جريدة الجرائد

سوريا بين اليمن وليبيا

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

علي الغفلي

بعد مرور نحو خمسة عشر شهراً على اندلاع الانتفاضة الشعبية السورية، لم يقرر الرئيس بشار الأسد الفرار إلى خارج البلاد، كما فعل زين العابدين بن علي في تونس، ولم يقرر التخلي عن السلطة كما فعل حسني مبارك في مصر . لايزال نظام الأسد يتمسك بالسلطة، وهو يصر على القيام بذلك من خلال استخدام أقسى الأدوات الدموية، وقد نجح في فرض اليأس في نفوس من يأملون بقرب نهايته بالطريقة التونسية أو المصرية . يضع استمرار نظام الأسد في سدة الحكم المجتمع الدولي أمام أحد احتمالين بشأن كيفية معالجة الأزمة السورية، يتمثل الأول في النموذج اليمني الذي أدى من خلال الضغط الدبلوماسي إلى إجبار علي عبدالله صالح على الانسحاب من السلطة ونقلها إلى نائب الرئيس، ويتحدد الثاني في النموذج الليبي الذي تعاونت فيه الحرب الأهلية مع الحرب الدولية على اجتثاث نظام معمر القذافي .

إذا كان نظام صالح قد اعتمد أسلوب المماطلة والتسويف مع الجهود الدبلوماسية الدولية من أجل تفادي مصير زواله من الحكم، فإن نظام القذافي كان قد اعتمد أسلوب العنف المسلح ضد شعبه من أجل زيادة فرص بقائه في السلطة . تستند استراتيجية نظام الأسد بدورها إلى توظيف الأداتين معاً، إذ إنه يزاوج بين تفريغ المساعي الدبلوماسية الدولية من مضامينها المؤثرة من خلال المماطلة المفضية إلى اليأس من جهة، والفتك بالثورة الشعبية بالأساليب العسكرية بغرض تكسير إرادة القوى المعارضة من جهة أخرى . لقد فقد نظام الأسد شرعيته السياسية من حيث الجوهر، ولكنه لايزال من الناحية الواقعية يمارس السلطة السياسية، وذلك بفضل النجاح الواضح الذي يحققه، للأسف، من خلال الإجهاد الذي تسببت به هذه الاستراتيجية الثنائية بالنسبة إلى إرادة المعارضة السورية في الداخل وقوى المجتمع الدولي المناوئة في الخارج .

في ظل حالة الإجهاد واليأس المسيطرتين على المتعاطفين مع مطالب الشعب السوري إزاء إمكانية وفرص سقوط نظام الأسد، تبدو الخيارات المتاحة من الناحية النظرية على الأقل، متأرجحة بين احتمال تطبيق الأسلوب الدبلوماسي اليمني، واحتمال الاضطرار إلى تبني الأسلوب العسكري الليبي، وذلك ضمن الإدراك السائد بأن مكونات الأزمة السورية والظروف المحيطة بها، قد تجعل من الصعب تصور إمكانية التطبيق الناجح لأي من الأسلوبين من الناحية العملية .

يمكن تصور أن من شأن مثابرة الجهود الدبلوماسية الدولية أن تؤدي إلى الدفع بالرئيس بشار الأسد إلى قبول الانسحاب من السلطة، بيد أن نظام الأسد لن يتسامح مع أي شخص في داخل سوريا أو خارجها يمكن أن يقدم نفسه بديلاً يلقى الدعم الدولي لتولي السلطة في دمشق، وذلك خلاف الحالة اليمنية التي أمكن فيها تحديد البديل المؤقت للرئيس صالح، والذي قبل هذا الأخير نقل السلطة إليه . أبعد من ذلك، لا يبدو أن المجتمع الدولي متفق حتى الآن على شخصية القائد البديل في سوريا، وذلك نظراً إلى الدعم الذي تقدمه كل من روسيا والصين لشخص بشار الأسد، على الرغم من تصريحات مسؤولي هاتين الدولتين بأنهما غير متمسكتين بالأسد، وهي تصريحات فارغة المضمون يجب ألا تنطلي على أحد . أسوأ من ذلك، لقد ارتكب نظام الأسد جرائم بشعة في حق الشعب السوري، إذ بلغت أعداد ضحاياه من القتلى والجرحى والمعتقلين عشرات الآلاف، إضافة إلى المجازر المروعة التي تتنقل بين المدن السورية، ويصعب تصور أن أية مبادرة دولية تهدف إلى نقل السلطة في دمشق على غرار نموذج التسوية اليمنية، يمكن أن تتجرأ على إعطاء أي شخص في نظام الأسد الوعد بعدم ملاحقته جنائياً مقابل تنازل بشار الأسد عن السلطة .

ويمكن تصور، في المقابل، أن التحدي الفظيع الذي تشكله ممارسات القمع والقتل التي دأب نظام الأسد على اقترافها طوال أيام الأزمة السورية الراهنة، يدفع بالمجتمع الدولي إلى أن يمنح خيار التدخل العسكري ضد دمشق أهمية متزايدة، وواقع الأمر هو أن باريس أعلنت صراحة جدية هذا الخيار على الرغم من مخاطره . بخلاف الحالة الليبية، فإن احتمال أن يجر أي نوع من التدخل العسكري الخارجي ضد نظام الأسد، إلى اتساع نطاق الحرب الإقليمية في المنطقة هو أمر وارد تماماً، ومن المؤكد أن مخاطره المروعة تجعل الاعتقاد أن قبول استمرار المستوى الحالي من العنف والقتل في سوريا هو أمر أكثر عقلانية من التهور في التسبّب بامتداد مستويات أكثر خطورة وفتكاً من العنف في حال نشوب حرب إقليمية كأحد المضاعفات المحتملة لأي تدخل عسكري دولي على غرار الأزمة الليبية . وبخلاف الحالة الليبية كذلك، فإن من شأن تحرك أي تحالف عسكري دولي ضد دمشق، أن يبدو بمثابة اعتداء مباشر على كل من روسيا والصين، وهما الدولتان اللتان لا تدخران وسعاً أو توفران مناسبة لتأكيد رفضهما القاطع لأي تدخل دولي في سوريا . إنْ صحّت المخاوف إزاء ردود أفعال كل من موسكو وبكين تجاه التدخل العسكري الدولي في سوريا، فإن القيود التي تفرضها المضاعفات الأمنية العميقة على تطبيق هذا الخيار، تصبح مفهومة بكل تأكيد .

يمكن للدول الخليجية أن تنسب إلى نفسها الفضل في المساهمة الفاعلة في تسوية الأزمة اليمنية بالوسائل الدبلوماسية، تماماً كما يمكن للدول الغربية أن تنسب إلى نفسها الفضل في المساهمة الحاسمة في معالجة الأزمة الليبية بالوسائل العسكرية . لاتزال الأزمة السورية بعيدة تماماً عن أية نهاية متوقعة، ولايزال الفضل في المساهمة الناجحة في معالجتها بأي شكل من الأشكال، تائهاً بين هشاشة الجهود الدبلوماسية ومخاطر الخيارات العسكرية . تتجاوز أهمية الأزمة السورية مطالب الشعب السوري بالحرية والديمقراطية، وتمتد إلى تشكيل القضية التي يمكن أن تتمحور حولها صياغة آليات صعود بعض الدول إلى مراتب أعلى من النفوذ الدولي . إن الكيفية التي سوف تتم من خلالها صياغة نهاية الأزمة السورية، سوف تسهم بدورها في صياغة جوانب مهمة من علاقات القوة في الساحة الدولية، ويمكن أن تؤثر أيضاً في صياغة شكل النظام الدولي المقبل، وهي فرصة لا تريد كل من روسيا والصين وحلفاؤهما تفويتها بكل تأكيد، وسوف تتمسك هذه الدول بممارسة أدوارها الكاملة في إدارة الأزمة ورسم نهايتها بالشكل الذي يخدم صياغة مكانتها الطامحة إليها، في إطار المنافسة العالمية مع الولايات المتحدة وحلفائها .


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف