لبنان .. مناورة فاضحة... وكفى!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
نبيل بومنصف
يثير السباق المحموم الطارئ بين فريقي 14 آذار و8 آذار في مجلس النواب الى طلب لجان تحقيق برلمانية في الملفات المالية المزمنة والمحدثة على حد سواء غبارا كثيفا حول طبيعة الصراع السياسي الذي تتجه اليه البلاد قبل سنة تماما من استحقاقها الانتخابي النيابي. هذا السباق يبدو في طلائعه اقرب الى "مقبلات" لتحمية الارض الانتخابية منه الى التوصل فعلا الى عملية "تحقيقية" شاملة تضع حدا حاسما لصراع مالي واداري غدا الوجه الآخر الملاصق للصراع السياسي واحيانا الامني بين الفريقين. واذا كان اللبنانيون معروفين بشغفهم الشديد بمناخات الحوربة الانتخابية، فان معالم كثيرة في ظروفهم الحالية والمقبلة يفترض ان تنبئ بمشقات ضخمة تحول دون اشعال شهياتهم الانتخابية على هذا النحو المبكر.
لم يكن نواب لبنان قد افاقوا بعد من سكرة المناقشة العامة الماراتونية الاسبوع الماضي حتى شهدت بيروت رقما قياسيا طوال الاسبوع، في التحركات الاحتجاجية والاعتصامات والتظاهرات المقبلة على مزيد. ومن ربطة الخبز المنقوصة الوزن الى منظومة طويلة عريضة من الازمات المطلبية والمعيشية المتفاقمة، الى ركود اقتصادي قاتل يضرب كل القطاعات وينذر بافلاسات وببطالة متصاعدة، لا ندري كيف لمجلس بدأ العد العكسي لتقاعده ان يكون افضل من حكومة هدرت ثقتها الثانية باقل من يومين في مواجهة هذا المد الازماتي الزاحف.
لجان التحقيق البرلمانية في حقيقتها هي من افضل السبل المبدئية للمحاسبة. ولكن اي لجان تحقيق ستولد، وان ولدت، على يد مجلس اشعلته اللحظة الانتخابية الطالعة؟ ثم اي نواب هؤلاء الذين ستتشكل منهم اللجان سيكونون على سوية قضاة تحقيق في عز الاستعدادات الانتخابية؟ واي تجرد يرتجى من لجان كهذه لو شكلت على خلفية توظيف الشعبية واستثمارها في مواد المزايدات التي لن تختلف في شيء عما يدور اسبوعيا في جلسات مجلس الوزراء؟
مفاد ذلك ان لجان التحقيق تتشكل في المواقيت الجادة وليس في مواقيت المناورات، ولا سيما منها المكشوفة انكشافا فاضحا على الموسم الانتخابي. ولو كانت غيوما تحمل مطرا لكانت تلبدت قبل الان بزمن طويل. واي عملية لتشكيل لجنة تحقيق ستستلزم اشهرا، هذا ان قيض للمسعى ان يكون "حسن النية". ولكن الحقيقة الكاشفة لا تترك ادنى شك في ان الاخفاق المدوي في اجتراح حلول آنية وعاجلة للملف المالي والازمات الخانقة يدفع في اتجاه الهروب الى مادة انتخابية تثير غبارا ولا تطعم جائعا او تقيم محاسبة او توقف المد الزاحف المتسع للركود والتراجع والتصحر الاقتصادي والاستثماري في البلاد. ولعلها فرصة اضافية لمعاينة مجلس يستعجل محاسبة نفسه خطوة اثر خطوة. فاي عرض انتخابي حقيقي امام الناخبين افضل من هذا العراء؟