جولة في الصحافة العالمية: فوز هولاند فرصة فرنسا للتغيير
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عمر عدس
في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة، خسر الرئيس الذي احتفل بفوزه قبل خمس سنوات في أفخر مطاعم الشانزليزيه، مع ثلة من رفاقه الأثرياء، وفاز المرشح الذي قال صراحة ldquo;إني لا أحبّ الأغنياءrdquo; . فهل الأمور بهذه البساطة، وهل يسهم الرئيس الفرنسي الجديد في وقف مدّ التقشف الذي تفشّى في أوروبا؟
كتبت صحيفة ldquo;الغارديانrdquo;، (6-5-2012) ضمن افتتاحية لها: أحرز فرانسوا هولاند نصراً مذهلاً، لا لنفسه فقط، كرجل أمضى الشطر الأعظم من حياته المهنية في ظل آخرين، ولا لفرنسا فقط، بل لليسار في أوروبا، أيضاً .
فمع تعرُّض الأحزاب الحاكمة التي تنصح بالتقشف، للهجوم في انتفاضة الناخبين يوم الأحد - في الانتخابات اليونانية، حيث كان مقدّراً لليمين المتطرف أن يحرز أصواتاً كافية لدخول البرلمان، وفي مقاطعة شليسويك هولشتاين الألمانية، حيث انهارت أصوات حزب الديمقراطيين الأحرار، المحالف لحزب المستشارة أنجيلا ميركل - كان الاختراق الذي حققه اليسار في فرنسا إنجازاً هائلاً، وربما يكون نقطة تحوّل .
وتمضي الصحيفة قائلة: إن نيكولا ساركوزي كان الزعيم الأوروبي الحادي عشر الذي سقط منذ اندلاع أزمة المصارف، وتتجاوز هذه النتيجة كونها مجرد تحذير لأنصار ساركوزي السابقين، مثل ميركل أو ديفيد كاميرون .
فالتوجه الفرنسي الجديد ضربة قاضية لميثاق التقشف، الذي كان حتى الآن ردّ فعل أوروبا الرئيس على الأزمة . وتقول الصحيفة، إن هولاند ليس راديكالياً . ومع إدراكه لاستقطاب فرنسا بين يسار ويمين، أراد من أنصاره أن يحتفلوا، لا أن يتظاهروا . وقد تعهد بتعديل ميزانية فرنسا في وقت يزيد سنة على خطة الزعيم الذي هزمه . ولكنه يفوز بالسلطة في تلك اللحظة من التاريخ، التي أصبح فيها ضحايا دورة الازدهار والإفلاس، الصوت السياسي المهيمن .
والخيار الذي تواجهه فرنسا صريح ومجرد . فقد أخفق اليمين اقتصادياً حيث تدع إجراءاته التقشفية معظم اقتصاد أوروبا يتخبط في القاع . فإمّا أن يعكس هولاند اتجاه هذه القوة الماحقة بخلق الوظائف وتحفيز النموّ في فرنسا - بخططه الاقتصادية الحذرة - أو يكون لليمين المتطرف يوم مشهود يتخذ فيه المهاجرين والحكومة المركزية كبشيْ فداء، ثم تتلوه بعد ذلك سياسة الحماية الاقتصادية، والقومية الكارهة للأجانب .
وتقول الصحيفة، إن الرئيس الفرنسي الجديد، يملك حسّاً حقيقياً بالتاريخ . وهو إذ يترسّم خطى فرانسوا ميتران، آخر اشتراكي يفوز بالرئاسة قبل 31 سنة، فإن موعده مع القدر، هو مع فرنسا، لا مع حزبه . فإذا كان ساركوزي قد اغترف في الآونة الأخيرة أصواتاً من جدول اليمين المتطرف، غير هيّاب ولا وجِل، فإن رئيس فرنسا القادم قد ولّى وجهه شطر اتجاه آخر، واعياً لما يفعل . وتقول الصحيفة: ها هو ساركوزي، الشخصية البارزة والنادرة في عالم السياسة الفرنسي - يخرج بعد فترة واحدة . ولعل ساركوزي قد خسر رئاسته بعد ساعات من فوزه المُبرَم بها سنة 2007 . فقراره الاحتفال بالفوز في أكثر مطاعم الشانزليزيه فخامة، مع 55 من أقرب وأغنى أقرانه، حدّد سمات الرئاسة التي ظلت على الدوام تعاني عيباً قاتلاً .
ولم يكتف الرئيس الجديد يومئذٍ بغلطة واحدة في العلاقات العامة، بل أتبعها بغلطة أخرى . فالرجل الذي وصمته صحيفة ldquo;ليبراسيونrdquo; بأنه ldquo;يتباهى بالغنىrdquo;، نُشِرت صوره وهو يشمّس جسمه على يختِ ملياردير .
وهكذا، فإن الصفات غير التقليدية، التي أثارت خيال الفرنسيين عندما كان ساركوزي مرشحاً للرئاسة سنة 2007 أصابت فرنسا بالاشمئزاز عندما أصبح رئيساً . وقد صحا من سكرته، ولكنه لم يبرأ من الوصم بأنه رئيس الأثرياء .
وتقول الصحيفة، إن ساركوزي محق الآن في أن يتقبل هزيمته شخصياً، لأن شخصيته، هي التي رفضها الناخبون أكثر من أي عامل آخر . إن تقهقر مسلسل ساركوزي الدرامي، يدع حزبه ذا السنوات العشر، حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية، في حالة أزمة . فمن الصعب أن يملك الوقت الكافي للتعافي قبل أن يأتي اختبار انتخابي آخر في يونيو/ حزيران . وسيكون التحدي، مارين لوبان، التي قد يقتحم حزبها، حزبُ الجبهة الوطنية - البرلمان للمرة الأولى منذ أواسط ثمانينيات القرن الماضي .
والآن، ومع البلبلة التي تسود اليمين، كما تقول الصحيفة، يملك هولاند فرصة نادرة لإعادة تشكيل المشهد السياسي، في بلد اعتاد أن يكون موقعه الافتراضي في اليمين . وسوف يحتاج هولاند إلى كل قوته كزعيم، إذا كان سينجح- إضافة إلى قدْر غير قليل من الحظ .
وفي مجلة ldquo;دير شبيغلrdquo;، (7-5-2012) كتب ماثيو فون رور: إن هولاند، يواجه وقتاً حافلاً بالاختبارات والتحديات الكبيرة . وهي التي ستكشف أي رئيس هو، وإلى أي مدىً يستطيع أن ينتقل من وعوده الانتخابية، إلى تطبيقها . وما إذا كان سيستطيع أن يفي بمتطلبات المنصب الذي شغله قبل 31 سنة، فرانسوا ميتران، الذي لم يصبح أسطورة اليسار الفرنسي وحسب، بل أصبح رجل دولة فرنسياً عظيماً أيضاً .
وفي صحيفة ldquo;اندبندنتrdquo;، (7-5-2012) كتبت نبيلة رمضاني، هنالك كل الأسباب التي تدعو إلى التخوف من رئاسة فرانسوا هولاند، خصوصاً إذا كان المرء فرنسياً ثرياً .
فقد اعترف الاشتراكي البالغ من العمر 57 عاماً علناً بأنه ldquo;لا يحبّ الأغنياءrdquo;، وأعلن قائلاً ldquo;إنّ عدوّي الحقيقي هو عالم المالrdquo; . وهذا يعني كما تقول الكاتبة، فرض ضرائب على الأغنياء تبلغ 75%، ووقف أنشطة باريس كمركز للتعامل المالي، وصرف ملايين في استحداث مزيد من وظائف الخدمة المدنية .
أضف إلى ذلك، التهديد الصريح بإعادة التفاوض على اتفاقية اليورو لاستبدال التقشف بإنفاق ldquo;خلق النموّrdquo;، وستحصل على واحد من أشد البرامج يسارية في التاريخ الحديث .
وتقول الكاتبة، إن إدارة فرنسا مهمة شبه مستحيلة حتى في أحسن الظروف، ولكنّ التحذيرات الحالية من الفوضى الاقتصادية والاضطراب الاجتماعي، ليست أسوأ من تلك التي واجهت ساركوزي قبل خمس سنوات .
وصحيح أن فرانسوا هولاند سوف يواجه أوقاتاً عصيبة، ولكن لا يجوز الاستخفاف بقدراته ببساطة، كما قد يحلو للبعض .