سوريا... باتجاه واحد!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله العوضي
خطاب النظام السوري منذ اندلاع الاحتجاجات لا زال محافظاً على تصلبه ورفض أي مقترح سياسي للخروج من الأزمة التي ذهب ضمن ضحاياها إلى الآن قرابة خمسة عشر ألف قتيل وآلاف الجرحى والمعتقلين، وكانت مذبحة الحولة طبعاً من أشنع الجرائم التي ارتكبت إلى هذه الساعة، وهذا لا يعني أن سيل الدماء سيتوقف لأن النظام في خطابه الأخير أصر على المضي وفق نظرية الخط الأحمر، وأن الحل الأمني مهما كلف هو الذي يؤكد عليه في كل المناسبات والخطابات التي ألقيت طوال قرابة أربعة عشر شهراً من عمر الثورة السورية.
فالنظام في أحدث نسخة من خطاباته لم يعط فرصة لأي أمل في التراجع عن ارتكاب المجازر تلو الأخرى، فالعالم الآن بمراقبيه متواجد هناك بعد انسحاب المراقبين العرب لفشلهم في التوصل إلى أي مخرج يرضي النظام والمعارضة في آن، لأن النظام يصر على أن ما يحدث هو من فعل الإرهاب والإرهابيين وبدعوى مؤامرة خارجية على سوريا المقاومة.
أي نظام في العالم يذهب باتجاه واحد، في مثل تلك الظروف، فهذا معناه أنه يحدد مصيره المحتوم، لا يهم متى، لأن الزمن مهما طال فهو كفيل بالإجابة والحسم.
ليس هناك نظام في العالم الأكبر لا يمارس قليلاً من السياسة في التعامل مع الواقع، حتى وإن كان هذا الواقع هو إسرائيل التي يتخذ معها النظام السوري سياسة عدم مسها ولو بشوكة، وإن كان خطابه منذ عقود يصب في خانة المقاومة التي لم تثمر عن عودة الجولان إلى أحضان سوريا الوطن الذي عليه الرهان في هذه المرحلة الحرجة.
إن الحل الأمني الصرف لم يكن يوماً حامياً للأنظمة الشمولية ولن تكون سوريا استثناءً مقارنة بأبي النظام الشمولي العالمي أيام الاتحاد السوفييتي، فقد ذهبت دوله إما إلى الاستقلال الذاتي أو الاندماج مع الاتحاد الأوروبي.
لن ينقذ النظام السوري مما يعانيه وإن كان يكابر في ذلك ويتعامل مع الأرض التي تتحرك من تحت أرجله بتجاهل تام، إلقاء اللوم على الآخرين من الإرهابيين والتكفيريين وغيرهم بزعمه، إلا أن شمس الحقائق لا يخفيها الغربال، في زمن لم يعد يصلح فيه الإعلام الذي يستمر في الكذب حتى قد يعتقد المتابع أنه الصدق بعينه.
بالسياسة يمكن للنظام السوري إنقاذ نفسه أولاً وخط الرجعة عن سفك المزيد من دماء أفراد شعبه الأبرياء، هو الضامن للجلوس حول طاولة الحلول الممكنة، دون الولوج إلى لغة التآمر الخارجي، لأن ما حصل في الدول التي سقطت أنظمتها مثال، حيث لم يتأخر أحد فيها عن إلقاء خطاب التآمر.
بعد الخطاب الأخير للنظام السوري، الذي رسم طريقاً واحداً للخروج من هذا المأزق، لا يمكن الوصول إلى أي هدف إلا بتعبيد الطرق المتعددة المسارات والاتجاهات، والتي من خلالها يمكن الحديث عن أي شيء، ما دام البطش والقتل العشوائي الذي لا يفرق بين الطفل الرضيع والرجل المسن وغيرهما، أمراً غير وارد للانتقال إلى المرحلة التي تبعد كل أطياف الوطن السوري عن الدخول إلى النفق المظلم للحرب الطائفية التي جُربت وخربت أكثر من دولة عربية وليس لبنان والعراق عن المتبصرين ببواطن الأمور ببعيد.
فإذا أراد النظام السوري الخروج من هذه الحالة المأزومة بسلام داخلي، وقطع دابر التدخل الخارجي المباشر، الذي لا يرغب فيه أحد، فإن الورقة الرئيسية لا زالت بيد النظام ذاته وطريقة اللعب بها هي التي تقرب إليها حرب طائفية أو خارجية، كلتاهما مرّتان، فعلى النظام اختيار أحلاهما أو الابتعاد عن الذراع الأمنية لصالح السلم الاجتماعي.