خواطر على هامش الثورة المصرية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
صادق الشافعي
حالة الجدل في مصر تتنوع وتتعمق وتنتشر وتتسع لتشمل كل شيء يمس حياة الناس والنظام والسلطة وهوية المجتمع والمستقبل والعلاقات و . . و . . . وامتلأت شاشات الفضائيات، المصرية منها بالذات، بأشكال وأنواع من البرامج الحوارية والمقابلات جاءت في معظمها غنية وكاشفة لبلايا النظام السابق من جهة وعارضة لأفكار واقتراحات غنية ومهمة لمستقبل البلد، كما جاءت في أقلها استعراضية أو متطرفة أو صادمة . لكن ظلت حكمة المواطن العادي هي الأبسط والأنضج والأنظف تماماً من أي هوى او قصد شخصي .
إن قول البعض إن الثورة التي قادها الشباب لم تحقق أي شيء، هو قول محبط إلى جانب أنه غير صحيح بالمطلق . وإلا فما معنى سقوط كل رأس الهرم في النظام السابق وجزء مما يلي الرأس؟ وما معنى أن عشرات من رموز النظام السابق، إما قابعون في السجون يحاكمون على جرائمهم، وإما هاربون في الخارج تطاردهم العدالة المصرية، ومذكرات القبض والتوقيف وطلبات الاسترداد؟ وما معنى هذا المستوى من حرية الرأي وحرية التظاهر والاعتصام وغيرها؟ وما معنى إجراء انتخابات تشريعية نزيهة أعطت اغلبية مريحة لمن كانوا في طليعة من يضطهدهم ويعزلهم النظام السابق .
أما القول إن الثورة لم تحقق كامل، أو حتى معظم أهدافها، أو القول إن بعض القوى ركبت موجتها وتسعى إلى الهيمنة عليها ودفعها باتجاه رؤاها وقناعاتها، أو القول إن الشباب الذين أشعلوا الثورة وقادوا إنجازاتها وضعوا على الرف، فهي أقوال وإن كانت تحتمل الجدل في تفاصيلها وأسبابها، فإنها تبقى صحيحة في جوهرها .
بلا شك إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تسلم حكم البلاد بعد الثورة لم يوفق في إدارة البلاد بالطريقة الأفضل التي كان يمكن أن تجنبها مشكلات وصعوبات أساسية وتضعها بشكل أفضل في الطريق الصحيح لتحقيق أهدافها، وبحسن نية، يمكن تفسير ذلك بعدم الخبرة بالحكم، ومعها ربما، سوء المشورة .
ودون العودة إلى تفاصيل كثيرة تم نقدها والاعتراض عليها بأساليب وأشكال ومستويات مختلفة، فإن هناك ثلاثة مفاصل هي الأكثر تماساً مع حياة الناس اليومية ومع الأهداف التي رفعت الثورة شعاراتها منذ أيامها الأولى، وهي مفاصل لاتزال قائمة، بل تزداد تفاقماً:
المفصل الأول هو الانفلات الأمني الذي وصل إلى درجة غير مسبوقة في اتساعه وعنفه وكمية ونوع تسليحه، فهو لم يعد يقتصر على تهديد المواطن العادي في حياته وأهله ورزقه، بل اصبح يهدد هيبة الدولة نفسها وأهليتها لفرض سيادتها وهيبتها على كل أراضيها ومواطنيها .
والمفصل الثاني، البطء الشديد في عجلة الإنتاج بشكل عام وتوقف بعضها تقريباً (السياحة)، وبالتالي تردي عموم الوضع الاقتصادي إلى درجة مهددة، الأمر الذي ينعكس على الناس ويزيد في ضنك عيش الأغلبية الواسعة منها .
أما المفصل الثالث فهو أزمة تهريب الأمريكيين في قضية تمويل المنظمات الأهلية التي مست الكرامة الوطنية لمصر والكرامة الشخصية لكل مواطن، إضافة إلى زرعها الشك في نزاهة واستقلال القضاء المصري . وهي أزمة لاتزال مفتوحة وتتفاعل، خصوصاً أن أي طرف لم يجرؤ حتى الآن على تحمل مسؤوليتها، وبقي الحق على الطليان .
يضاف إلى المفاصل الثلاثة، المخاوف الموضوعية والمشروعة من هيمنة تيار الإسلام السياسي على مقدرات السلطة . وهي مخاوف تؤكدها ممارسات الأعضاء والكوادر العاديين يومياً والمواقف تجاه أمور وقضايا تفصيلية حياتية يومية تمس المواطن وحرياته، ولا يلغيها أو يوقفها الكلام الجميل المصوغ بدقة وحرفية والمتناسب مع الظرف المحيط والوسط الذي يقال فيه ودرجة التمكن التي وصلتها قوى التيار . ويظهر ذلك بشكل أكثر وضوحاً في مجال المرأة ومحاولة الارتداد على حقوق اكتسبتها خلال سنين طويلة من النضال، وفي مجال الأحوال المدنية بشكل عام، وفي مجال النظرة إلى شركاء الوطن والوطنية من غير المسلمين والعلاقة الإنسانية معهم .
ومع اجتماع المفاصل الثلاثة ومعها المخاوف الموضوعية وغيرها، فإن القلق على الثورة وقدرتها على تحقيق أهدافها، بل الخوف من الارتداد عليها يصبح أمراً مفهوماً .
إن كثيراً من الآمال تعلق في هذه الأيام والأيام المقبلة على الرئيس الذي سيتم انتخابه بعد ثلاثة أشهر تقريباً .
والغريب أن الرئيس الجديد سيجري انتخابه وترسيمه قبل إقرار الدستور الذي سيحدد له صلاحياته الجديدة أي أنه سيتم انتخابه بالصلاحيات التي يحددها له الدستور القديم . ومن يدري فقد تخرج فتوى قانونية أو دستورية، بسبب ذلك، تدعو إلى إعادة انتخاب الرئيس على أساس الدستور الجديد وما يحدده له من صلاحيات بعد أيام من إقرار الدستور الجديد .
المهم في أي رئيس قادم أن يكون مؤمناً بأهداف الثورة وضرورة تحقيق أهدافها (عيش، حرية، كرامة وطنية، عدالة اجتماعية)، وأن يمتلك برنامجاً نهضوياً لبناء دولة عصرية مدنية تقوم على المواطنة المتساوية وصيانة وتعزيز الحريات العامة وللنهوض بالبلاد اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ولاستعادة مصر دورها الطبيعي القائد في عموم المنطقة .
والمهم أيضاً ألا يكون الرئيس من حزب الأغلبية البرلمانية نفسها بما يحقق المخاوف الموضوعية حول الهيمنة . إن الاختلاف بينهما رحمة للوطن ورحمة للمواطن .
يبقى في النهاية ذلك الاطمئنان اليقيني بمصر ومستقبل مصر وازدهار مصر وبعودة مصر عفية قوية تشكل ركناً أساسياً لقيام وضع عربي عام أكثر عزة وكرامة واكتفاء وحريات ديمقراطية وأرفع قيمة وقدراً واحتراماً وأمنع في صد أي عدوان أو تدخل مهما كانت طبيعته وأياً كان مصدره . وهو اطمئنان يقيني ينبع من الثقة بأهل مصر وشبابها وصحوتهم التي لا غفوة بعدها .
فقد يكون أهم ما افرزته ثورة 25 يناير اكتشاف الشعب المصري لذاته وثقته بنفسه وبقدرته على أن ldquo;يعملهاrdquo;، كما قال الشاعر عبدالرحمن الأبنودي .
فمن انتصر في معركة كنس نظام كتم على الأنفاس بأجهزة أمنية غير مسبوقة في سطوتها وجبروتها وقمعها وأدخل مصر في حالة من السبات الطويل وعزلها عن محيطها وعطل دورها فيه ونهب مقدراتها وسرق ثرواتها، ومن انتصر في مثل هذه المعركة لا يقبل السير بأي اتجاه إلا إلى الأمام، إلى المستقبل .
وهو قادر على استكمال أهداف الثورة، وقادر على تصحيح أي انحراف في مسارها، وقادر على دفع عجلتها إذا ما عطلت أو تباطأ سيرها، حتى لو تطلب ذلك ثورة جديدة يفجرها شبابه .