تداعيات إعلان الطوارق إقامة دولتهم في مالي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
توفيق المديني
بعد أن سيطر المتمردون من الحركة الوطنية لتحرير أزواد الانفصالية، وجماعة "أنصار الدين" الإسلامية المتشددة على شمال مالي، وانسحاب القوات الحكومية من أقاليم كيدال وجاو وتمبكتو وهي الأقاليم الثلاثة، أعلنت "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" إنها ستقيم دولتها الجديدة عليها في شمال مالي.علماً أن مالي مقسمة إلى ثمانية أقاليم من أجل تسهيل الحكم المحلي بجانب مقاطعة العاصمة باماكو وتقوم الحكومة الوطنية بتعيين الحكام المحليين في الأقاليم وتعتبر المحكمة العليا أعلى سلطة قضائية إلى جانب المحكمة الدستورية. أما الأقاليم الثمانية التي تحمل كل واحدة منها اسم المدينة الرئيسية فيها وكل إقليم ينقسم إلى 49 دائرة، وهي أقاليم كاو وكيدال وكياس وكوليكورو وتمبكتو وسيكاسو ومويتي وسيكو.
تعود قضية الطوارق إلى بدايات الاستقلال، فمنذ عام 1958 صعدت احتجاجات قوية من معظم سكان أزواد، ترفض مشروع تقسيم الصحراء، وكان على سكان الشمال أن يصوتوا إما بالبقاء تحت السيادة الفرنسية، أو تقسيمهم إلى شتات بين دول الجوار، ولا يوجد حل ثالث. كما يقول الباحث الطارقي المختار أق عبدالرحمن، المقيم في نواكشوط. ويضيف: "وافق الطوارق على الانضمام إلى مالي، والنيجر، مفضلين السيادة المسلمة، مهما كان لونها أو جنسها على السيادة الاستعمارية، أملاً في أن يتفاهموا مع الأفارقة بعد رحيل الاستعمار، وهو الوعد الذي تحصلوا عليه من الحكام الماليين، إذا ما صوتوا بالبقاء معهم.
وعندما استقلت مالي، وأصبح موديبو كيتا رئيساً لجمهورية مالي بعد استقلالها عام 1963، أخذ في تطبيق مبادئه المتطرفة (السائدة حينذاك في المنطقة) فكان أول قرار أصدره القضاء على الزوايا، وكل فكر إسلامي، يحول دون تطبيق المبادئ الاشتراكية. وكان العلماء الطوارق والأفارقة على حد سواء أول من عارض هذا المشروع، الذي يحاول به كيتا القضاء على الهوية الإسلامية للماليين، فكان أن أمر باعتقال كل معترض، وتصفية جميع المناوئين لمشروعه من دون تفريق .وكان موديبو كيتا كما تقول المصادر - قد أقنع الطوارق لدى الاستقلال بأن لا داعي للانفصال عن الأفارقة، وعلل ذلك بأنهم إخوان وجيران تجمعهم عقيدة واحدة، وسيتعايشون تحت راية الإسلام، كما كان في السابق تماماً.
وفي مارس 1991م جرى انقلاب بقيادة الكولونيل أمادو توري مهّد لقيام انتخابات بعد عام ونيف من استلامه السلطة، أتت بعمر كوناري رئيسًا للجمهورية في نيسان 1992م، وفي عام 1993م، نفذ حكم الإعدام في الرئيس الأسبق تراوري لقمعه المعارضين لحكومته عام 1991م، وفي عام 1997م تم إعادة انتخاب كوناري لفترة رئاسية أخرى.
وأعلن توري بزوغ فجر صادق على مالي، ووعد بالديموقراطية في البلاد، فكانت أولى خطواته إلغاء اتفاق تامنغست وإعلان حالة الطوارئ في البلاد. وأمر "بتطهير" الصحراء من العرب والطوارق، الذين أصبحوا هدفاً للقتل أينما وجدوا، من الحكومة والسكان السود على حد سواء.
وأظهر توماني توري للطوارق والعرب عداءً شديداً لم يشهدوا مثله قط، كما أظهر عدم الاكتراث بهم، فظلوا طوال فترة حكمه تحت رحمة جيشه الطائش الذي تفنن في إبادتهم، فارتكب ضدهم مجازر لم تشهد البلاد مثلها، وزاده إقداماً على جرمه عدم استنكار أحد "في العالم" لما يفعله، فالجميع اعتبر المشكلة داخلية، وجميع الذين أدلوا بدلوهم في الصلح - وهم الجزائر وليبيا - اتهمهم الطوارق بأنهم مارسوا ضغوطاً ضدهم، لأنهم يقدمون أمنهم الحدودي ومصالحهم على قضيتهم.
أما في عهد الرئيس الحالي أمادوا توماني توري الذي أطيح به في الانقلاب العسكري الخير الذي حصل في 22آذار الماضي، فكان أول عمل قام به بعد فوزه في الانتخابات هو تعيين طارقي رئيساً للوزراء، كبادرة دلل بها على حسن نيته نحو البيض بوجه عام في بلاده، وقدم تسهيلات كثيرة لمناطقهم، إلا أنه يضطر أحياناً إلى عمل ذلك على وجه السرية، خشية احتجاج القبائل الزنجية، التي بدأت تنظر للحكومة على أنها تفضل الطوارق والعرب عليها، خوفاً من بطشهم!".
