جريدة الجرائد

صحافة أجنبية : الأزمة السورية ودروس التجربة البلقانية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

وجود المراقبين لم يمنع حدوث المجازر في يوغسلافيا السابقة

دبي


لا يبدو أن سوريا تسير على طريق السلام من خلال خطة عنان الحالية المكونة من ست نقاط والمدعومة من قبل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي. فتلك الخطة تنبني على افتراض وجود نوايا طيبة لدى الرئيس السوري، واستعداد لوقف قمع الانشقاق السياسي، ووقف الأعمال العسكرية العقابية ضد المدن والبلدات التي انبثق منها التمرد خلال العام الأخير. كما تفترض الخطة مسبقاً أنه بمجرد توقف القمع وأعمال القتل من جانب النظام "فإنه سيبدأ على الفور حوار بشأن الفترة الانتقالية".

والحقيقة أن السلطات السورية ليس لديها الدافع لتغيير نمط سلوكها الحالي. فرغم أن مجلس الأمن قد ارتأى زيادة عدد المراقبين الدوليين من 30 إلى 300، فالمتوقع أن تضيع الأسابيع بل والشهور القادمة في جدل عقيم حول ما إذا كانت هناك حاجة لرفع هذا العدد لـ 3000 أم لا، أما نمط السلوك ذاته فلن يتغير، في جميع الأحول، ولنا في تجربة البلقان درس وعبرة.

فخلال عقد التسعينيات من القرن الماضي كان للمجتمع الدولي عدد أكبر بكثير من المراقبين الدوليين مقارنة بما هو موجود في سوريا، غير أن ذلك لم يحل دون وقوع المجازر.

فالجهد الرامي لإيقاف عمليات القتل من خلال إرسال المراقبين، يعتمد على فضح الطرف القائم بتلك الأعمال مما قد يدفعه للشعور بالخجل أمام العالم والتوقف بالتالي عن مواصلة أفعاله، وهو أمر ليس متوقعاً بالنسبة للنظام السوري الذي لم يتورع عن قتل 10 آلاف شخص خلال الأربعة عشر شهراً الماضية، مما يعني أنه فقد الوازع الأخلاقي الذي يحول بينه وبين ارتكاب المزيد من أعمال القتل، هذا إذا ما افترضنا أن ذلك الوازع كان متوافراً لديه أصلاً.

والنظام السوري لا يقوم بما يقترفه حالياً بدافع التحدي فحسب، وإنما كذلك بدافع الخوف من الجماهير المتعطشة للانتقام، ومن المعارضة التي تطالب برأس الرئيس نفسه كشرط مسبق (وغير واقعي) للدخول في أي مفاوضات.

لذلك نرى أن خطة عنان تفشل حالياً، سواء في إيقاف العنف أو حتى في تأمين حوار سياسي، خصوصاً وأن نظام الأسد يتلكأ في تنفيذها طالما أنه لا يوجد بديل عنها في الأفق. فالأسد يفترض كما افترض من قبله الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش، أن الغرب ليس لديه الشجاعة على التدخل ضده. والنظام السوري -على الأقل في الوقت الراهن- يبدو على حق في افتراضه هذا. فالغرب يخشى بالفعل من أن يؤدي تدخله في سوريا إلى دفعها نحو التفكك، وفق خطوط طائفية وعرقية تشبه السيناريو البلقاني، وهو سيناريو لو تحقق فسيكون أكثر خطراً مما كان عليه في البلقان نظراً لطبيعة الأوضاع الدولية الحالية. وهناك أسئلة عديدة تتعلق بهذا الأمر، منها مثلاً: كيف سينعكس ذلك التفكك على تركيا، والقضية الكردية، وهضبة الجولان، ولبنان؟ ومن الذي سيدير أمور سوريا في فترة ما بعد الأسد؟ وحتى إذا ما كانت هناك رغبة لدى المجتمع الدولي في التدخل، فهل سيكون لديه استعداد للذهاب للمدى الذي ذهب إليه في كوسوفو سابقاً، من دون الحصول على شرعية كاملة من قبل المجتمع الدولي؟

والنظام السوري على علم بالمخاوف الغربية، ويرفع رهاناته وفقاً لذلك، مستفيداً من حقيقة أن العام الحالي هو عام انتخابات في الولايات المتحدة، يتحول فيها الرئيس إلى بطة عرجاء.

وهناك رأي آخر يقول إنه لا حاجة لتخيل إمكانية حدوث سيناريوهات كابوسية، لأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تقول إن هناك في سوريا مؤشرات على قيام حرب أهلية في بعض أجزاء البلاد.

لذلك، فإن أعمال القتل في سوريا لن يتوقع لها أن تخف، بل ويمكن للأمور أن تسوء عندما تؤدي دورة العنف المتفاقم إلى دفع المجتمع كله نحو التطرف. لذلك فإن الحاجة تدعو للقيام بعملية مراجعة عاجلة لخطة عنان من قبل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي بمجلس الأمن الدولي. وفي هذا الشأن يجب على الخطة أن تعمل على تطوير نقطتين محددتين هما:

أولاً، العمل على توضيح ما المقصود بالفترة الانتقالية بسوريا بعبارات واضحة لا تحتمل التأويل تفيد أن الانتقال لا يعني ما يقوم به الأسد حالياً، أي التظاهر بتنظيم انتخابات تعددية مع القيام في نفس الوقت بقصف أحياء ومدن وبلدات بمناطق مختلفة من البلاد.

ثانياً، التركيز على الأمن من خلال العمل على إجراء تغيير واسع النطاق على سلوك كافة الأطراف على الأرض.

وعلى الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي التشاور مع جامعة الدول العربية للعمل من أجل صياغة الشروط اللازمة لإجراء مفاوضات بين نظام الأسد وبين ممثلي المعارضة السورية.

كما ينبغي أن تتمثل مرجعية تلك المفاوضات في مبادئ غير قابلة للمراجعة، مثل شجب العنف في العملية السياسية والمحافظة على وحدة أراضي سوريا وسيادتها، وعلى طبيعة مجتمعها المتعدد المذاهب والطوائف.

إن ترك الأمور في سوريا للسوريين سوف لن يعني شيئاً آخر سوى امتداد الصراع وتواصل نزيف الدم من دون أن يتمكن أي طرف، سواء النظام أو المعارضة، من تحقيق النصر على الآخر.

والمجتمع الدولي، لا يستطيع أن يقف ساكناً معتمداً على صيغ ومعادلات مثل هذه، ثبت فشلها من قبل إبّان مأساة البلقان.

فيتون ساروي

كاتب، عمل كمفاوض في مفاوضات كوسوفو (1999) ومحادثات الأوضاع في البلقان (2005 - 2007) بريستينا - كوسوفو

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

"كريستيان ساينس مونيتور"

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف