الهموم اللبنانية والاهتمامات السعودية.. رسالة فزيارة فلقاء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
فؤاد مطر
كانت رسالة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان لفتة في قمة النخوة، وجاءت تشكل دعامة لمسعاه الذي يستهدف تنشيط وصفة الحوار على المستويين الرسمي والحزبي بأمل تفعيلها. واستنادا إلى ما هو حاصل في الساحة السياسية وبالذات المفردات غير الراقية في التصريحات التي يتبادلها في لبنان رموز العمل الحزبي والتياري والحركي ثم تهبط المستويات بدخول مصرحين ومستصرحين من الصف الأدنى لهذه الرموز على خط التخاطب وعندما يختلط التأدب بقلته كما اختلاط الحابل بالنابل؛ استنادا إلى ما هو حاصل فإن رسالة الملك عبد الله بن عبد العزيز وما أضافه خلال لقاء تسليمها السفير علي عواض عسيري المحب للبنان كما السلف الطيب الدكتور عبد العزيز خوجه من عبارات ظاهرها الحرص والتمنيات بأن يسلك الحوار بين الأقطاب المتبارزين على مدار الساعة بالكلام الذي يفرق بدل أن يوفق، الطريق نحو الحل المتوازن، وباطنها الخشية من أن تتطور الأمور نحو ما هو أسوأ ولا يعود الأمر مقتصرا على خسارة موسم اصطياف يتوزع بين أسابيع تسبق شهر الصوم المبارك وشهرين بعد عيد الفطر، ولا على تحذيرات وإجراءات أشد مرارة وتتمثل في أن الحكومات الخليجية وجدت نفسها تطلب من الرعايا حذف لبنان الذي هو مناهم في كل فصول السنة، من برنامج السفر إليه كما دعوة من هم فيه إلى الحيطة.. فالمغادرة.
ما نريد قوله أن خادم الحرمين الشريفين المهتم باستمرار بأحوال الأمتين والمهموم بالحالات الصعبة التي تعيشها أقطار في الأمتين، ارتأى بالرسالة التي نقلها السفير علي عسيري إلى الرئيس سليمان والحرص على أن يزوره مرتديا الزي السعودي، إضفاء مسحة اهتمام سعودية رسمية - شعبية بمعنى الدولة والشعب بلبنان الذي يكتوي بعناد وتطلعات أطراف خارجية توظفه كساحة لمناطحة قوى دولية بدل التعامل معه كأخ في مقدوره القيام بالدور الإيجابي الذي يفيد الجميع. ومن ملامح هذا الدور إقناع أهل الحكم في سوريا بأن أساليبهم المتبعة ماض ليس بالبعيد وحاضر نعيش فصول مآسيه، لن يعود على سوريا الوطن والشعب بغير أحقاد تتراكم وعزلة تتسع رقعتها واحتراب بين جيش تزداد حالات الانقسام فيه وشعب يعيش حالة انقسامات مشوبة بالقلق على المصير.
وأهمية الرسالة في الذي أرسل وفي ما تعنيه بعض المفردات التي تعكس معانيها بكل الوضوح. ولعل القراءة المتأنية من جانب الرئيس ميشال سليمان للرسالة التي هي في قمة النخوة جعلته يستنبط أسلوبا على درجة من الفرادة، وهو أن يرد على الرسالة بزيارة كثيرة الرقي والعفوية وأن يكون رفيق زيارته الوزير غازي العريضي الذي هو أحد قلائل يحللون بفهم المسؤول المستنير الموقف السعودي. واقتصار الرفقة على "الرفيق" غازي العريضي وليس على وزراء آخرين وبالذات وزير الخارجية عدنان منصور، ليس تقليلا من شأن هؤلاء، وإنما لأن في النفس السليمانية مرارة مما هو حاصل في لبنان المتنازع على قراره بين الطيف اللبناني - السوري الهوى من جهة، والطيف اللبناني - الإيراني - السوري الهوى والطيف الذي يتطلع إلى أن يكون لبنان متصالحا مع الجميع وعلى مسافة تحفظ له خصوصيته وسيادته واستقلالية قراره في منأى عن ضغوط السلاح والمال والمذهبية.
وهذا اـ"لبنان" ينتسب إليه الرئيس ميشال سليمان ويدفع ثمن هذا الانتساب استهانات من بعض بني قومه الموارنة يؤازرهم ضمنا حلفاؤهم المحلقون ضمنا في الفضاء السوري. والمرارة لا تقال في حضرة هؤلاء الوزراء. كما أنه ليس من تقاليد التراسل بين الحكام الإفاضة في الشكاوى، خصوصا أن الرسائل الجوابية كما الواردة تأخذ طريقها إلى إضبارات يتوارثها عهد بعد آخر ومن شأن تضمينها مر الشكاوى أن تقوض مبدأ "المجالس بالأمانات" أحرج تقويض.
