هل انتهى زمن الرواية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
زياد الدريس
أغلق معرض الرياض للكتاب، الجمعة الماضية، أبوابه بصعوبة أمام الزوار في آخر أيامه المجدولة مسبقاً. الحشود الكثيفة والقوة الشرائية وتنوًع الموضوعات، خصوصاً مع ارتفاع سقف الحرية، جعلت من معرض الرياض أحد أهم ثلاثة معارض كتب في المدن العربية، إن لم يكن أهمها كما يصرح بعض الناشرين.
لن أستطرد كثيراً في الثناء على المعرض عموماً وحسن التنظيم خصوصاً، على رغم أن القائمين عليه يستحقون الثناء. لأني أريد أن أتناول ملحوظة معرفية تحسستها أثناء زيارتي المحدودة للمعرض، فيما أتيح لي من وقت لزيارة الرياض، معززة بأحاديث الأصدقاء وتوصيات المنتديات ووسائط التواصل الاجتماعي. تلك اللفتة هي ما يتعلق بتحولات في نوعية الكتب الأكثر مبيعاً أو التوجه الفني والموضوعي الذي تنحاز إليه توصيات الشراء في كل دورة سنوية.
في السنوات الأولى من دورات المعرض لم تكن قد تحددت لدى الرواد صفة طاغية لنوعية التوصيات على الكتب، خصوصاً في الجانب الفني، كانت التوصيات خليطاً من الكتب الفكرية "البحثية" و "الشعرية" و "القصصية". ثم في الخمس سنوات الأخيرة الماضية استطاعت (الرواية) أن تسيطر بلا منازع على سوق التوصيات والكتب الأكثر مبيعاً. يخرج الزائر وهو محمل بأكياس مملوءة بالروايات العربية والمترجمة، ثم أصبح يخرج محملاً بالروايات السعودية الطاغية في الأعوام الثلاثة الأخيرة، ولم تكن تلك الأكياس تحوي أكثر من كتاب فكري واحد أو كتابين غارقين في بحر الروايات المتلاطمة.
ما الذي حدث هذا العام؟!
التوصيات الشفوية بين الزوار أو المتداولة عبر تويتر ومواقع التواصل أو عروض الكتب في الصفحات الثقافية تتضمن قائمة متنوعة من الكتب تكاد تكون خالية من أي رواية!
إذا ثبت هذا الاستنباط الذي يحتاج إلى ركيزة إحصائية تسنده فسيصبح من السهولة تفسير هذا التحول عن (الرواية) إلى الكتب الفكرية والدراسية والتحليلية. إنها أعراض الربيع العربي... بخيره وشره.
كان القارئ العربي في ما مضى يلجأ إلى الرواية لأنها تقدم له فضاءً "افتراضياً" يستطيع أن يعبر فيه عن رأيه حيال الفضاء الواقعي "الممنوع من اللمس"!
في ما بعد عام 2011 أصبح الإنسان العربي يعيش عالماً مليئاً بالأحداث والأبطال والمشاهد التي لا يطمع أن يجد أكثر منها في رواية افتراضية، إنه يعيش روايته "الحقيقية". هل يمكن لرواية، أي رواية، أن تنطوي على مشهد أكثر إثارة من نهاية القذافي أو هروب بن علي أو أكثر تشويقاً من محاكمة مبارك وسردية من مراوغات علي عبدالله صالح أو أكثر لهفة لسقوط المجرم في نهاية الحكاية المؤلمة من سقوط الأسد المنتظر؟! إذا كانت كل هذه المشاهد الفانتازية المثيرة موجودة واقعاً الآن في العالم العربي فلماذا يهدر القارئ العربي وقته في قراءة رواية خرافية وهو يرى الأحداث الخرافية / الواقعية تقع أمام عينيه كل يوم؟!
ولأن القارئ العربي يريد أن يتعرف أكثر إلى شخصيات ومشاهد (رواية/ الربيع العربي) فقد كانت الأولوية في التوصيات والمبيعات لهذا العام هي للكتب التي تتناول بالدرس والتحليل: الربيع العربي والديموقراطية والإخوان المسلمون والسلفية والفساد والاستبداد، رغبة منه في محاولة بناء مقاربة لخاتمة الرواية الواقعية التي يعيشها ومآلاتها.
إن ذبلت أزهار الربيع العربي وتحول إلى خريف وعادت الحرية إلى انكماشها، كما يخشى البعض الآن، ثم أصبح الواقع العربي متصحراً وخالياً من ألوان الحدث اليومي كما كان، فسيعاود الإنسان العربي البحث عن فانتازيا الحركة والأكشن والتعبير والتغيير، أي أنه سيبحث من جديد عن (الرواية) الافتراضية التي تخلى عنها هذا العام.
وإذاً، فيصبح السؤال الأكثر دقة مما تعنون أعلاه هو: هل انتهى زمن الرواية أم توقف موقتاً؟