جريدة الجرائد

في مصر: لماذا غابت الوجوه الحكيمة؟!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تركي الدخيل

هناك جيل من الحكماء في مصر خرجوا عن الضوء، باستثناء قلةٍ، أضرب مثلاً بعمرو موسى والذي يسهل التعاطي معه على المستويات السياسية على اعتباره الخبير والسياسي العريق في مجالاتٍ ومؤسساتٍ عدة، على عكس بعض الساسة الجدد الذين لا يضيفون إلى المشكلات إلا المزيد من التأزيم.
الإساءة التي حصلت من بعض الغوغائيين المصريين ضد السفارة السعودية، والتصعيد الذي وصل إلى حد التشفي من المجتمع السعودي، وخلع الأوصاف المسيئة؛ كل تلك الأفعال تعبر عن مرحلة غوغائية جديدة في السطح السياسي المصري بدأت تظهر على السطح. هكذا هي الحال في مصر للأسف، وغياب الوجوه الحكيمة عن الصفوف السياسية الرئيسية مكن الغوغاء من فرض أفعالهم كأمرٍ طبيعي لم تتبعه محاسبة أو معاقبة أو محاكمة.
من المعروف أن السفارات دائماً خط أحمر، حتى في حالات الحروب وفي أحلك الظروف، ومن قلة التمدن والتحضر أن تكون التعابير ضد قرارٍ هنا أو هناك بالتكسير والتخريب. برزت الثورة أولاً على أساس المطالبة بالديموقراطية، والعدالة، والإخاء، والمساواة-هكذا يقولون- لكن لننظر إلى الأفعال التي جاءت بعد زوال نظام حسني مبارك، كوارث في الملاعب، استهداف السفارات، ملاحقة الفنانين، كل هذه الأفعال تبين أن مصر تتراجع ولا تتقدم. وهذا خبر سيئ لنا جميعاً معاشر العرب، لأن مصر إن تقدمت تقدمت بتقدمها دول كثيرة، وإن تخلفت فستتراجع مجتمعاتٍ عديدة معها.
الثورة التي تجعل الغوغاء في الواجهة، وتجعل حكمهم وقولهم هو النافذ حتى على الحكومة ورجال السياسة ليست بثورة، وإذا أردنا أن ننتصر لمصر فبإحياء الثقافة المدنية، وعودة قيمة الفنون، وغلبة العقل على العاطفة، وسيادة العقلاء على الغوغاء. مصر التي كانت واجهتها أسماء مثل طه حسين والعقاد والرافعي والمنفلوطي وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وسواهم من الأسماء الكبرى أصبحت الآن مختصرةً بوجوه في الشارع يعتدون على المارة ويتسلّقون جدران السفارات بحثاً عن فرائس للانتقام والتشفي!
قال أبو عبدالله غفر الله له: إذا كانت الثورات أثمرت عن هكذا واقع، فعلى الثورات السلام، كيف يمكن لمن طالبوا بالديموقراطية أن ينفروا من القيم المدنية؟! أليس من أسس التمدن اتخاذ الوسائل السلمية والحضارية في التعبير عن الاحتجاج والغضب؟! لماذا العبارات المسيئة والتكسير والتخريب إذن؟! هل هذا ما تعلمه الثورة للثائرين؟!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف