الاستثناء الجزائري.. لا ثورة ولا إسلاميين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سيد أحمد الخضر
خلافالما تصوره كثيرون، بينت نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة أن الجزائر محصنة ضد عدوى الربيع العربي، الذي نسف عدة أنظمة في المشرق والمغرب.
لقد اعتبر العديد من المراقبين أن الجزائر أولى بالثورة من العديد من الدول العربية بالنظر إلى حجم الفساد وتعطل المشاريع التنموية وهيمنة العسكر على السياسة.
لكن الشعب الجزائري أعرض عن الاستجابة لنداء النخب المتحمسة للتغيير، ولم يخرج إلا في مناسبات قليلة اقتصرت المطالب فيها على الإصلاح السياسي وتوفير السكن وفرص العمل للشباب.
لم تخرج في الجزائر التي خبرت الثورة والتضحية قبل عقود أي مظاهرات مليونية تطالب بسقوط النظام.
بيد أن هذا التجاهل لم يعدّ يوما ثقة في النظام بقدر ما يعود لتوجس شعبي من انفلات الأمن والعودة إلى حقبة الرصاص، ما برر المراهنة على الانتخابات التشريعية في إحداث التغيير.
توقع كثيرون أن تحدث الانتخابات التشريعية تغييرا هادئا في المشهد السياسي يهتدي بوحي الربيع العربي الذي حمل معارضي الأنظمة العربية وبالذات الإسلاميين منهم إلى مراكز القرار.
ولأن المغرب أعرض نوعا ما عن العنف وجنح للتغيير عبر الصندوق، فإن تكرار التجربة في الجزائر المجاورة بدا ممكنا جدا.
لكن الشعب الجزائري سخر مرة أخرى من التحليلات والتكهنات وأقصى الإسلاميين ليس من السلطة فحسب، إنما من المشاركة في رسم المشهد السياسي.
لقد حصل الإسلاميون مجتمعين في الجزائر على 59 مقعدا في البرلمان من أصل 462 حصد منها التحالف الحاكم 288!
خسران مبين منيت به المعارضة عموما ولن يكون حضور نوابها لجلسات البرلمان أكثر تأثيرا من غيابهم، بعد أن ضمن النظام أغلبية ساحقة وكسب تأييد المواطنين في زمن لا تتحدث فيه الشعوب سوى مفردات الرحيل والزوال والسقوط.
وبما أن الانتخابات حازت ثقة المنظمات المحلية الدولية وأثنت عليها جميع الدول العربية والغربية المعروفة بتأييدها للتغيير في المنطقة، فإن تهم التزوير لن تلاقي صدى في الشارع.
تأكد إذن أن الجزائر استثناءٌ عربيا ومغاربيا، لكن هذا التمنّع لا يمكن أن يولد من فراغ فالشعب الجزائري ليس ساذجا ولم يكن يوما خانعا ولا مطيعا للنظام. لا بد أن للجزائريين أسبابا تدعوهم للإبقاء على الوضع القائم، لعل أولها أن الربيع العربي حتى الآن لم ينجح سوى في التخلص من رؤوس الاستبداد، بينما لم تتحقق المطالب التي رفعها الشباب في الساحات والميادين.
لقد كان أويحيى بعيدا عن الإنصاف بل ومتطرفا جدا في وصفه للربيع العربي، لكن عدم قدرة الأنظمة الجديدة على تلبية مطالب الشعوب الثائرة يبرر توجس الجزائريين من المغامرة بجلب نظام جديد.
ثانيا، يبدو أن الرئيس الجزائري رغم ما يشاع من كونه مجرد واجهة للعسكر، لا يزال يحظى بثقة كبيرة في وسط الشارع ليس لرمزيته التاريخية كأحد جنود الثورة فحسب إنما لارتباطه في أذهان الجيل الجديد بتحقيق المصالحة الوطنية وحقن الدماء منذ وصوله للسلطة.
لكن السبب الأبرز يتمثل في عدم قدرة الإسلاميين على إقناع الجزائريين بمدنيتهم واعتدالهم على غرار ما حصل في تونس والمغرب من جهة، واقتناع المواطنين من جهة أخرى بحتمية الصدام بين السلطة والإسلاميين.
الشعب إذن آثر الحفاظ على مكتسبات السلم وأعرض عن التغيير. ويبقى السؤال المشروع هو: هل عدم تأثر الجزائر بالمحيط يعني عدم تأثيرها فيه، أم أن تجاهلها للربيع العربي قد يوقف مده؟