هل يدفع «الوهج» المتعاظم لـ «النار» السورية الفاتيكان لإلغاء زيارة البابا للبنان؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تراشُق بالحوار وأولوياته
بيروت
برزت في اليومين الأخيرين اللذين أعقبا انعقاد هيئة الحوار الوطني في لبنان ملامح سباق حاد بين المساعي الرسمية والحكومية للحدّ من الخسائر والانعكاسات الشديدة السلبية التي يتعرّض لها لبنان من جراء الأزمة السورية والتنامي السريع لهذه الانعكاسات على مختلف المستويات ولا سيما الامنية والاقتصادية، وسط انطباعات توحي بان هذا السباق مرشح لان يطبع المرحلة المقبلة أقله حتى نهاية الصيف التي تُعتبر المهلة المبدئية لبداية مواجهة استحقاق الانتخابات النيابية (صيف 2012) ومساراتها وخياراتها المحتملة.
وقد رسمت مصادر سياسية واسعة الاطلاع عبر "الراي" قراءة لا تخلو من قتامة حيال هذا السباق، اذ لفتت الى ان تسارع التطورات في سورية والتحولات التي بدأت تشهدها تحت عنوان اعتراف الامم المتحدة بانها حرب أهلية حقيقية، وضع لبنان امام لحظة الحقيقة باعتباره البلد الاكثر عرضة للتأثر بانعكاسات هذه الازمة.
وكشفت المصادر نفسها ان اكثر ما أثار الاهتمام والخشية من تفاقُم هذه الانعكاسات تمثّل في صدور اول المؤشرات الفاتيكانية حيال امكان الغاء زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر للبنان في سبتمبر المقبل، علماً ان هذه المؤشرات جرى تسريبها عمداً من الدوائر الاعلامية الفاتيكانية في اليوم نفسه الذي كان فيه سفير الفاتيكان في سورية يعلن موقفا خطيراً بتحذيره من "انزلاق سورية الى الجحيم".
واعتبرت المصادر ان هذا المؤشر حيال احتمال الغاء زيارة البابا يعدّ اقوى تحذيرٍ ديبلوماسي ضمني حيال الوضع الامني في لبنان، بعد اسابيع من دعوات وجهتها دول خليجية الى رعاياها بعدم السفر الى لبنان. ولكنه يكتسب ايضاً خطورة عالية لجهة رسم موقفٍ فاتيكاني عام من موضوع الثورات العربية ولا سيما منها في سورية انطلاقاً من البوابة اللبنانية. ومع ان اي موقف رسمي فاتيكاني من موضوع الزيارة لم يصدر بعد، ويُستبعد صدوره في القريب العاجل، فان المصادر نفسها تشير الى ان الكلام عن احتمال الغاء الزيارة كان بدأ يتردد في الكواليس اللبنانية المعنية منذ اسابيع وظلّ طي الكتمان، ومن شأن ظهور مؤشراته الى العلن في الساعات الاخيرة ان يترك أصداء قوية جداً على المستويات الديبلوماسية والكنسية المعنية.
في موازاة ذلك، استوقف الدوائر السياسية ان المسؤولين اللبنانيين بدأوا بالتهيؤ لحالة طوارئ سياحية واقتصادية تمثلت في عقد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اجتماعاً واسعاً تحت عنوان انعاش الموسم السياحي، في ظل معطيات شديدة القتامة عن التوقعات لهذا الموسم والغاء الحجوز في الفنادق ورحلات الطيران، ما يعني بوضوح ان التداعيات الاقتصادية والسياحية للازمة السورية تنذر بمزيد من الانكماش في لبنان، خصوصاً في ظل الاحداث الامنية التي شهدتها مناطق الشمال والاحداث المتواصلة على الحدود الشمالية والشرقية اللبنانية مع سورية.
وبحسب الاوساط نفسها، فان هذه المعطيات والحقائق أرخت بظلالها القوية على المناخ السياسي الذي وفّر لرئيس الجمهورية ميشال سليمان فرصة عقد طاولة الحوار في جلستها الاولى مطلع الاسبوع الحالي، غير ان ذلك لا يعني ضمان استمرار التهدئة السياسية الى امد طويل ولا كذلك ضمان التزام بنود "اعلان بعبدا" الذي صدر عن هذه الجلسة. ففي وقت يجهد الرئيس سليمان الى اسباغ طابع "ميثاقي" على هذا الاعلان، شككت مصادر متابعة في امكان صمود مناخ التهدئة طويلاً علماً ان رئيس مجلس النواب نبيه بري كان اول من وجه الانتقادات الى ظاهرة تسريب محاضر جلسة الحوار، فيما عادت السجالات السياسية الى سابق عهدها ما يرسم تساؤلات مبكرة عما ستفضي اليه الجلسة اللاحقة للحوار التي سيُطرح فيها موضوع السلاح بكل ما يختزنه من احتقانات وانقسامات وخلافات.