وقال: "أنا أنصح إخواني العرب والطوارق في بلدي بأن ينموا وعيهم السياسي، وأن يدافعوا عن حقوقهم بالأدوات السلمية والعصرية، وهذا ما سيحقق لهم الكثير مما يعتقدون أنه ينقصهم، أما الحرب والإخلال بالأمن فإنهما لا يحققان أي مكاسب، بل العكس تماماً، ونحن نرى ما حدث في ساحل العاج القريبة منا، وما يحدث في العراق الآن بسبب الحرب. السلاح لا يأتي بخير".
أما المتمردون، الذين تتشكل نواتهم الصلبة من الطوارق، فإنهم يرفضون أن يكونوا ماليين، إنهم يريدون إقامة دولة مستقلة في أزواد. في هذه المرحلة، وحده شمال مالي يشعر بالقلق. لكن غدا، من يدري، قد يقوم متمردون سابقون آخرون في منطقة الساحل الأفريقي الانضمام إلى مغامرة جديدة، لا سيما في النيجر الدولة المحاذية لمالي. في انتظار ذلك، يبدو أن الجيش المالي أصبح منهاراً. وكان انقلابيو باماكو يبررون انقلابهم بالتأكيد على إرادتهم بوضع حدّ لضياع الدولة، ويلقون اللوم في ذلك على الرئيس المخلوع أمادو توري. لكن العكس هو الذي حصل.
ويعتبر سقوط شمال مالي في أيدي المتمردين الطوارق والمجموعات الإسلامية التي تشن منذ منتصف كانون الثاني 2012 هجوما لتحرير أراضي الأزواد، مهد الطوارق، ضربة قوية للجنة الوطنية لاستعادة الديمقراطية وسيادة الدولة، وهو مجلس الإنقلابيين، وشكل في الوقت عينه أزمة إقليمية في منطقة غرب إفريقيا، نظرا لتداعيات هذا النزاع .
في ظل هذا الوضع المتفجر، تم إبرام الاتفاق بين الإنقلابيين وممثلي المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا يوم الجمعة 6 نيسان الجاري، والذي ينص على تقديم الرئيس أمادو توماني توري استقالته، وأن يسلم الانقلابيون السلطة إلى رئيس الجمعية الوطنية (البرلمان) ديونكود تراوري، الذي ستكون إحدى مهماته إعادة توحيد البلاد بعد إعلان "الحركة الوطنية لتحريرأزواد" استقلال "دولة أزواد".
وبعد أن قدم الرئيس أمادو توماني توري استقالته، وتخلي زعيم الانقلابيين أمادو سانوغو الذي يقود البلاد منذ 22آذار الماضي عن السلطة، نصبت المحكمة الدستورية السيد ديونكوندا تراوري رئيساً مؤقتاً لمالي. وقررت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا السبت 7أبريل الجاري "رفع كل العقوبات المفروضة على مالي منذ الانقلاب" ومنها الحظر الدبلوماسي والاقتصادي والمالي الذي كان يهدد بخنق البلاد بينما صدر عفو عن الانقلابيين.
وما أن استلم مهامه،حتى ألقى الرئيس الانتقالي في مالي ديونكوندا تراوري، يوم الخميس 12 أبريل الجاري، كلمة في باماكو ، جاء فيها: "أعرف أني رئيس لبلد في حالة حرب"، داعياً المجموعات المسلحة "بإلحاح وحزم" إلى "العودة إلى كنف الدولة ووقف التجاوزات وعمليات النهب والسلب والاغتصاب والانسحاب من المدن التي احتلوها".وأضاف "إذا ما رفضوا فلن نتردد في شن حرب شاملة وماحقة لدحر تنظيم" القاعدة في المغرب الإسلامي" ومهربي المخدرات وخاطفي الرهائن خارج حدودنا".وسيعين تراوري رئيساً للوزراء يفوضه "صلاحيات كاملة" لتشكيل حكومة "وحدة وطنية" يمكن أن يشارك فيها أعضاء من المجموعة العسكرية، وفقاً للاتفاق الذي تم التوصل إليه مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
لقد شكل إعلان الدولة من جانب المتمردين الطوارق في شمال مالي أزمة إقليمية في منطقة دول الساحل وجنوب الصحراء الكبرى. فهناك أولاً: مشكلة الطوارق في شمال مالي مع السلطة المركزية في باماكو، وهي مشكلة مرتبطة بغياب التنمية، وغياب الدولة في تحمل مسؤولياتها للدفاع عن سيادة أراضيها. ويبقى حل مشكلة الطوارق عن طريق الحوار مع المتمردين، ومنحهم الحكم الذاتي في إطار المحافظة على سيادة الدولة المالية. وهناك، ثانياً، مشكل الإرهاب الذي يمارسه تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وفروعه المرتبطة به في كل من مالي وموريتانيا ونيجيريا، والذي يريد تطبيق الشريعة الإسلامية في دولة مالي.