ماذا ينتظر العرب من فرنسوا هولاند؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
نسيم الخوري
فرنسوا هو الاسم الشائع العريق جدّاً الذي قد تجده بالعشرات في كلّ عائلة فرنسية منذ الأباطرة حتى اليوم، وفي هذا معانٍ وأبعاد وطنية كبيرة عندما ينسحب اسم الوطن على أسماء الأبناء ذكوراً وإناثاً . قد يكون فرنسوا هولاند الرئيس المنتخب حديثاً، الذي راح يسمّيه الكثيرون اليوم فرنسوا الثاني هو الرقم الثاني عشر أو الثالث عشر لفرنسوا في لائحة الأباطرة والحكّام الذين تعاقبوا على حكم فرنسا، لكنها تسمية متسرّعة تكاد تنحصر في مصادفة انتماء الإثنين حاملي الاسم نفسه إلى الحزب الاشتراكي الفرنسي، لكن، في القراءة والتحليل السياسيين وأسلوب الحكم وطرائقه، يقوى الارتجال إذ يتمّ الربط بين اشتراكية الأول واشتراكية الثاني لأننا نشطب بذلك، وعلى طريقة ال delete في البريد الإلكتروني السريع، مجموعة هائلة من التحوّلات والمفاهيم والمصطلحات التي حلّت بالعالم وبفرنسا والاشتراكيين بين فرنسوا ميتران وفرنسوا هولاند . وعلى الرغم من حجم صدمة التغييّر التي أصابت الفرنسيين بعد فوز فرنسوا ميتران في العام 1981 على فاليري جيسكار ديستان، وكان أوّل رئيس اشتراكي في تاريخ فرنسا يلج قصر الإليزيه حتى العام ،1998 فإنّ سياسته الخارجيّة، وخصوصاً في القضايا العربية الواضحة، لم تكن مريحة للعرب . وقد يكون من المفيد تذكّر الحوار الذي أجرته إذاعة ldquo;راديو فرانس إنترناسيونالrdquo; في باريس، باللغة الفرنسيّة، وقبل أسبوع من انتخابات الفرنسيين لفرنسوا ميتران مع كاتب هذا المقال كقومي عربي ومع الكاتب والروائي والصحافي اليساري آنذاك أمين المعلوف مجتمعين .
كان السؤال: ماذا تتوقّع كعربي من سياسة فرنسا الخارجية تجاه العرب لو وصل الاشتراكيون إلى حكم فرنسا؟ خلافاً لموقف المعلوف الذي أبدى تعاطفاً واضحاً مع الاشتراكيين، اتّخذت موقفاً مناهضاً ومعارضاً لوصول هؤلاء إلى الحكم مشفوعاً بانحيازهم كحزب اشتراكي وحزبيين إلى ldquo;إسرائيلrdquo;، وبشكلٍ سافر سواء في المظاهرات أو في مناقشاتنا ومحاوراتنا الطلابية في رحاب السوربون الثالثة، لم تكن مجازفةً منّي، الوقوف ضدّ التغيير، إلى جانب من لم يخرجوا في مظاهرة إلاّ والعلم الاشتراكي وrdquo;الإسرائيليrdquo; متعانقان، خلف العلم الفرنسي .كما لم تأتِ مجازفة ثانية الكتابة في هذه الصفحة بالذات من جريدة ldquo;الخليجrdquo;، وقبل انتخاب الاشتراكي مجدداً بكثير، أن احفظوا هذا الاسم: فرنسوا هولاند رئيساً لفرنسا .
لو طرحنا السؤال نفسه: ماذا ينتظر العرب والمسلمون من فرنسوا هولاند أو كيف سيوفق هولاند بين المعطى الإسلامي الذي يقود العديد من حكومات العرب وبين التشدّد الفرنسي الموروث في موضوع مسلمي فرنسا؟ لحضر الجواب أن ملف السياسة الداخلية أولوية كبرى لأيّ حاكم فرنسي، وهو ما يدفعنا إلى الاعتراف لفرنسا بصفتها الوطن النموذج لا ldquo;الأم الحنونrdquo; كما يسميها بعض اللبنانيين، وقد تعلّمنا وعلّمنا في جامعاتها ومعاهدها وعملنا فيها لأكثر من عقد ونصف، هي قادرة على دمغ العقل والحبر بالكتابة عن متعة الديمقراطية فيها ولذّة الحريّة وثقافة التشبّث بالحقوق الفردية والعدالة والمساواة والقانون في السلوك لا في النصوص وحسب .
ومع أنّ رجحان السياسة الخارجية في فرنسا هي في الرئيس لا في البرلمان، وغاب الكلام فيها عن نصوص هولاند الانتخابية إلى درجة وصف فيها زميلنا ريجيس دوبريه فرنسا بأنها ldquo;غارقة في نسيانٍ مقفل للعالمrdquo;، يمكن التكهن، في مقاربة شخصيته، أن فرنسوا هولاند في شخصيته التوفيقية يجمع النزر غير الكافي من ملامح القوّة التي عرفناها مع الجنرال شارل ديغول وانفتاحه الجريء على القضايا العربية وبقايا الملامح الثقافية النبيلة لكن الاشتراكية التي طبعت حقبة حكم فرنسوا ميتران . وأمام ملف ldquo;الإرهابrdquo;، والأوضاع المالية المعقّدة، ومستقبل اتفاقيات الشراكة، ودور الصين المتنامي، وبداية خروج العالم من أحادية القرار إلى سباعيته (أمريكا، فرنسا، روسيا، الصين، الهند، البرازيل، اليابان) وبدء انتقال الاستراتيجيات العسكرية الأمريكية ذات الطابع الكوني من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى والمحيط الهادئ، أقله حتى العام ،2020 فإنّ العرب سينتظرون كثيراً المستقبل المثقل بالأزمات، ولن يفتنهم كثيراً اللمح الإعلامية التي قالها هولاند سياسياً بدعم مبادرات لمفاوضات جديدة بهدف دعم السلام بين ldquo;إسرائيلrdquo; والفلسطينيين أو بدعمه الاعتراف بدولة فلسطينية، بالرغم من أنّه لم يقدّم وعوداً أو يعتمر القلنسوة اليهودية ويزور ldquo;إسرائيلrdquo; مثل أسلافه .
هولاند محكوم بالاستمرارية في مرحلة أولى طويلة، للبحث عن كيفية إبراز فرنسا المطفأة على خارطة ال 195 دولة التي كادت أن تقتصر على صوتين: واشنطن وبرلين قبل أن يتمكّن مع غيره (هل يتمكّنون؟) من تحقيق المساهمة في إخراج القارة العجوز من ركودها الاقتصادي، إضافة إلى أن استقلاليته لن تتيح له بسهولة توضيح صورة بلده الموشّح بالأمريكية وrdquo;الإسرائيليةrdquo; التي غ إلى فيهما ساركوزي . سيخرج من أفغانستان، كما وعد، لكنّ الملف العربي والإسلامي السائل وغير المستقر والمفتوح على حزمة من التنافس الاستراتيجي بين الدول العظمى المتكاثرة دوليّاً وإقليميا التي قد تدفعنا إلى المجازفة مجدداً بوضع مصطلح العظمة بين قوسين .