محاكمة مبارك: كبيرة يا مصر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبد الباري عطوان
اذا كان مثول الرئيس المصري حسني مبارك امام المحكمة على سرير طبي من خلف القضبان لمواجهة تهم بالقتل والفساد واحدا من اعظم انجازات الثورة المصرية، والحدث الأبرز منذ اطاحة حكم الملك فاروق، فإن النطق بالحكم الذي سيصدر اليوم وسيشاهده الملايين مباشرة عبر شاشات التلفزة، هو سابقة تاريخية مشرّفة لا يمكن ان نرى لها مثيلا الا في هذا البلد العربي الأعرق.
لم يحدث وعلى مدى ثمانية آلاف عام، ان وقف حاكم او فرعون خلف القضبان امام محكمة عادلة، محاطا بأعوانه وابنائه، وبرهط من المحامين للدفاع عنه، بل ما كان يحدث هو العكس تماما، اي نرى خصومه يمثلون امام محاكم صورية او عسكرية تصدر احكاما ظالمة ومتفقا عليها سلفا.
انها احدى معجزات الثورة المصرية، بل هي المعجزة الأكبر بعد معجزة الإطاحة بنظام ديكتاتوري قمعي فاسد، اذلّ شعبه طوال ثلاثين عاما، واعتقد انه انسان مخلّد سيستمر في حكم البلاد حتى من قبره.
هذه الثورة المباركة حضارية انسانية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ليس لأنها اقصر الثورات العربية عمرا (18 يوما)، ولا لأنها الأقل دموية، وانما ايضــا لأنها الأكثر تسامحا والأكثر عدالة.
الشعب المصري، ورغم معاناته الطويلة، لم يسحل رئيسه، ولم يغتله انطلاقا من الثأرية والتعطش للانتقام، ولم يعتد عليه جنسيا، ولم يعرض جثمانه شماتة وتلذذا، لكي يبصق عليه الفضوليون والطافحون بالغيظ. الشعب المصري النبيل احتكم الى القيم والمثل الاخلاقية المستمدة من تراثه الحضاري والانساني العريق، وعقيدته السمحاء، وتعاطى مع طاغيته بترفع وكبرياء الكبير الواثق، وقدمه للعدالة في سابقة نادرة في منطقتنا.
ولا بد ان نعترف ان الرئيس مبارك الذي اختلفنا معه، وما زلنا، لم يهرب مثل آخرين بما سرق ونهب من عرق الشعب المصري الفقير الكادح، وظلّ وأسرته التي كان جشعها للمال والجاه من اسباب سقوطه المريع، على ارض مصر للمثول امام العدالة ومواجهة المصير الذي يستحقونه عقابا على جرائمهم، وقال انه يريد ان يموت ويدفن في تراب بلاده.
' ' '
قد يكون الرئيس مبارك قد اخطأ في حساباته، وهو صاحب تاريخ حافل بارتكاب الأخطاء، واعتقد ان المجلس العسكري الذي تولى منه السلطة لن يقدمه الى العدالة، ولن يصدر في حقه اي احكام بالسجن، بحكم كونه عسكريا محصنا من المقاضاة، تماما مثلما اعتقد الشيء نفسه العقيد الليبي معمر القذافي الذي استجدى معتقليه بعدم قتله، وخاطبهم بقوله 'يا اولادي لا تقتلوني'، مع الفارق الكبير بين ظروف اعتقال الرجلين وسقوطهما المهين من سدة الحكم.
الطغاة لا يقرأون التاريخ حتى يتعظوا من دروسه، ويعتقدون انهم التاريخ ويختصرون البلد في شخوصهم، ويتصرفون وكأنهم فوق العدالة، ويملكون حقا إلهيا في الظلم والبطش وإذلال شعوبهم.
اليوم تقف مصر امام لحظة الحقيقة التي انتظرها شعبها الصابر الطيب سنوات وسنوات، اليوم سيهبط الفرعون، وفراعنته الصغار من عليائهم، ويتحولون ليس فقط الى بشر، وانما الى مجرمين يدفعون ثمنا غاليا لجــرائمهم في حق شعبهم سجنا وربما إعداما.
لا نستطيع ان نتكهن بطبيعة الحكم، فلا توجد لدينا سوابق مصرية او عربية مماثلة نقيس عليها، ولكننا نعرف طبيعة التهم الموجهة الى الرئيس، من بينها التحريض على قتل المحتجين، ودهس آخرين، واستغلال المنصب لتحقيق ثروة هائلة، يقدرها البعض بخمسين مليار دولار، علاوة على عقارات وفيلات في شرم الشيخ تصل قيمتها الى ملايين الجنيهات المصرية.
من المؤلم، بالنسبة الينا على الأقل، ان المحكمة التي ستنطق بأحكامها في حق الرئيس واعضاء بطانته المتعفنة فسادا، لم تتطرق الى جرائمه السياسية، وهي اخطر بكثير من جرائمه الجنائية، لما الحقته بمصر من أضرار تمثلت في تراجع مكانتها، وافتقاد دورها الريادي، وتجويع حوالى اربعين مليونا من ابناء شعبها الطيب يعيشون تحت خط الفقر، وخسارة سيادتها الوطنية، وإضعاف امنها القومي، وتحولها وهي الكبيرة الى حارس للحدود الاسرائيلية.
' ' '
نختلف مع بعض الاعتذاريين للرئيس المخلوع الذين يعارضون محاكمته، وهو المريض المتقدم في السن، ونقول ان الولايات المتحدة الامريكية زعيمة العالم الديمقراطي الحرّ لم تتردد لحظة في الاستجابة لطلب المانيا بتسليم دوميانيوك الالماني المتهم بكونه 'إيفان الرهيب' الذي كان حارسا نازيا لأفران الغاز اثناء 'المحرقة'، وهو المريض المقعد الذي تجاوز السادسة والثمانين من عمره، واقتيد الى قاعة المحكمة على كرسي متحرك، ومات بعد اشهر من ادانته واثناء قضائه عقوبة السجن المؤبد.
ما نأمله اليوم ان تأتي الاحكام الصادرة في حق الرئيس مبارك واركان حكمه مرضية لأسر الشهداء الذين سقطوا برصاص قواتهم، دفاعا عن مصر ومن اجل استعادة كرامتها وعزتها، ورفع الظلم عنها، وإلاّ فإن المعتصمين في ميدان التحرير سيطول اعتصامهم وتتضاعف اعدادهم.
الرئيس مبارك يجب ان يصلي لله عدة ركعات شاكرا لأنه لم يواجه مصير جاره الليبي معمر القذافي، رغم ان جرائمه في حق مصر لم تكن اقل من جرائم الاخير في حق الشعب الليبي،ان لم تكن اكثر. فمصر لم تستحق لقب 'ام الدنيا' او الشقيقة الكبرى عبثا، فقد كانت وستظل كبيرة.
التعليقات
العراقيون جعلوك ملطوشا
عراقي يكره البعثية -في كل مقال تحاول التقليل من اول اعدام طاغية عربي جبان ترك ساحة المعركة واختباء في حفرة وترك بلدة يسقط بدبابتين وهامر بعد ان اوجع روؤسنا صراخا بتحرير القدس وتركيا وفرنسا واسبانيا وامريكا معهم على الواهس.. اعدم هذا الجبان بيد شعبه ذليللا مهانا ضئيلا وضيعا وهو ما فتح الباب على مصراعيه للشعوب العربية لتحذو حذو العراقيين وهو مافعله الابطال الليبيين والمصريين واليمنيين والتونسيين والحبل على الجرار ...مهما حاولت طمس الحقيقة فانها ستبقى في ضمير الشعب العربي الواعي والذكي
أحجيات وطلاسم عطوانية
معاوية -أصبحت مواقف الأستاذ عبدالباري عطوان من الشعوب العربية مريبة غامضة متقلبة شبيهة بمواقف حكومتي ايران واسرائيل ممتلئة بالحقد والشماتة والكراهية والتشفي رغم محاولته إخفاء هذه المشاعر وإيهام القارئ بعكس ما يضمره. يعتبر حسني مبارك ملاكاً بمقارنته مع حافظ أسد ووريثه اللذان لم تترك مناسبة إلا ودافعت عنهما، حتى القذافي وصالح وصدام كانوا أكثر وطنية بألف مرة منهما رغم أن جميعهم يستحق ما جرى ويجري له، وإذا كان قلبك على مبارك فاطمئن لأن الحكم المؤبد يعني ربع قرن وسيخرج بعد ثلاث أرباع المدة بحسن السلوك ولا مانع من أن تزوره ولا تنس العيش والحلاوة. ولكن مواقف غالبية الشيعة من الثورة السورية غريبة وكأنهم بمواقفهم الطائفية هذه يريدوننا أن نندم على موقفنا من صدام حسين ويذكروننا بموقفهم من الحسين وتخاذلهم وتخليهم عنه، يريدوننا بل يجبروننا أن نعتبره سيد أسياد شهداء الجنة ونلطم عليه ونبني له الصداميات - على وزن الحسينيات - ونجعل من قبور سلالته مزارات، رحمك الله يا صدام حسين كنت تعرفهم وتفهمهم أكثر منا وتعرف داءهم ودواهم . إذ كيف نفسر إجتماع النقيدان بشار أسد ومقتدى غير طائفيتهم وحقدهم وغدرهم يحكمون بالإعدام في دستورهم على كل سني ويمنعون الأحزاب الدينية ويقلدون الأوسمة لرؤساء عصابات طائفية إرهابية ذات طابع ديني ويدّعون العلمانية والشيوعية عدوة الأديان، ألا ترقى هذه الأحجية الى مرتبة عجائب الدنيا م أنها بديهية يفسرها زيفهم وكذبهم ومكرهم وحقدهم وغدرهم