جريدة الجرائد

عام على الانتفاضة السورية.. من اليتم إلى الصمود

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

سمر يزبك


استطاعت آلية العنف الوحشي المتصاعدة في سوريا، أن تولد معها ثقافتها، فنشأت نتيجة ذلك بعض الأصوات المتطرفة، وظهرت بوادر انقسام أهلي طائفي في المجتمع، ولجأ الأهالي إلى اقتناء السلاح لحماية أنفسهم

مرَّ عام على انتفاضة الشعب السوري ضد نظام الاستبداد، عام واحد كان كفيلا برسم صورة سورية جديدة، حيث تحول الخوف إلى مواجهة، واليأس إلى إصرار، وهو العام نفسه الذي سيكون مفصلا تاريخيا في العالم العربي.
كانت الانتفاضة التي انطلقت في 15 مارس، وامتدت رقعتها إلى باقي البلدات والأرياف، بعد أحداث درعا، تحمل في باطنها أسباب قوتها الاستثنائية الأخلاقية، التي حافظت على طهرانية قلَّ مثيلها في التاريخ، حيث استطاعت الصمود لأشهر أمام ما واجه به النظام القمعي، المتظاهرين العزل، من قتل واعتقال وملاحقة وضرب، وعندما رأى النظام وأجهزة مخابراته أن أساليبهم الإجرامية هذه لم تدفع المتظاهرين إلى الخوف، بل على العكس، زادتهم إصرارا على نيل الحرية، قاموا بابتداع حيل إجرامية وتمثيليات إعلامية، لزرع بذور الفتنة الطائفية بين أبناء البلد، والأديان المتسامحة التي عاشت في سوريا لوقت طويل جنبا إلى جنب، مع ذلك بقي المتظاهرون سلميين، لقد كان الشعب السوري أكثر وعيا من الانزلاق إلى الفتنة الطائفية التي أرادها النظام وأجهزة مخابراته، وتعالوا عن الجراح التي أثخنها النظام في صدورهم.
الأمر اختلف بعد اضطرار العديد من الجنود والضباط للانشقاق عن الجيش النظامي، بعد رفضهم لأوامر قتل المتظاهرين. كانت الانتفاضة تشتد وتتسع في رقعة الجغرافيا، والانشقاقات تتزايد، وكان النشطاء ينحدرون من مختلف الطوائف والأديان والطبقات الاجتماعية، ثم شكل المنشقون العسكريون "الجيش السوري الحر" الذي صار يحمي المتظاهرين السلميين.
سار خطان متوازيان في قلب الانتفاضة: خط عسكري مسلح، وخط سلمي استمر على حاله، في الوقت الذي استمر فيه قصف المدن وحصارها وقتل أهلها، حيث بقيت مدينة "حمص" شاهدة على مقاومة السوريين، ودافع "الجيش السوري الحر" عن المتظاهرين هناك، واستطاع الصمود لوحده أمام آلة قتل جيش كامل، ثم انسحب حماية للمدنيين، وفي كل مكان يوجد فيه "الجيش السوري الحر" يقوم الجيش النظامي بقصفه، وإبادة البشر والشجر والحجر، دون أي رادع أخلاقي.
واستطاعت آلية العنف الوحشي المتصاعدة، أن تولد معها ثقافتها، فنشأت نتيجة ذلك بعض الأصوات المتطرفة، وظهرت بوادر انقسام أهلي طائفي في المجتمع، ولجأ الأهالي إلى اقتناء السلاح لحماية أنفسهم.
أثناء ذلك، بدأ العديد من رجال الأعمال الذين يدعمون النظام يتخلون عنه، وصار التفكك الاقتصادي للنظام واحدا من أهم أسباب ضعفه، وتحول عيش المواطن إلى حرب بينه وبين لقمة الخبز، ليس في الأماكن المنتفضة فقط، بل في جميع أنحاء سوريا. واستمر السلاح بالدخول إلى البلاد، وكوّن "الجيش السوري الحر" كتلة مستقلة، صارت الرجاء الأكبر للسوريين المتروكين وحدهم للموت، لكن هذا لا يعني أن كل المجموعات المسلحة التي تظهر، مرتبطة بشكل مركزي في قيادة "الجيش السوري الحر" وغياب هذه المركزية يخلق نوعا من الفوضى، وردات فعل انتقامية، مما يجعل الوضع خطيرا ومفتوحا على نزاعات مسلحة بين أبناء الشعب الواحد، إضافة إلى أن دخول المال لشراء السلاح ولإغاثة المنكوبين، قد جعل الباب مفتوحا لفساد من نوع ما، تحديدا في قضية تجارة السلاح التي ستفتح الباب على مصراعيه للانتقال بالانتفاضة، من شكلها الأكثر إنسانية واستثنائية إلى ما لا تحمد عقباه.
وببقاء المعارضة، وهي الغطاء السياسي لحركة الاحتجاج، الحالة الأكثر ضعفا في الانتفاضة، حيث لم يتم حتى الآن توحيد صفوفها ضمن ائتلاف قوي، يجعل من التفكير ببديل سياسي لنظام الأسد أمرا غير مقبول بالنسبة لكثير من الدول، وإن كان المجلس الوطني السوري ما يزال الجهة الأكثر حضورا وتمثيلا، إلا أن حضوره في الشارع الشعبي ما يزال ضعيفا ويحتاج إلى دعم، إضافة إلى حاجته إلى انضمام باقي أطراف المعارضة إليه، لتشكيل قوة ضاربة في وجه النظام. لذلك بدأت تظهر بعض الأصوات في الداخل، التي أنتجها الشارع بنفسه، وعما قريب، سيبرز هذا الشارع قياداته الشبابية الخاصة به، التي ستكون تحت دائرة الضوء، وهي الكوادر البطولية الميدانية، غير المتمرسة بالعمل السياسي، ووسط غياب أي مرجعية لها، ربما تكون الساحة فارغة وملائمة لشد الشارع وقياداته إلى جهة غير معلومة، لكن الأكيد، أن السقوط السريع للنظام سيحد من مخاوف المستقبل المفتوحة على المجهول.
إنه الخوف على مستقبل سوريا، لكنه التحدي أيضا، يعيشان جنبا إلى جنب، مع الإصرار على نيل الحرية بأي ثمن، حتى لو كان من دماء السوريين الذين يؤكدون في كل يوم، أن كل هذه المخاوف لن تثنيهم على المطالبة بحريتهم وحقوقهم، التي لن يتراجعوا عنها. يستحقونها بجدارة؛ هم البسطاء الفقراء الذين يروون التراب السوري بدماء أبنائهم، ويقفون بإصرار أمام وحش الأرض المحروقة؛ ذلك النظام، الذي يقتل شعبه!


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف