعاجل للحرب التي يشنها النظام السوري ضد شعبه بلا هوادة (العبارة وردت على لسان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل يوم 11/3)، لكننا لم نسمع صوتا لأي مسؤول عربي (استثنى بيان الجامعة ولجنة الشؤون العربية بمجلس الشعب) يطالب إسرائيل بالوقف الفوري والعاجل للحرب التي تشنها ضد الفلسطينيين في غزة. وغاية ما بلغنا أن مصر ــ كما نشرت الصحف ــ تبذل جهدا لالتزام الطرفين بالتهدئة: القاتل والقتيل! وليت الأمر وقف عند ذلك الحد، لأن ثمة حماسا عربيا متزايدا ــ مؤيدا بحماس غربي مماثل ــ لتخصيص جلسة مجلس الأمن للمسألة السورية، وهناك دعوة عربية لإرسال قوات عربية ودولية لحماية الشعب السوري من انقضاض النظام عليه. ثم إن المرء لا يستطيع أن يخفى شعوره بالحيرة إزاء المطالبات التي صارت تتحدث عن تسليح المعارضة والجيش الحر في سوريا، في حين لا يجرؤ أحد على الحديث عن تسليح المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي. وكأن النضال ضد استبداد النظام السوري هدف نبيل يتعين السعي لتحقيقه. أما النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي بكل بشاعاته، حرام ومنكر يتعين الحذر من الوقوع فيه.
قبل أن أسترسل ألفت الانتباه إلى أمرين، الأول إن العرب الذي أعنيهم هم قادة الأنظمة العربية الذين أصبح الملف السوري يستأثر بقدر كبير من اهتمامهم وتحركاتهم طوال الأشهر الأخيرة. الثاني إنني لست ضد التضامن مع الشعب السوري والجهود التي تبذل لتحريره من قبضة النظام القمعي الذي يتحكم في مقدراته منذ أكثر من أربعين عاما، ولعلى عبرت عن ذلك التضامن في كتابات سابقة. بالتالي فليس لديّ أي تحفظ على مبدأ مساندة الشعب السوري وتأييد مطالبه في الحرية والكرامة. ولكن التحفظ والاستياء من جانبي ينصب على تجاهل الوضع في غزة والتسامح ولو بالصمت مع العدوان الوحشي الذي تمارسه إسرائيل على أهل القطاع، وهو الأكثر شراسة ووحشية مما يفعله النظام السوري مع مواطنيه. لذلك فالسؤال عندي ليس: لماذا التضامن مع الشعب السوري، وإنما هو على وجه الدقة لماذا في الوقت نفسه يتم تجاهل محنة الشعب الفلسطيني؟. وتبرز أهمية السؤال إذا أدركنا أن الملف السوري شديد التعقيد، لأن النظام القائم هناك نجح في إقامة شبكة علاقات استثمر فيها الأوراق الجيوسياسية والعرقية والطائفية، وأعطى انطباعا بأن سقوطه من شأنه أن يعيد تشكيل المنطقة ويقلب موازينها وخرائطها، في مقابل ذلك فالموضوع الفلسطيني أكثر وضوحا لأننا بصدد احتلال للأرض وليس مطلوبا في الوقت الراهن سوى إزالة ذلك الاحتلال وتحرير الشعب الفلسطيني من قبضته. ثم إنه إذا جاز لنا أن نقول إن إسقاط النظام السوري سيقلب خرائط المنطقة، فإن إنهاء الاحتلال من شأنه أن يحقق نتيجة عكسية تماما. ذلك أنه سيفتح الأبواب لاستقرار المنطقة وإعادة الهدوء إليها.
إذا حاولنا الإجابة عن السؤال: لماذا التضامن مع طرف وتجاهل الطرف الآخر، فربما عنَّ لنا أن نقول إن القضية الفلسطينية تراجعت أهميتها في الأولويات العربية لأسباب سبق أن تحدثت عنها. وقد يقول قائل إن الوجع الفلسطيني لم يعد فيه جديد أو مثير، حيث اعتاد الناس عليه. وكما لم يعد الناس يفزعون لمسلسل القتل في العراق أو أفغانستان الذي صارت وقائعه أحداثا يومية ألفوها حتى لم تعد تحرك شيئا من مشاعرهم، فأولى بذلك الاعتياد أن يحدث مع القضية الفلسطينية. ذلك أن عمر القتل في العراق وأفغانستان في حدود عشر سنوات، في حين أن محنة الشعب الفلسطيني تجاوز عمرها ستين عاما على الأقل. إلا أن هذه الحجة لا تبدو مقنعة، لأننا لا نتحدث عن أحداث تاريخية تآكلت في الذاكرة، ولكننا في فلسطين بصدد كارثة مستمرة بصفة يومية وقتل يتجدد يوما بعد يوم. الأمر الذي يعد السكوت فيه مسكونا يشبهه التستر والتواطؤ. واستحى أن أقول إن مصر ــ الشقيقة الكبرى ــ لها من ذلك الاتهام نصيب. وهو ليس مقصورا على مرحلة الرئيس السابق فقط، ولكن تلك الشبهة لاتزال قائمة بعد ثورة 25 يناير التي أسقطت نظام مبارك. والموقف السلبي للسلطات المصرية إزاء تزويد قطاع غزة بالتيار الكهربائي شاهد على ذلك.
ثمة إجابة أخرى على السؤال تبدو أكثر قوة وإقناعا وهى أن الحماس للتضامن مع الشعب السوري وفتور ذلك الحماس أو انعدامه إزاء الحاصل في غزة محكوم بحدود وضغوط السياسة الأمريكية المؤثرة في القرار العربي. وموقف الإدارة الأمريكية إزاء سوريا معروف وحماسها لإسقاط النظام هناك لا شبهة فيه. أما موقفها المعادي للشعب الفلسطيني فقد تباهى به الرئيس أوباما في أحدث خطبة له أمام مؤتمر منظمة "إيباك" في واشنطن.
لقد تمنيت ألا تكون تلك إجابة على السؤال، لأنني أتمنى من كل قلبي أن تكون مجرد سؤال يستدعيه التفكير في السؤال.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف