الانقلاب العسكري في مالي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالجليل زيد المرهون
كيف يبدو مستقبل الاستقرار الإقليمي في منطقة الساحل؟ وكيف تبدو تداعيات الانقلاب العسكري في دولة مالي؟ وهل نحن بصدد قوة دفع جديدة للتوترات، طويلة الأمد، في المنطقة؟
لنبدأ بقصة الانقلاب العسكري وخلفياته المباشرة.
بالعودة للانقلاب العسكري الحالي في مالي، فقد توالت ردود الفعل الدولية الرافضة لهذه الخطوة، حيث أدانها مجلس الأمن الدولي. وقال في بيان أصدره في 25 آذار/ مارس: إن "المجلس يعرب عن بالغ قلقه لحالة انعدام الأمن، والتدهور السريع للوضع الإنساني في منطقة الساحل"
في الثاني والعشرين من آذار/ مارس 2012، انطلقت مجموعة من ضباط الجيش المالي، من قاعدة عسكرية قرب العاصمة باماكو، واتجهت إلى القصر الرئاسي، حيث أحكمت السيطرة عليه، كما سيطرت، في وقت متزامن، على التلفزيون الرسمي، لتعلن منه الإطاحة بالرئيس أمادو توماني توريه، وحكومته، وتعليق الدستور.
وقد حدث الانقلاب قبل أسابيع فقط من انتخابات رئاسية، كان مقرراً أن يجري دورها الأول في 29 نيسان/ أبريل من العام الجاري. ولم يكن الرئيس المطاح به ناوياً الترشح فيها.
وقد برر قائد الانقلاب، النقيب امادو سانوغو، خطوته بالقول: "عندما يمر خمسون عاماً على وجود دولة، ولا تتوافر للقوات المسلحة والأمنية الشروط الأدنى للدفاع عن الوطن، فهذا يعني أن هناك خللا ما... أنا لست رجل حرب.. لست هنا لأجهز نفسي، وأجهز الجيش المالي للذهاب لقتل كل ما هو في طريقه. لست رجلاً من هذا النوع ... نحن نريد التفاوض"، مع المسلحين الطوارق في شمال البلاد.
وكان الجنود الماليون قد شكوا من إرسالهم إلى جبهة ينقصهم فيها كل شيء، ابتداء من السلاح وحتى الطعام، ما أدى إلى مواجهة الجيش للعديد من النكسات والهزائم.
وتعتبر جمهورية مالي ثالث أكبر منتج للذهب في أفريقيا. وهي منتج كبير للقطن في القارة والعالم. وكان ينظر إليها على نطاق واسع على أنها دولة مستقرة وسط منطقة مضطربة.
ووفقاً لمحللين أفارقة، فإنه لا يزال هناك أمل بأن يستطيع قادة الانقلاب تكوين نوع من التوافق مع القوى السياسية في البلاد، يُمكنهم من إجراء انتخابات ذات مصداقية.
وبالطبع، فهذا مجرد تكهن أولي، وربما نوع من التمنيات.
وكان الرئيس المخلوع، أمادو توماني توريه، قد تمكن في 16 آذار/ مارس من العام 1991 من الاستيلاء على السلطة، بمساعدة مجموعة من الضباط، إلا أنه سلم السلطة لشخصية مدنية هو ألفا عمر كوناري، إثر انتخابات أجريت في العام 1992، ابتعد هو شخصياً عن خوضها.
وبعد نحو عقد من الزمن، ترشح توريه لرئاسة مالي، وانتخب رئيساً للبلاد في 24 أيار/ مايو من العام 2002. كما فاز بعد خمس سنوات بولاية ثانية، تنتهي مدتها في نيسان/ أبريل 2012.
وبالعودة للانقلاب العسكري الحالي في مالي، فقد توالت ردود الفعل الدولية الرافضة لهذه الخطوة، حيث أدانها مجلس الأمن الدولي. وقال في بيان أصدره في 25 آذار/ مارس: إن "المجلس يعرب عن بالغ قلقه لحالة انعدام الأمن، والتدهور السريع للوضع الإنساني في منطقة الساحل".
وأكد البيان أن "مجلس الأمن الدولي يدين، بأشد العبارات، قيام عناصر من القوات المسلحة المالية بالاستيلاء على السلطة... ويدين الأفعال التي ارتكبها الجنود المتمردون، ويطالبهم بإنهاء العنف والعودة إلى ثكناتهم". كما طالب المجلس ب "إعادة العمل بالمؤسسات الدستورية، وإجراء الانتخابات، كما كان مقرراً".
وفي السياق ذاته، طالب وفد من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، زار مالي، قادة الانقلاب العسكري بالتخلي عن السلطة، قائلاً إن خططهم لحل مشكلات البلاد، وإعادة الأمن لن تفلح قبل تنحيهم.
من جهته، قال البنك الدولي وصندوق التنمية الأفريقي، في بيان مشترك، إنهما علّقا تمويل المشروعات المقدمة لدولة مالي. وقالت المؤسستان: "تم تعليق عملياتنا لتمويل التنمية، ماعدا مساعدات الطوارئ".
من ناحيتها، قررت المفوضية الأوروبية تعليق عمليات التنمية في مالي. وقال مفوض شؤون التنمية، اندريس بيبالغس: "عقب الانقلاب قررت تطبيق تعليق مؤقت لعمليات التنمية، التي تجريها المفوضية الأوروبية في البلاد، حتى انجلاء الأمور. وهذا القرار لا يشمل المساعدات الإنسانية".
وكانت المفوضية الأوروبية قررت تخصيص 583 ملايين يورو للمساعدة التنموية في مالي، للفترة بين 2008- 2013. وتشمل هذه المساعدة برامج مكافحة الفقر، وتحسين إمكانات الحصول على مياه الشرب، ودعم ضمان الأمن.
وفي أول خطاباته الموجهة للداخل المالي، دعا قائد الانقلابيين، امادو سانوغو، المسلحين الطوارق إلى "وقف العمليات العدائية" في شمال البلاد، والتفاوض "في أقرب وقت ممكن".
وقال، في كلمة ألقاها عبر التلفزيون الرسمي، مساء 26 آذار /مارس،: إن اللجنة الوطنية من أجل الإصلاح والديمقراطية (المجلس العسكري) "عازمة على فتح حوار خلال فترة قصيرة مع الحركات المسلحة في شمال بلادنا. لقد طلبنا منهم أصلاً وقف العمليات العدائية، والانضمام في أسرع وقت ممكن إلى طاولة المفاوضات". وأضاف: "كل شيء قابل للتفاوض، باستثناء سيادة الأراضي الوطنية ووحدة بلدنا".
وعلى خلاف غاياته المعلنة، فإن الانقلاب العسكري لم يحد من قوة الجماعات المسلحة في شمال البلاد، بل كان فرصة مثالية لها للتقدم نحو السيطرة على مزيد من قواعد الجيش المالي، الذي سارع لترك مواقعه في الجبهة، مع شيوع نبأ الانقلاب العسكري.
وقالت حركة الطوارق، التي اعتبرت سبباً غير مباشر لهذا الانقلاب، إنها عازمة على مواصلة عملياتها العسكرية، كما لو أن شيئاً لم يحدث.
وقال بيان ل "الحركة الوطنية لتحرير أزواد"، نشر على موقعها على الإنترنت، إنها تعتزم مواصلة تحركها ل "إخراج الجيش المالي وإدارته من جميع مدن (إقليم) أزواد".
وبدوره، قال حاكم كيدال، الكولونيل ساليفو كوني: إن القوات الحكومية تراجعت من الجبهة الأمامية بعد أن سمعت عن الانقلاب في باماكو. وأضاف: "نحن محاصرون حالياً... الوضع الراهن في باماكو ساهم أكثر في إضعاف الروح القتالية للجنود على الجبهة".
وسبق لمسلحي الطوارق أن أكدوا، في 11 آذار/ مارس، سيطرتهم على القاعدة العسكرية في بلدة تيساليت، والمطار الدولي الواقع في البلدة. وسيطر الطوارق قبل ذلك أيضاً على قاعدة عسكرية أخرى في مدينة أغلهوك، كما سيطروا على مدينة منيكا قرب الحدود مع النيجر، ومدينة ليرة قرب الحدود مع موريتانيا.
ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فإن ما بين 1500 و2000 عنصر من الطوارق، الذين كانوا ينشطون "على أعلى مستوى" في الجيش الليبي، قد عادوا إلى مالي بعد سقوط نظام العقيد القذافي. وانضموا إلى صفوف المعارضة "مع أسلحتهم". وقد أعطى هذا الانضمام دفعاً جديداً للحركة المسلحة، كما أن "الجيش المالي فقد جزءاً من سيطرته" في الشمال - كما تشير هذه التقارير.
ومع الانتشار الجديد للصراع، واتساع رقعته الجغرافية، تزايد عدد النازحين واللاجئين، الذين فروا إلى داخل البلاد وخارجها.
ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن أكثر من 195 ألف شخص فروا من المعارك الدائرة في شمال مالي، حتى منتصف آذار/ مارس. وأن هؤلاء اللاجئين نزحوا خصوصاً إلى موريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو والجزائر.
وقال رئيس المفوضية العليا للاجئين، التابعة للأمم المتحدة: إن الانقلاب العسكري "سوف يفاقم من مأساة الشعب المالي"، الذي يواجه أصلاً أزمة نازحين ولاجئين، بسبب الحرب في شمال البلاد. وأشار انتونيو غيتيرس، خلال مؤتمر صحافي عقده في العاصمة الموريتانية نواكشوط، في 25 آذار/ مارس، إلى أن عدد اللاجئين في موريتانيا وصل إلى 44 ألف لاجئ. وأن عددهم هو تقريباً نفسه في النيجر وبوركينا فاسو والجزائر، وأن "وضعاً خطيراً يضاف إلى مأساة النازحين داخل البلاد".
وبموازاة التداعيات الإنسانية للصراع، المتعاظمة يوماً بعد آخر، رأى بعض المحللين الأفارقة أن الانقلاب قد أدخل مالي في فراغ سياسي، الأمر الذي ضاعف المخاوف بشأن عدم الاستقرار الإقليمي في عموم منطقة الساحل.
ويمكن ملاحظة شريط ساحلي صحراوي طويل تنشط فيه الجماعات المسلحة، وعصابات التهريب والجريمة المنظمة. ويمتد هذا الشريط من موريتانيا، وشمالي مالي وشمالي النيجر، والحدود الجزائرية، وصولاً إلى تشاد، بمحاذاة جزء من ليبيا.
وقد أضحت معضلة الأمن في هذا الشريط أكثر خطورة من أي وقت مضى. وذلك بلحاظ اشتداد النزاع المسلح في شمال مالي، واضطراب الوضع السياسي في الدولة المالية ذاتها.
هذا التطوّر فرض مزيداً من التحديات على دول الساحل. وفي المقدمة منها موريتانيا والجزائر، حيث بات كل منهما معنياً بالتصدي لنمط مندمج من التحديات، إذ تلاقت مصالح المجموعات الناشطة في تهريب السلاح والبشر بمصالح بعض الجماعات السياسية المسلحة، وائتلفت معها.
إن الأمن الإقليمي في منطقة الساحل والصحراء، قد بات أمام تحد غير مسبوق لناحية الأخطار التي أضحت محدقة به..