جريدة الجرائد

صحافة أجنبية: أصدقاء أميركا... عالقون في العراق!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تعاونوا معها وتتباطأ في منحهم تأشيرة!

ترودي روبن

كاتبة وصحفية أميركية

بعد مضي وقت طويل على مغادرة آخر جندي أميركي للعراق، مازال آلاف العراقيين الذين عملوا لحساب جيشنا ومسؤولينا المدنيين عالقين في حالة نسيان وإهمال خطيرة، في انتظار التأشيرات الأميركية الموعودة التي لم تصل بعد. ذلك أن الميليشيات الشيعية المتشددة تهدد بقتل هؤلاء العراقيين لأنهم ساعدوا الأميركيين. وقد علمتُ للتو بشأن حالة تم فيها ترك محقنة طبية وقنينة صغيرة تحوي مركز حامض السلفور عند باب منزل مترجم عراقي سابق كان يعمل لحساب القوات الأميركية في بغداد، وتقول الرسالة التي تركت معهما إن وجه الرجل وجسمه سيغسلان قريباً بالحامض السلفوري.
والواقع أنه حتى لو كان لدى الرجل المال للفرار من العراق (وهو ما لا يتوافر عليه)، فإنه وعائلته عالقون هناك: ذلك أن السفارة الأميركية تحتفظ بجوازات سفرهم منذ ثلاث سنوات من أجل دراسة طلب حصولهم على التأشيرة، في وقت طالت فيه العملية جداً.

وطول فترة الانتظار هذا يُعزى في جزء كبير منه إلى عمليات التحقق الأمنية الجديدة التي اعتمدت في 2009 بعد أن اتهم لاجئان عراقيان في ولاية كنتاكي (لم يسبق أن عملا لحساب القوات الأميركية) بالتخطيط لمساعدة إرهابيين. ويقول كبار المسؤولين الأميركيين إنهم يبذلون ما في وسعهم من أجل تسريع عملية التأشيرة وبدأوا يقتربون من تحقيق اختراق، غير أنه إذا كانت الأرقام تظهر ارتفاعاً طفيفاً، فإنها بالكاد تتحرك. وفي هذا الإطار، قال لي مؤخراً كبير مستشاري نائب الرئيس "جو بايدن" للأمن القومي، توني بلينكن، بعد كلمة ألقاها بمركز التقدم الأميركي، وهو مركز بحوث في واشنطن: "إننا مدينون لهؤلاء الناس. لدينا دَين تجاههم لأنهم عرضوا حياتهم للخطر من أجل الولايات المتحدة".

وقال "بلينكن" إنه وزملاءه، وفي مقدمتهم نائب مستشار الأمن القومي دنيس ماكدونو ومستشار محاربة الإرهاب جون برينان، أمضوا خلال العامين إلى ثلاثة أعوام الماضية: "ساعات -بالمعنى الحرفي للكلمة- في غرفة العمليات بالبيت الأبيض مع كل الوكالات في بحث مشكلة (تأشيرات) العراقيين". وأضاف قائلاً: "ما أستطيع أن أقوله لك اليوم هو أنني أعتقد أننا بتنا نتوافر اليوم على طريقة للتقدم إلى الأمام، طريقة ستظهر اختراقاً في جلب مزيد من الناس إلى الولايات المتحدة مع الحرص في الوقت نفسه على أن يظل أمننا محفوظاً".

ومما لاشك فيه أن "بلينكن" وزملاءه صادقون في جهودهم، ولكن الأرقام ما زالت لا تتحرك. ولنتأمل التالي: في 2008، خصص الكونجرس 25 ألف تأشيرة هجرة خاصة للعراقيين الذين ساعدونا، على فترة خمس سنوات؛ ولكن أقل من 4500 تأشيرة فقط صدرت حتى الآن. وحسب أرقام وزارة الخارجية، فإن 719 عراقيّاً وصلوا إلى الولايات المتحدة بتأشيرة هجرة خاصة في السنة المالية 2011، و569 في الأشهر الستة الأولى من السنة المالية 2012 (لا تشمل أفراد العائلة). وهذا يمثل ارتفاعاً بدون شك، ولكنه قطعاً ليس اختراقاً.

ويقول بوب كاري، نائب الرئيس لسياسة إعادة التوطين بلجنة الإنقاذ الدولي: "إن برنامج تأشيرة الهجرة الخاصة لم يحقق ما كان متوخى منه"، مضيفاً "هناك قائمة طويلة من الأشخاص الذين ينتظرون وحياتهم في خطر".

وبالفعل، فعدد مقدمي طلبات اللجوء اليائسين ما زال بالآلاف. وأمام هذا الوضع، فإن العديد من العراقيين الذين ساعدوا الأميركيين اختاروا تقديم طلبات الحصول على تأشيرات أميركية من خلال برنامج خاص آخر للاجئين. واعتباراً من يوليو الماضي، كان ثمة 39 ألف عراقي على قائمة الانتظار، ولكن في الأشهر الستة الأولى من السنة المالية 2012 تم قبول 2500 عراقي فقط. هذا علماً بأن معظم مقدمي الطلبات ينتظرون عاماً إلى ثلاثة أعوام.

ولكن، أين تكمن المشكلة؟ ولماذا لا نستطيع الوفاء بواجبنا الأخلاقي تجاه العراقيين الذين جازفوا بحياتهم من أجل مساعدتنا؟

أعتقد أن لدينا إجراءات إدارية وأمنية غير معقولة. ذلك أننا في مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، قمنا -تحت وزارة الأمن الداخلي- بوضع الكثير من الإجراءات المتداخلة والمتكررة إلى درجة أنه بات من المستحيل تقريباً الإبحار عبر النظام. وفي هذا الإطار، يقول كاري: "المشكلة تكمن في أن وكالة معينة لا تعترف بالضرورة بعمليات التدقيق الأمنية التي قامت بها وكالة أخرى"، مضيفاً "وفي كثير من الأحيان تنقضي صلاحية عملية تدقيق ما قبل اكتمال عملية التدقيق التالية".

"علي. هـ"، الذي ينتظر منذ أكثر من ثلاث سنوات، وأجرى اختباره الطبي ثلاث مرات، وخضع لعملية أخذ البصمات مرتين، حددت له السفارة الثامن من مارس 2011، كتاريخ كان يفترض أن يسافر فيه، ولكن عندما حل ذلك اليوم قيل له إن ثمة حاجة إلى مزيد من عمليات التدقيق الأمني. وكان "علي" قد باع محله التجاري وسيارته، وأخذ المال ينفد منه الآن. وقد كتب إليَّ مؤخراً يقول: "إننا مهدَّدون بالموت في كل لحظة"، مضيفاً: "هل هذا هو ما نستحقه مقابل عملنا مع القوات الأميركية. رجاءً، رجاءً ساعدونا".

غير أن هذا سيتطلب قيام البيت الأبيض بتطويع بيروقراطية الأمن الداخلي السريالية، وهو شيء لم يحدث بعد وربما يحتاج إلى تدخل رئاسي. ولكن في غضون ذلك، تتواصل معاناة آلاف العراقيين العالقين وتتعرض مصداقية أميركا لضربة جديدة. وقد اعترف لي "بلينكن" بأنه "إذا لم نقم بشيء بخصوص هذا الموضوع، فإنه سيكون له تأثير سلبي على رغبة الناس عبر العالم في العمل والتعاون مع مهماتنا". وهو بدون شك محق في ذلك تماماً!

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

"إم سي تي إنترناشيونال"

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف