أنف ومائة ألف (بالإذن من إحسان عبد القدوس)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
كان يعبر بيروت حتى أوائل الستينات قطار (ترام) كهربائي جميل يسمى "أب الفقير"، لأنه ينقل الناس من أول المدينة إلى آخرها بخمسة قروش للدرجة الشعبية (كراسي خشب أو وقوفا)، وعشرة قروش للدرجة الأولى بكراسي ما فوق الخشب. وفي تلك الحافلات السعيدة كان يكثر النشالون. وهذا أمر متوقع. فكل ازدحام من هذا النوع له مضاره الجانبية.
الذي لم يكن مفهوما هو أن الصحف كانت تصدر كل يوم وفيها أخبار من نوع أن فلانا تقدم بشكوى إلى شرطة ساحة البرج، لأن مجهولا (تصوروا أن يكون معلوما) نشل منه ألفي ليرة. أو ثلاثة. وأحيانا أربعة.
وكنت أقول في نفسي: أي نوع من الناس يحمل أربعة آلاف ليرة نقدا (نحو 10 آلاف دولار بعملة اليوم)، ويقرر أن يركب الترام بخمسة قروش؟! وأخبار مصر هذه الأيام تقول إن النائب البلكيمي (اسمه الحقيقي) تعرض للضرب على أنفه وسرق منه المعتدون الآثمون مائة ألف جنيه. هل هذا راتبه الشهري؟! مائة ألف لحلوح بحالها يا عم البلكيمي (اسم العائلة)؟! النائب من حزب النور. وأما أحد نواب "الإخوان"، فتقدم بشكوى إلى مخفر شرطة البرج (القاهرة) بأن مجهولا أو مجهولين سرقوا من منزله نصف مليون جنيه.
الأرجح أن نواب "الإخوان" و"النور" يأبون التعامل مع البنوك. ومن يستطيع أن يضع مائة ألف جنيه على ثيابه، يستطيع أن يضع نصف مليون جنيه تحت سريره. وهذه هي الديمقراطية والانتخابات. قل لي من تنتخب أقل لك من انتخبت. ونائب آخر من حزب النور طالب بمنع تدريس اللغة الإنجليزية لأن ذلك مؤامرة المؤامرات. وبعدما كان همّ بعض نواب الكويت أجر نجوى كرم، صار همّ وزير الثقافة التونسية الجديدة ألا تغني نانسي عجرم وإليسا إلا على جثته. سلامة قلب معاليك وليسقط الغناء. ثم هناك سعادة النائب المصري الجديد الذي قال (مع الاعتذار عن تكرار السفه للضرورة) عن المشير طنطاوي "الحمار". وهذا نوع جديد من المعارضة يشبه مصطلحات الصرامي والأحذية في سياسات لبنان. ألم نقل لك؛ قل لي من تنتخب؟!
ثم يقول لنا الأستاذ هيكل في كتابه الأول بعد الانصراف، أو بعد العودة عن الانصراف، إن الناس كانت تسمي الرئيس السابق حسني مبارك "البقرة الضاحكة". وهي ماركة "جبنة فرنسية" للأطفال، عليها صورة بقرة شهيرة.
وجميعنا نعرف أن النكتة المصرية التي لم ترحم عبد الناصر أو السادات كانت تسمي مبارك ذلك الاسم. لكن أحدا لم يكن يتوقع أن ينقل الأستاذ هيكل عن نكتة بذيئة فيما نقل عن مصادر ووثائق وبشر في معرض تفجير العهد الماضي، أو بالأحرى ما بقي منه من دون تفجير أو ترميد.
لم يكن السيد البلكيمي ينوي أن يسلي المصريين. فهو حزبي جاء لا يبتسم ولا يضحك خوف العاقبة. لكنه عندما ادعى الاعتداء والسرقة نسي أنه في مصر. وفاته أن الفراعنة لم يستطيعوا منع النكتة.