خطيئة المفتي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فهمي هويدي
حين زار مفتي مصر القدس فإنه أهان نفسه كواحد من أهل العلم، وأهان دار الإفتاء التي يرأسها، وأهان المؤسسة الأزهرية التي ينتسب إليها، وأهان البلد الذي ينتمي إليه. وحين عاد من زيارته وحاول أن يبرر فعلته فإنه أهان أيضا عقولنا وافترض فينا البلاهة والغباء. ذلك أنني أستغرب على رجل من أهل العلم أن يدعي أنه بزيارته أوصل رسالة المقدسيين الداعية إلى إغاثة المسجد الأقصى من مخططات التهويد، وكأن التحقق من ذلك "الاكتشاف" الذي انفرد به المفتي كان لابد له من أن يذهب بنفسه إلى المسجد الأقصى لكي يشاهد بعينيه ما يجري هناك. ولم أفهم أي غيبوبة انتابته بحيث لم يوازن بين ذلك الهدف الذي لا يضيف شيئا إلى معارف العامة (فما بالك بالخاصة) وبين المفاسد والفتنة الكبرى التي يمكن أن تترتب على فعلته. ناهيك عن أنه بذلك فتح الباب لكل شخصية عامة لكي تمارس التطبيع متذرعة بحجة توصيل رسالة المقدسيين وربما أيضا توصيل رسالة الفلسطينيين في الأرض المحتلة.
من ناحية أخرى، فإن القيام بمثل هذه الزيارة لا يدخل في عمل المفتي حتى أزعم أنه يعد تجاوزا من جانبه أساء فيه إلى دار الإفتاء، التي لم يقل أحد إن من شأنها أن تمارس الاجتهاد السياسي في الأمور العادية، فما بالك بقضية معقدة فشل فيها رجال السياسة. وللأسف فإن الزيارة لم تمثل صفحة سوداء في سجل الرجل فحسب ولكنها باتت أيضا صفحة سوداء في سجل دار الإفتاء التي يفترض أن تنأى بنفسها عن التورط في مثل هذه الأفعال.
ويظل مستغربا أن ينسى الرجل أنه منتسب إلى مؤسسة الأزهر التي تعد منارة للعالم الإسلامي ورمزا لحلمه في وحدة الأمة على الصعيدين الوجداني والديني من ناحية والثقافي من ناحية أخرى. وبدلا من أن يتبنى موقفا حازما يليق بمقام الأزهر، من قبيل الدعوة إلى تحرير القدس مثلا، إلا أننا وجدناه قد دخل في لعبة صغيرة، ظاهرها حمل رسالة المقدسيين، وباطنها التسليم باحتلال الإسرائيليين. وقد كان بوسعه إذا أراد أن يتواضع أن يطالب الإسرائيليين بالسماح للفلسطينيين بالصلاة في المسجد الأقصى سواء كانوا تحت سن الأربعين من أبناء فلسطين 48 أو كانوا من أبناء الضفة الغربية، إلا أننا وجدناه يتجاهل هذا الشق ويحبذ السياحة في القدس فاتحا الباب لغيره من الشخصيات العامة في العالم العربي والإسلامي لكي يتوافدوا على إسرائيل بحجة الصلاة في الأقصى.
كما بدا الأزهر صغيرا في هذه الزيارة حتى تجاهل المفتي رمزيته فإن مصر التي يعد المفتي أحد واجهاتها بدت صغيرة أيضا. حتى رأيت في زيارته صورة مصر العاجزة في عصر مبارك، التي دأبت على ممالأة الإسرائيليين وموالاتهم، ولم أر مصر الفتية التي رفعت رأسها واستردت كرامتها بعد الثورة. إن مفتي مصر ليس مفتي أي بلد، ولكنه رمز البلد الكبير الذي إذا كان قد ذل أو انكسر يوما ما، إلا أنه رصيده من المهابة والمكانة لم ينفد بعد. ولك أن تتصور كم مشاعر الإحباط والانكسار التي يمكن أن تشيع في أوساط العرب والمسلمين حين طالعوا خبر زيارة مفتي مصر بجلالة قدره للقدس وهي تحت الاحتلال.
لقد استغبانا الدكتور علي جمعة وافترض فينا البلاهة حين قال بعد عودته إن زيارته كانت شخصية، وإنه لم يكن يمثل دار الإفتاء أو الأزهر. كما أنه استغبانا حين قال إن الزيارة كانت مفاجأة، وأنها رتبت على عجل، ولذلك لم يتمكن من الاستئذان ولم يخبر أحدا.
وهو كلام غير مقبول. ذلك أن الشخصية العامة طالما هي في المنصب لا تستطيع أن تنفصل عن المنصب الذي تحتله. إذ كل ممارساته محملة على منصبه. والمكان الوحيد الذي يمكن أن توصف فيه ممارساته بأنها شخصية ومعزولة عن منصبه، هو بيته الخاص. أما إذا خطا خطوة واحدة خارج البيت فهو محمل بمنصبه لا يستطيع منه فكاكا، شاء أم أبى.
وأغلب الظن أنه كان يضحك علينا ويفترض فينا السذاجة حتى قال إنه في زيارته لم يخالف الشرع أو الدين، وكأن المطلوب أن يكون هناك نص من القرآن والسنة يمنع زيارة القدس المحتلة. ولست أشك في أن الرجل يعرف جيدا أن الأمر لا يحتاج إلى نص. ولكن الإباحة والحرمة فيه مرهونة بنتائج الترجيح بين المفاسد والمصالح، فإن كانت الأولى فشبهة الحرمة قائمة وإن كانت الثانية اكتسب التصرف حصانة شرعية.
إن أسوأ ما في الزيارة ليس فقط أن مفتي مصر قام بها، ولكن أيضا أنها تعطي انطباعا للجميع بأن إسرائيل حريصة على كفالة حرية الأديان، وأنها بذلك مؤتمنة على القدس التي يمكن أن تصبح مفتوحة للجميع في ظل الاحتلال، الذي أكسبته الزيارة ثقة واحتراما.
الملاحظة الأخيرة على الزيارة أن "المطبعين" وحدهم رحبوا بها واعتبروها عملا شجاعا وخطوة بناءة لتعزيز الثقة بين العرب والإسرائيليين (في ظل استمرار الاحتلال بطبيعة الحال)، وهذا الإعجاب والتودد للمفتي ليس في صالحه، ليس فقط لأنه يسيء إلى صورته وسمعته في الدنيا، ولكن أيضا لأن المرء يحشر يوم القيامة مع من أحب، كما يقول الحديث النبوي. الأمر الذي يعني أن لعنة الزيارة لن تطارده في دنياه فقط ولكنها مرشحة لملاحقته في الآخرة أيضا.
التعليقات
هل تريدونها حربا اخرى
نجيب هنداوي -ماذا تريد يااستاذ هويدي هل تنوون اشعال الحرب مرة اخرى بعدما افسد القوميون دروبها اول مرة لماذا تتوجسون خيفة من اسرائيل وتنكرون عليها الستم من فتح الحوار معها في الجزيره اول مره ولا اظن سوابق الرسول خافيه عليكم حين هادنهم انهم بشر مثلنا لهم همومهم وافراحهم لهم هواجسهم وتحفظاتهم هل تريدون اذكاء العداوة واشعال الفتنه مرة اخرى اذا ادعيتم فلسطين فقد سبقوكم للمفاوضات واذا قلتم ارضا محتله فهاكم الجزر الثلاث ولواء الاسكندرونه وسبته ومليله في المغرب كفاكم دجلا يرحمكم الله فقدسئمنا بطولاتكم الورقيه ودماء المساكين مسفوحه في الطرقات بدل ان تتهم الرجل بانه اساء للازهر ولمصر ولغيرها من امور كان حري ان تشد على يده وتمتدح فعله لانه كان جريئا الكل يختبيء خلف شعارات بائسه اكل الدهر عليها قبلكم ساح عبدالناصر يبشر بالفتح العظيم وكلنا راينا كيف كانت عاقبته حين اقتربت ساعة الحقيقة وجلجلت هزيمة 67 اواحمدواالله ان يسر لكم مثل انور السادات والذي استطاع ان يجز فترة من التاريخ تلتقطوا فيها انفسكم وتعيدوا مادمره القوميون ارى ان الحرب والعداء المستمر لن يورث الا التخلف والمزيد من فقدان الزمن قد يزمجر الكثير لما فعله المفتي ولكن بالله عليكم ماهو البديل هل نعيد عقارب الساعه للوراء هل ننسف كل الهدوء والامان نغلق قناة السويس مرة اخرى وهل بذلك نعيد القدس او نرمي اسرائيل في البحر الاترون ان وقت الدجل والتدليس قدولى ارحمونا ايها الاخوان يرحمكم الله وحاولوا ان تبنوا مصر وتعلو من شانها لا تثيروا الاخرين عليكم وتجعلوا من ارض الكنانة موطنا للعذاب والفقر هنيئا لكم قطعتوا الغاز عن اسرائيل وكان مشاكل مصر قد حلت اتذكر كلمة قالها احد الساسة في نهاية حرب الخليج الثانيه (اذا كانت النار قد انطفأت فأن جهنم قد فتحت )واعتقد كلماتي واضحه حين نستتذكر صدام القذافي بومدين واخرين سوف يلحقونهم
اصوليون امريكيون
د محسن -من عده سنوات كتب الاستاذ /هويدى مقالا بعنوان " اصوليون امريكيون" وهو مقال فى منتهى الاهميه ! نقل فيه ما سمعه من امريكيين وهو اعطاهم لقب (اصوليون)لان ما قالوه مبنى على فهمهم لنبؤات الكتاب المقدس والخاصه بالمستقبل واذكر انه كتب فى نهايه المقال : سالتهم وماذا عن الاسلاميين ؟ فكانت اجابتهم لا ذكر للاسلاميين فى هذه الاحداث ! قارئى العزيز : ربما اجابوا الاستاذ فهمى هكذا تادبا غير ان ما كتب بخصوص دول المنطقه وموقفها بالنسبه للقدس كالاتى:ستحيط الجيوش بالمدينه المقدسه ووقتها( سيظهر )الرب يسوع - عيسى - وهذا يسمى ( مجيئه الظاهر) او الظهور وهو بعد (مجيئه السرى) غير الظاهر للعالم بسبع سنين- مجيئه الاول لاخذ المؤمنين الحقيقين به كمن فداهم ومات لاجلهم وقام ومجيئه الثانى الظاهر بعد 7 سنوات الضيقه العظيمه(راجع متى 24)و( تسالونيكى الثانيه 2)
قميص عثمان
sa7ar -اخوان الأستاذ هويدي منزعجون من الأزهر لأنه لم يوافق على استئثارهم بكتابة الدستور المصري، الخلاف لا يعدو كونه سياسي فكل من يخالف الإخوان على باطل و سيحاسب في الدنيا و الأخرة كما ذكر أخونا هويدي في أخر مقاله! صرح الإخوان أنهم في حال توليهم السلطة لن يمسوا بمعاهدة كامب ديفيد فلماذا ينزعجون اليوم من زيارة المفتي؟ الكلام عن القضية الفلسطينية واستعمالها للاستهلاك الإعلامي أصبح مكشوف للجميع فإسلاميو الأمس الذين اغتالوا السادات راضون بمعاهدة السلام اليوم! إسلاميو دول الربيع العربي طووا صفحة القضية الفلسطينية التي ما تكلموا عنها سابقاً إلا لإرباك الحاكم العربي بغية إنتزاع الكرسي منه; أما وقد وصلوا اليوم فستوضع قضية فلسطين في درج من ادراجهم فلا يخرجونها إلا ساعة الحاجة إليها. كانت القضية الفلسطينية عند هؤلاء للدعاية،جمع التبرعات وحث المواطنين على الإنتساب لجماعتهم وهي ما زالت كذلك! انها كقميص عثمان يستعملونها لتخوين الآخر المعارض و لتبرير خلطهم الدين بالسياسة: لو طلب المفتي _الإذن_ من الإخوان قبل سفره للقدس لا ستخرجوا له فتوى بالزيارة ولما كنا لنسمع بهذه الزوبعة الإعلامية!