جريدة الجرائد

زمن "اتحاد دول الخليج العربي"

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله بن بجاد العتيبي


لماذا تغضب إيران من أي خطوات خليجية عربية للاتحاد؟ لماذا تتوافق تصريحات مسؤوليها بشتى توجهاتهم - التي كان يسوّق لها البعض باعتبارها انشقاقات- في ذات الاتجاه؟ لماذا تطلق التهديدات تجاه هذا الاتحاد الذي لم يصبح بعد واقعاً؟ هذه الأسئلة وأمثالها يجب أن تطرح الآن لأنها تكشف بوضوح للقارئ والمتابع والمهتم حجم طموح الهيمنة الذي كان يسيطر على إيران لسنوات طويلة مضت ولم يزل، وكذلك حجم الزيف الذي كان ينشره بعض من مواطني دول الخليج بما يخدم الطموحات الإيرانية سواء كانوا من السنة حيث تنظيمات "الإخوان المسلمين" ورموزهم أم من الشيعة حيث بعض الموالين لإيران في البحرين والسعودية والكويت أو بعض المستائين من بعض الأوضاع، والذين لا يشعرون بمدى توظيف إيران لهم، أم كانوا من الناشطين الجدد والثائرين الجدد أولئك الذين رحبت بهم إيران حتى وصلوا لأبواب دمشق فانقلبت عليهم كما انقلبت على غيرهم من حلفائها من بداية الثورة حتى اليوم، ويكفي تذكّر التيارات التي اشتركت في الثورة ثم قضى عليها الولي الفقيه لاحقاً.

هذا في الخليج، أما في العالم العربي فمن العجيب أنّه لم يتساءل حتى الآن ثائر في مصر أو تونس أو ليبيا عن الخطر الإيراني فضلاً عن التحذير منه، كما لم يتساءل حتى الآن مرشح رئاسي في مصر عن حجم التهديد الإيراني لعرب الخليج صراحةً، لماذا يتخاذلون هكذا تجاه محتل لأراض عربية مع أنّ عرب الخليج وقفوا معهم بشكل كامل تجاه إسرائيل؟

كما يحق لنا التساؤل عن الكيفية التي تستخدمها إيران لاستقطاب واستغلال أمثال هذه الشرائح المتعددة؟ أو بالأحرى كيف تخدم هذه الشرائح إيران، ولماذا؟ وهل يصح اعتبارهم جميعاً عملاء لها ولطموحات الهيمنة لديها؟ بالتأكيد لا، فباستثناء البعض المغرض من ذوي الأجندة الإيرانية الواضحة، فإن البقية يمكن قراءة مواقفهم، فبعض المنتمين للمذهب السنّي والمنتسبين لتنظيم "الإخوان المسلمين" يفعلون كل شيء للوفاء ببيعتهم لمرشد الجماعة في مصر، ويخضعون لتوجيهاته مغمضي العينين ويدفعون حجم الشكوك التي تنمو لديهم تجاه بلدانهم بدعوى فاسدة تقوم على أنّ له النظر العام في تحديد مصالح "الجماعة"التي حلت في زمن غير محل "الأمة" لديهم، أما الوطن فتكفيهم تنظيرات "الإخوان" السابقة -من البنّا لقطب- للتغافل عنه كلية والاستعداد الكامل لقول كلمة "طز" تجاهه كما فعلها المرشد العام السابق "عاكف" فهم بالتالي مهما كبرت أسماؤهم مجرد بيادق يتلاعب بها المرشد كيفما شاء.

أما بعض الشيعة الموالين لإيران في الخليج، فيكفي استحضار حجم التنسيق الكبير بينهم في المواقف السابقة والحاضرة لمعرفة مدى خضوعهم لها، أما المستغفلون الضعفاء فيتم اللعب عليهم بعدة وسائل منها حصرهم في مشهد صغير حول مظالم ربما كان بعضها محقاً، أو تأليبهم عن طريق التركيز على قصورٍ في توزيع التنمية يشملهم مع كثيرين غيرهم لتحويلهم بهذه الطريقة لخدمة المشروع الإيراني.

أمّا الناشطون الجدد فيكفي استخدامهم كغطاء لتحركات إيران وحلفائها السابقين لخدمة مشروعها، فهم مناكفون لدولهم ولتوجهاتها السياسية أياً كان صواب هذه التوجهات وأهميتها، وهم في لحظات كثيرة أشبه بمن يجدع أنفه نكاية بخصمه، ذلك أن صراعهم الداخلي الصغير يتضخم لديهم حتى يعجزون عن رؤية خطر خارجي حقيقي ومحدق كالخطر الإيراني.