وبدا واضحاً امس "الفرز" في المواقف بين قوى 8 و 14 آذار في مقاربة ملف السلاح، وسط اصرار الاولى على الفصل بين سلاح "حزب الله" الذي تريد مناقشته في شكل "ضمني" في اطار الاستراتيجية الدفاعية التي لم يقدّم الحزب بعد رؤيته حيالها، واعتبارها ان هناك محاولة من فريق 14 آذار لوضع سلاح المقاومة في مقابل "سلاح الشوارع"، وهو ما ترفضه 8 آذار باعتبار ان "سلاح الأزقة" هو "بلا قضية" و"لا إنجازات" الا جعل البلاد تنزلق الى حروب أهلية.
في المقابل، تتمسك 14 آذار بان الاولوية على طاولة الحوار هي لسلاح "حزب الله" باعتباره "المنبع" وسبب "تفريخ أسلحة رديفة يتم استخدامها غب الطلب خدمةً لمصالح النظام السوري كما في طرابلس، ولتغيير التوازنات الداخلية بالقوة إما المباشرة او بوهج السلاح".
وعلى وقع هذا "الصراع" الذي سينفجر في 25 الجاري على طاولة الحوار، اعلن الرئيس سليمان، الذي كان تلقى اتصالاً من الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي اكد فيه الاخير "دعمه الكامل لجهوده في تعزيز مسيرة الوفاق والحوار الوطني"، أن "مواضيع الحوار واضحة جداً ولا تحتمل الاجتهاد أو التأويل ولا لبس في تفسيرها وهي مناقشة موضوع الإستراتيجية الوطنية الدفاعية ومن ضمنها معالجة موضوع السلاح من ثلاثة جوانب: سلاح المقاومة وكيفية الاستفادة منه إيجاباً، السلاح الفلسطيني ونزع السلاح المنتشر داخل المدن وخارجها".
واعتبر سليمان في حديث صحافي "ان البند الذي ورد في إعلان بعبدا ونص على تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية وتجنبيه الانعكاسات السلبية للتوترات والأزمات الإقليمية هو بمثابة بند ميثاقي ملزم لكل الأفرقاء بلا استثناء فهو كان مطلباً مزمناً، واليوم عبر "إعلان بعبدا"، تم الاتفاق على هذا الحياد الإيجابي وفق صيغة ميثاقية أصبحت مرجعاً ومستنداً لكل الحكومات والعهود التي ستأتي".
وكان لبنان فوجىء بما نُقل عن مصادر واسعة الاطلاع في شؤون الفاتيكان من "ان الازمة السورية وانعكاساتها على لبنان تثير شكوكاً بشأن زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر المحفوفة بمخاطر كبيرة والمقررة بين 14 و16 سبتمبر المقبل لهذا البلد".
ونقلت الوكالة المتخصصة لشؤون الفاتيكان "آي - ميديا" عن مصادر قريبة من هذا الملف ان الرحلة "يمكن ان تلغى حتى في اللحظة الأخيرة" بسبب المواجهات التي تشهدها سورية.
وقال موقع "فاتيكان انسايدر" الالكتروني إن "التحفظ في اعطاء أطر واضحة لهذه الرحلة يكشف الرغبة في التقدم بحذر في وضع اقليمي يبدو كل يوم أكثر تفجراً".
واوضح ان تطور النزاع السوري الذي "تغذيه الاسلحة والجهاديون المسلحون الآتون من الخارج بما في ذلك من لبنان" و"الطابع المعادي للمسيحيين والاصولي" لقسم من المعارضة السورية المسلحة يجري تحليلهما يومياً باهتمام بالغ في امانة سر الدولة. وسيتوجه المكلف التنظيم العملاني للتنقلات البابوية البرتو غاسباري بحلول نهاية يونيو الى بيروت. والرهان يتمثل في ضمان أمن البابا وأيضاً المؤمنين في وجه التهديدات الاسلامية. وسيبقى سفر البابا رهناً بتطور الوضع حتى اللحظة الأخيرة".