وإلى المرارة التي في النفس السليمانية هنالك الرغبة في أن يسمع الرئيس من الملك ما من شأنه إرواء الموقف التاريخي الذي سبق أن اتخذه عندما اصطحب في طائرته الرئيس بشار الأسد من دمشق التي كان يزورها زيارة المهتم بترميم الصف العربي إلى بيروت لكي يضع نهاية للتعامل المزاجي السوري مع الوضع اللبناني. واعتبر الرئيس ميشال سليمان زمنذاك أن النهاية المتوازنة للعلاقة بين لبنان وسوريا بدأت خطوتها الأولى وأن الرئيس بشار لا بد سيلتزم احتراما منه للوعد الذي قطعه وتوقيرا لمقام الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي نخوته تجاه سوريا الأسدية ابنا عن أب متجددة.. إلى أن اختار الرئيس بشار انحيازا غير محسوب التداعيات إلى جانب إيران، وهو انحياز افتقد فيه المنحاز الرؤية البعيدة المدى فضاعت منه البوصلة إلى أن دخلت سوريا في النفق التي تراق فيه دماء الضحية والجاني ويترافق مع إراقة الدم نزف في السمعة والخزينة، بحيث إنه في حال استمر الأمر على ما هو عليه أن تصبح سوريا مثل لبنان النصف الثاني من السبعينات وطوال سنوات الثمانينات.
إن الملك عبد الله بن عبد العزيز قلق من بشاعة هذا المشهد الذي كانت سوريا في غنى عنه لو أن الرئيس بشار أصغى إلى ما كان يسمعه من الملك عبد الله من نصائح وتحذيرات، وما كان والده الرئيس الراحل يقوله أمام العائلة والأبناء عن السعودية السند في ساعات الشدة.. فإن الأخذ بالنصح علاج. هذا بالذات ما احتاجه الرئيس بشار عندما حدثت الشرارة الأولى بجوار الجامع الأموي لكنه لم يقرأ الموقف جيدا. ثم هذا ما كان سينقذه لو أنه بدل تعليق الآمال على مساندة روسية - صينية عابرة وعلى تهويلات إيرانية ضررها الآتي أكثر من نفعها البعيد المدى، توجه بطائرته إلى الأشقاء العرب بدءا بدول الخليج طالبا المساندة في ضوء رؤية عربية عاقلة بدل التهكم على هذه الدولة أو تلك على طريقة الرئيس الراحل أنور السادات الذي عندما أراد الأشقاء العرب إنقاذ مصر من ورطة "صفقة كامب ديفيد" وأرسلوا إليه رئيس وزراء لبنان زمنذاك الدكتور سليم الحص، أمد الله بعمره وعافاه، ووزير خارجية العراق طارق عزيز، فك الله أسره من الزنزانة العراقية بعد الأميركية، ووزير خارجية دولة الإمارات زمنذاك أحمد خليفة السويدي، فإنه لم يكتف برفض استقبالهم وهم الذين جاءوا حاملين عرضا لتقديم الدعم المالي السخي الذي يعين مصر على بلواها الاقتصادية مقابل تخلي السادات عن الصفقة، وإنما أوعز إلى المسؤولين ووسائل الإعلام بالتهكم على نحو التهكمات البشارية الحالية على دول الخليج وكل طرف عربي يسدي النصح كي لا تتساقط سوريا على نحو تساقط العراق وبذلك يسهل الانقضاض الإيراني عليهما وبالتالي على لبنان.
نختم بالقول إن الزيارة التي حانت ضرورات حصولها ومع ذلك فإنها مرجأة للسنة الثالثة على التوالي، فإنها زيارة رئيس مجلس النواب رئيس حركة "أمل" الأستاذ نبيه بري للسعودية. وهنا نتساءل: لو أن الزيارة التي تمت كانت ثنائية أو فلنقل ثلاثية بانضمام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى الرئيس ميشال سليمان ونبيه بري، ألم تكن في هذه الحال ستثمر ما دام المثلث الرئاسي معتصر القلب على المأزق الذي يعيشه الرئيس بشار الأسد ومقتنعا بأن رؤية الملك عبد الله بن عبد العزيز للوضع السوري كانت سديدة وأكثر اقتناعا بأن الرئيس بشار أضاع فرصا كثيرة وأنه في نهاية الأمر سيضيع لبنان؟! وإذا كان المثلث الرئاسي لا يفصح عن ذلك، فهذا لا يعني أن ما يصرحون به يعكس تماما ما هو حبيس صدورهم. والله أعلم.