ما يزيد إيران تهجماً هو شعورها بأنها بدأت تخسر مواقع مهمة في الصراع مع العرب وأهم تلك المواقع وجود موقعين في سوريا حيث يتجه النظام الموالي لها هناك إلى السقوط بأيدي شعب يعاديها، وفي البحرين حيث تتجه للاتحاد مع دول الخليج العربي بخطى ثابتة.

بالمقابل، فإن دول الخليج تزداد أهميتها ونفوذها على مستويات عدة، فها هي بحكم الواقع تقود العالم العربي سياسياً في لحظة مهمة من تاريخه، والإعلام العربي بيدها والثقافة تتجه لتصبح الأفضل فيها عربياً، ولديها كل المقومات التي تدفعها لتلك المكانة.

كما لديها الكثير من عناصر القوة، ففي القوة السياسية لديها استقرار داخلي وتنمية نشطة كما لديها علاقات مميزة مع الغرب والعالم كما لديها قوتها الفاعلة على الأرض وتحالفاتها الاستراتيجية في المنطقة، واقتصادياً ها هي تسجل أرقاماً قياسيةً في مداخيلها وميزانياتها، وينطبق الأمر ذاته فيما يتعلق بقوّة السلاح فقد عقدت في السنوات الأخيرة أكبر الصفقات وأقامت أكبر المعاهد للتدريب والتصنيع.

دول الخليج باستحضار كل ما سبق، ستصبح في حال إنجازها للاتحاد فيما بينها قوة ضاربة في المنطقة برمّتها، وهي بأمس الحاجة لخلق آلياتٍ مبدعةٍ لتجاوز أي خلافاتٍ أو مخاوف قد تبرز هنا أو هناك، لأن الاتحاد سيكون حال استكماله أكبر الجوائز التي تقدّمها لشعوبها ومكانتها ومستقبلها.

من ألعاب إيران المكشوفة للهيمنة في المنطقة أنّها تقوم بخلط الأوراق عمداً في طرحها السياسي ومواقفها فهي حين تلعب على وتر الطائفية لا تثيرها كما هي بل ترفع شعار الأقلية والأكثرية، وهي تصنع في لبنان ما صنعته سابقاً في العراق، وهي حين تريد استغفال الإسلام السياسي ترفع شعار الإسلاموية، وهي حين تسعى لخداع الناشطين الجدد ترفع شعارات الثورة والديموقراطية وحقوق الشعوب.

لقد بدأت دول الخليج بالفعل تثبت نفسها كقوة فاعلة في المنطقة، فهي مؤثرة في دول الاحتجاجات العربية التي يخطب العقلاء فيها ودّ دول الخليج لوعيهم بحاجة دولهم الماسة لهذا الدعم، وكانت لها أدوار فاعلة فيما جرى في ليبيا واليمن وما يجري في سوريا، ونستذكر بسهولة دخول قوات درع الجزيرة في البحرين، والمناورة الكبرى في الإمارات تحت اسم "جزر الوفاء" والمناورة الأخرى على تخوم سوريا تحت اسم "الأسد المتأهب" مع وعيٍ ظاهرٍ بخطر الحوثيين و"القاعدة" الموالين لإيران في اليمن، وبالإيرانيين الجدد في العراق.

هذه المناورات العسكرية تحمل دلالتين مهمتين في نظري، الأولى وعي القيادات السياسية في دول الخليج ومعها الأردن بحجم التحدي الإقليمي، والثانية: وعيها بأهمية بناء قوتها الذاتية أي أن تكون قادرةً على صنع الفرق في أي مواجهةٍ إقليمية.

تاريخياً وحين نقارن مجلس التعاون الخليجي بالتجمعات السياسية العربية الأخرى كمجلس التعاون العربي سابقاً أو الاتحاد المغاربي أو الجامعة العربية فإننا نجده الأفضل، ولكنها مقارنة خاطئة فمن يسعى لإنجازٍ حقيقيٍ عليه أن يقارن نفسه بمن هو أفضل منه وأوضح مثالٍ هنا هو الاتحاد الأوروبي مع استحضار حجم ما يجمع وما يفرق بين دول كلٍ من الاتحادين الأوروبي القائم والخليجي المنتظر.

أخيراً أحسب أنّ شعوب الخليج عطشى لمثل هذا التقدم في العلاقات بين دولها، والرغبة في بناء "اتحاد دول الخليج العربي" لا تدفع إليها العواطف بل تحكمها المصالح الاستراتيجية الشاملة، وفوائد هذا الاتحاد ظاهرة ولا تحتاج لتدليلٍ وتبرير، وهذا هو زمن "اتحاد دول الخليج العربي" فالحاجة إليه ملحةٌ وعاجلةٌ والظروف الدولية والإقليمية مؤاتيةٌ والمصالح الخليجية واضحةٌ وجليةٌ فلم يبق سوى العمل الدؤوب لإنجازه سريعاً.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف