جريدة الجرائد

الخيار الأسوأ بين السودانين

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عبد الوهاب بدرخان

كانت الخرطوم و"جوبا" اختارتا أسلوباً حضاريّاً هو الاستفتاء الشعبي لإتمام الانفصال بين السودانين بشكل قانوني، لكن يتضح مع الوقت أن كل جروح الماضي تركت مفتوحة، ومعها كمٌّ ضخم من الملفات التي ينبغي أن تعالج. وعلى رغم أن جراحة الفراق أجريت بإشراف مباشر من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، إلا أن تداعياتها لا تزال تسمم العلاقة بين الشمال والجنوب. إذ اهتم الرعاة الدوليون بإنجاز الانفصال نفسه ولم يبالوا بالتعايش السلمي بين الجارين اللذين احتاجا أكثر إلى الرعاية بعد افتراقهما ولم يجدا الحماسة السابقة لمساعدتهما على بناء علاقة جديدة على أسس الاحترام المتبادل والحرص على أمن كل منهما والبحث عن أفضل السبل لجعل اقتصاديهما يزدهران بالتعاون والتكامل.

ها هي الحرب تعود مجدداً بين الشماليين والجنوبيين، وهي الخيار الأسوأ إذا كان الهدف منها حل الخلافات بالقوة. وإذا كانت واشنطن والاتحادان الأوروبي والأفريقي، وكذلك مجلس الأمن، دعت الجنوب إلى سحب قواته من منطقة "هجليج" النفطية، فما الذي دفع الرئيس الجنوبي إلى الهجوم، ومن شجعه على أن يرد بفجاجة على الأمين العام للأمم المتحدة. قد يكون لعلاقته المتطورة مع إسرائيل دور متقدم في التخطيط لسياسته، ولكن هذا يبقى مجرد احتمال ينبغي التدقيق فيه. غير أن سلفاكير ميارديت غامر بالتقدم إلى "هجليج" التي حسم التحكيم الدولي وجودها في الأراضي الشمالية منذ 2009، أي أنه ارتكب عملاً احتلاليّاً على أمل أن يساعده ذلك في الحصول على اتفاق ينهي التنازع على إقليم "أبيي" لمصلحة الجنوب. يريد سلفاكير "تحرير" كل الإنتاج النفطي من أي تداخل مع الشمال ومصالحه، ولكنه خالف تعهدات سابقة خصوصاً للأفارقة بأن تحل كل الخلافات بالتفاوض مع استبعاد كلي للحرب.

كانت المفاوضات شبه الدائمة في أديس أبابا هي الضحية الأولى للهجوم على "هجليج". وعلى رغم أنها توصلت منتصف مارس إلى اتفاق يتعلق بمواطني البلدين، إلا أن التطور العسكري الأخير قد يطيحه. اشتهر ذلك الاتفاق باسم "الحريات الأربع"، وهو مستوحى من اتفاق مماثل بين مصر والسودان، ويتيح للمواطنين حريات التنقل والإقامة والعمل والتملك. كان الأفضل لو أمكن التوصل إلى هذا الاتفاق قبل الانفصال ليوفر الكثير من المتاعب والضغوط على الأفراد والجماعات، وليشكل بالتالي أساساً لحل إشكالات تتعلق بمناطق ذات تداخل سكاني. ولاشك أن التأخير تسبب في كثير من الأضرار، ثم إن الإعلان عن الاتفاق أثار جدلاً كبيراً حول انعكاساته الأمنية والاقتصادية خصوصاً في الشمال.

على أي حال، مهّد ذلك الاتفاق -إذا لم تساهم الحرب المستجدة في قتله- لأمرين أساسيين: أولهما ترسيم الحدود خصوصاً في مناطق التماس الخمس المتنازع عليها، بما يعنيه استطراداً من حل للخلافات على النفط. أما الثاني فيتعلق بتخلي الخرطوم و"جوبا" عن دعم جماعات التمرد المسلحة لدى كل منهما، وهذا خلاف طالما أفسد العلاقة بين النظامين وحال تكاذبهما فيه دون بناء الثقة بينهما وبالأخص بين قادتهما، لكن تفاهمهما أخيراً على اتباع سياسة عدم الاعتداء يمكن أن يساهم في إيجاد تسويات سياسية لنزاعات دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان... وكل ذلك يعني أن الطرفين كانا قد اجتازا في المفاوضات مسافة مهمة، ،لكن اقترابهما من حسم الملف الأصعب المتعلق بالنفط هو ما جعل حكومة الجنوب تراجع حساباتها وتكشف نياتها. فهي تريد سيطرة كاملة على النفط، وتفاوض على مد أنابيب لتصديره عبر كينيا وإثيوبيا وجيبوتي، وبالتالي للاستغناء عن الأنابيب المارة بأراضي الشمال. فإذا لم تفصل الثروة سيبقى الانفصال ناقصاً، في حين أن الجنوبيين أرادوه ثأراً تاريخيّاً من الشماليين.

بين "هجليج" المحسومة قانونياً للشمال و"أبيي" المتنازع عليها يبدو هذا الحلم، الثأر الجنوبي غير مضمون، ويبقى سلفاكير متوتراً في بحثه عن تكريس فعلي لزعامته. ولكنه بمغامرته الجديدة قدم خدمة لعمر البشير في سعيه إلى تلميع زعامته فيما تبحث القوى السياسية في أي سبيل لإزاحته، أو على الأقل لدفعه إلى الانسحاب من العمل السياسي مع انتهاء ولايته الحالية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الم يعلم
عبدالله العثامنه -

الم يكن يعلم الرئيس عمر حسن البشير انه في حال انقسم السودان الى شمال وجنوب أن الحرب ستقع يوما ما بين الشماليين والجنوبيين؟؟ الم يكن يعلم الرئيس انه عندما يأخذ القرار بتقسيم السودان أن القسم الجنوبي سيذهب الى اسرائيل عطيه ما من وراها جزيّه ؟؟ الم يعلم الرئيس ان تقسيم السودان قد يؤدي الى فتح الباب على مصراعيه لأنقسامات اخرى مثل دارفور وانه ربما يصبح هناك بالأضافه الى دولة شمال السودان ودولة جنوب السودان دوله جديده اسمها شرق السودان ويظل السودان ينقسم الى شمال وجنوب وشمال الشمال وجنوب الجنوب وشرق الغرب ...حتى تنقطع تسميات الجهات الأربع؟؟!!.

اليك أخي عبدالله
نوال الزغبي -

الي الاخ عبدالله العثامنة وغيره .. لاتلومون عمر البشير ولا اهل السودان لأن السودان ظل يقاتل لوحده منذ الخمسينيات من القرن الماضي ولم يجد اي دعم ولاسند حتي من اقرب الناس اليه.عمر البشير جاء للحكم من الميدان حيث حارب ضد الجنوب اكثر من عشرون عاما ضابطا عاملا بالجيش السوداني وذاق كل مرارات الحرب وتجرع البؤس والشقاء وفقد الاخ والصديق بسبب هذه الحرب وعندها ولايزال العرب يقفون مكتوفي الايدي ويتفرجون علي اهل شمال السودان وللأسف البعض منهم يدعم الطرف الجنوبي وبقوة حتي يتمزق السودان اربا اربا.. وهنا لايفوتني الادوار المريبة والخارقة للأمن القومي العربي والتي مارسها الكثير من زعماء العرب ولاننسي ثقافة التشرذم والمحاور التي سادت ونسي العرب امنهم وباعوا بعضهم بأرخص الاثمان.عزيزي عبدالله لاتلوم عمر البشير ولا اهل شمال السودان لأن المخطط معقد والاستهداف اكبر من السودان ونوم العرب العميق سوف عود عليهم بالوبال. اتمني بأن تكون فهمت شيئا الآن.

الشواطئ للعطل
ع/عطاالله -

يمكنك مخادعة الناس بعض الوقت وبعضهم كل الوقت.احفظ بين صغارك لأحفادك أن رئيسنا الآسبق السيد أحمد بن بلة قضى دون عطلة حتى رئيسنا الحالي ورحل راض عنا.

الشواطئ للعطل
ع/عطاالله -

يمكنك مخادعة الناس بعض الوقت وبعضهم كل الوقت.احفظ بين صغارك لأحفادك أن رئيسنا الآسبق السيد أحمد بن بلة قضى دون عطلة حتى رئيسنا الحالي ورحل راض عنا.