جريدة الجرائد

عمرو موسى... «لا سلام ولا كلام»

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

طراد بن سعيد العمري


خرج عمرو موسى، الأمين العام السابق للجامعة العربية، عن ديبلوماسيته في إحدى المناسبات، إذ أحرجته مذيعة قناة المنار، منار الصباغ، حين مد يده لمصافحتها في بداية حوارهما، لكنها اعتذرت له قائلة: "لا أسلم باليد"، ومع أن الإعلامية ردت السلام شفاهة وأحنت رأسها من دون أن تبادله المصافحة، لكنه انفعل قائلاً: "لا سلام ولا كلام". هذا هو عمرو موسى سابقاً، فكيف يكون موقفه الآن بعد أن رشح نفسه لرئاسة مصر، وأصبح بحاجة ماسة لدعم الإخوان المسلمين؟ كيف يمكن أن يبني علاقة مع الإخوان المسلمين؟ وهل تكون موقتة أم دائمة؟ بمعنى هل "يتمسكن حتى يتمكن؟"، هل يكرر أسلوب جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك نفسه في استخدام سياسة المهادنة مع الإخوان المسلمين، ومن ثم ينقلب عليهم؟ لكن السؤال الأهم ومحور هذا المقال: هل عمرو موسى يملك الكفاءة لكي يكون رئيس مصر المقبل، أو أول رئيس لمصر في الجمهورية الثانية؟

المتابع للشأن السياسي المصري قبل وأثناء وبعد ٢٥ كانون الثاني (يناير) يدرك بما لا يدع مجالاً للشك أن عمرو موسى لا يملك رؤية واضحة تُمكنه من قيادة مصر ضمن برنامج واضح ومحدد الزمن والمراحل والكلفة والسياسات والآليات وبمعايير أداء يمكن من خلالها تقويم عمله كرئيس لمصر في مرحلة من أدق مراحل التاريخ المصري، ويمكن لأي مراقب أو محلل أن يجمع مقابلات عمرو موسى وتصريحاته الصحافية والتلفزيونية أثناء ثورة ٢٥ يناير وما بعدها، يعني قرابة عام واحد ليكتشف، من دون أدنى عناء، أن صاحبنا الذي سيرشح نفسه لسدة الحكم في مصر، ويجلس على كرسي الرئاسة، يفخم الكلام، وعلى استعداد لعمل أي شيء لكي يحكم مصر، هذا الاستنتاج نابع من عدد من الأمور: ترشيح نفسه للرئاسة؛ العناوين الفضفاضة التي يتغنى بها؛ استراتيجية حملته الانتخابية؛ تاريخه وسيرته الذاتية، في مقابل ما نظن أن مصر بحاجة له في الفترة الرئاسية الأولى ولا يدركه عمرو موسى، وحتى لو أدركه فإنه لا يعرف أولويات أو آليات تحقيقه.

السيرة الذاتية لعمرو موسى لا تشجع على قبوله مرشحاً، ناهيك أن يصبح رئيساً في فترة من أصعب فترات مصر في التاريخ الحديث... عمره ٧٦ عاماً ما يجعل من فترة الرئاسة مكافأة لسنوات الخدمة، وليس للعمل الدؤوب الجاد لتأسيس الأرضية الصلبة لقيام الجمهورية الثانية. قضى عمرو موسى جل حياته العملية في الشأن الخارجي، ولا يعرف عن الشؤون الداخلية أكثر من صحافي عادي. عمله في وزارة الخارجية ارتبط بثلاثة محاور: محور العلاقات المصرية الإسرائيلية؛ محور العلاقات المصرية الأميركية؛ ومحور العلاقات المصرية العربية. فإذا كان المحوران الخاصان بإسرائيل والولايات المتحدة يحتلان أدنى درجات الأولوية لدى المجتمع المصري اليوم، فإن تاريخ عمرو موسى في محور العلاقات المصرية العربية لم يكن ناصعاً. دق أكثر من إسفين في العلاقات العربية - العربية عندما كان وزير خارجية مصر، أما في عمله كأمين عام للجامعة فقد فشل في العراق ولبنان وغزة والصومال والسودان، ومؤتمر القمة في قطر حول غزة، وختم عهده أخيراً بالطامة الكبرى في ليبيا.

عمرو موسى مراوغ في الأحاديث والمقابلات الصحافية والتلفزيونية، ويستطيع أي متابع للشأن السياسي أن يستمع ويشاهد المقابلة التلفزيونية التي أجرتها الإعلامية المصرية الراقية والرصينة، منى الشاذلي، في برنامج "العاشرة مساءً"، مع "المواطن" عمرو موسى - كما يحب أن يقدم نفسه - تحدث فيها على أنه ليبرالي يؤمن بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية والاقتصاد الحر، لكنه استدرك لكي يؤكد على أن الأمور المهمة في الاقتصاد تبقى في يد الحكومة، والقضاء على الفساد، لكنه استدرك، أيضاً، ليصحح بقوله "الوقوف بحزم أمام الفساد"، الاستدراك والتصحيح تعني أشياء كثيرة نوجزها باختصار في أننا أمام شخصية لا تختلف كثيراً عمن سبقوه في السلطة، من ناحية أخرى، الكل يعرف أن عمرو موسى يحب البذخ، ويمكن لأي باحث منصف أن يقارن بين نفقات عصمت عبدالمجيد كوزير للخارجية المصرية وكأمين عام للجامعة العربية، ونفقات عمرو موسى الذي خلفه في المنصبين.

قال عن جمال مبارك ذات يوم إنه "شاب شاطر وكفء ومن حقه أن يترشح لرئاسة الجمهورية"، وقال أيضاً، إنه سيصوت للرئيس مبارك "لأنني أعرف طريقة إدارة الرئيس مبارك للأمور"، وكنت أتمنى من أي من محاوريه الكثر أن يسألوا عمرو موسى عن معيار الكفاءة لدى جمال مبارك؟ وسؤال آخر، عما هو في طريقة إدارة الرئيس السابق للأمور التي تجعل منه، أي عمرو موسى، أن يصوت لمبارك؟ قال يوماً ما في مقابلة إنه اكتفى من الحياة السياسية والخدمة العامة، وعندما اندلعت ثورة الشباب ذكر في المقابلة التلفزيونية التي أجرتها قناة العربية معه في مكتبه بالجامعة العربية، بعد أن خلع ربطة العنق الحريرية، وكفكف كم قميصه، لكي يبدو واحداً من شباب الثورة، قال "أنا على استعداد لقبول أي عمل لخدمة مصر وشعبها"، لكنه رفض في مقابلته مع "منى الشاذلي" أي منصب غير رئيس مصر.

أما المقابلة التلفزيونية التي أجراها "المحقق الصحافي"، المميز دائماً، يسري فوده، في برنامج "آخر كلام"، فهي تأكيد لما ذكرناه آنفاً، فعلى رغم الأسئلة الممنهجة والمحددة والمباشرة، حاول عمرو موسى المراوغة وباتت المقابلة مجموعة رسائل للداخل والخارج، ركز على الفلاح المصري "الغلبان" الطيب بوعود لم ولا ولن تتحقق، إصلاح التعليم ورياض الأطفال ومحو الأمية، والاقتصاد المصري المترنح ليعالجه عبر الاستثمار المصري والعربي والدولي، وعبر تطوير قناة السويس لرفع الدخل من خمسة آلاف مليون دولار إلى ٥٠ ألف مليون دولار في أربع سنوات، يريد عمرو موسى أن يصل إلى كرسي الرئاسة وعينه على جزء من المساعدات الأميركية التي تصل إلى 20 بليون دولار، وعين أخرى على جزء من المساعدات الأوروبية، خصوصاً الفرنسية التي تقدر بـ 70 بليون دولار، ويختم بمساعدات خليجية تصل إلى ١٥ بليون دولار، بمعنى آخر، سينقل عمرو موسى الحال في مصر من قضية "التوريث" إلى قضية أهم وأخطر وهي "التوريط" في ديون خارجية، ورهن مقدرات وسيادة وكرامة مصر والمصريين للاستثمار الدولي. مصطلح "الاستثمار" هذا الذي أصبح عنواناً لفساد السلطة في معظم دول العالم الثالث.

نخلص إلى أن عمرو موسى لا يملك رؤية واضحة تنقل مصر وشعبها وفلاحيها من حافة الانهيار الذي يؤكده عمرو موسى ذاته. تحتاج مصر إلى ملهم يجمع رؤية كل من: محمد بن راشد في دبي، ولي كيوان في سنغافورة، ومهاتير محمد في ماليزيا، الذي حوّلها من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية إلى دولة صناعية متقدمة يسهم قطاعا الصناعة والخدمات فيها بنحو 90 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة 85 في المئة من إجمالي الصادرات، وتنتج 80 في المئة من السيارات التي تسير في الشوارع الماليزية، كانت النتيجة الطبيعية لهذا التطور أن انخفضت نسبة السكان تحت خط الفقر من 52 في المئة من إجمالي السكان في عام 1970، أي أكثر من نصفهم، إلى 5 في المئة فقط في عام 2002، وارتفع متوسط دخل المواطن الماليزي من 1247 دولاراً في عام 1970 إلى 8862 دولاراً في عام 2002، أي أن دخل المواطن زاد لأكثر من سبعة أمثال ما كان عليه منذ 30 عاماً، وانخفضت نسبة البطالة إلى 3 في المئة.

أخيراً: أريد أن أوجه ثلاث رسائل، الأولى إلى جماعة الإخوان: لا تتركوا مصر، فالفلاح المصري وشعب مصر أمانة في أعناقكم. الثانية إلى صحافيي وكُتّاب مصر، خصوصاً مقدمي البرامج المحايدة والموضوعية: امعنوا النظر في خطط وبرامج كل مرشح، وانظروا إلى أمرين، هل التركيز على الشأن الداخلي أم الخارجي؟ وهل يمكن تحقيق تلك الأرقام؟ أما الرسالة الثالثة فإلى عمرو موسى: إذا كنت تحب مصر وتحترم شعب مصر أكثر من حبك لنفسك فابتعد عن الرئاسة، فخططك وأرقامك متناقضة ولن تتحقق.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف