"الإخوان" وفرصة الوصول للسلطة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمود الريماوي
مضى على نشوء حركة الإخوان المسلمين التي أصبحت ذات نفوذ سياسي في المنطقة العربية، أزيد من ثمانية عقود، وكان قد أسسها حسن البنا في مصر عام ،1929 لكنها احتاجت إلى نحو ستة عقود كي تحقق حضوراً جماهيرياً، وذلك مع نشوء حركة ldquo;حماسrdquo; المنبثقة عن جماعة ldquo;الإخوانrdquo; في فلسطين، وبدء نشاطها في العام 1987 في سياق الانتفاضة الأولى (انتفاضة الحجارة) . بعد هزيمة العام 1967 تلكأت الجماعة في الانضمام إلى الحركة الوطنية الفلسطينية، واتخذت موقفاً سلبياً من ظاهرة ldquo;العمل الفدائيrdquo; لمصلحة بناء المجتمع والإنسان المسلم . وهكذا انتظرت الجماعة مضي عشرين عاماً على الاحتلال، كي تشرع في مناهضته محمولة هي وسواها من تنظيمات على زخم جماهيري واسع .
أجل كان للحركة الإسلامية حضور سياسي شبه حزبي، لكنها لم تمتلك نفوذاً وازناً على الشارع العربي، ورغم ان الحركة أضيرت بعد العام 1952 في مصر (ولاحقاً بعد اربعين عاماً في الجزائر)، ثم مع إعدام سيد قطب القائد البارز في الجماعة، إلا أن النفوذ الكاسح للرئيس الراحل عبدالناصر في مصر والدول العربية، لم يوفر فرصة للتعاطف مع الجماعة . إضافة إلى أن الجماعة لم تبرهن للجمهور نبذها للعنف في الرد على تهمة استهداف عبدالناصر .
في السياق الفلسطيني أفادت ldquo;حماسrdquo; من انسداد مشروع التسوية ثم من اتفاقية أوسلو عبر الترشح للانتخابات والفوز بها، وكذلك من رحيل ياسر عرفات وصولاً إلى السيطرة المسلحة على قطاع غزة . جملة هذه التطورات معطوفة على التحالف مع دمشق ونسج علاقات وثيقة مع طهران، منحت للحركة ثقلاً في المشهد السياسي العربي لا الفلسطيني فحسب .
أما في مصر فإن موجة الاعتقالات والتضييق التي امتدت لنحو ثلاثة عقود في عهد مبارك، أثارت موجة تعاطف مع الجماعة في موطنها الأم، لدى الجمهور المصري والعربي وخاصة مع تبني الجماعة موقفاً حازماً من علاقة مصر بتل أبيب .
في الأردن تمكنت الجماعة من قيادة قوى المعارضة الحزبية، وقد شاركت لمرة واحدة في الانتخابات عام ،1989 وظهرت كأكبر كتلة حزبية في البرلمان (17 نائباً) ولم تلبث ان قاطعت الانتخابات احتجاجاً على معاهدة السلام بين عمّان وتل أبيب، ثم اعتراضاً على الصوت الواحد في الاقتراع (يتم اختيار مرشح واحد حتى لو كانت الدائرة تضم خمسة مقاعد مثلاً) .
وقد جاءت موجة الربيع العربي محمولة على زخم شعبي واسع قادته قوى شبابية، ليفسح في المجال أمام إجراء انتخابات نزيهة تصدر الإخوان المسلمون نتائجها في مصر، وحركة النهضة القريبة من الإخوان في تونس، بينما يتنازع إسلاميون على السلطة الجديدة في ليبيا البلد الذي لم يشهد انتخابات بعد . أما في انتخابات الجزائر الأخيرة في مايو/أيار لماضي، فقد تراجعت حظوظ الإسلاميين في هذه المناسبة التي أثارت جدلاً سياسياً وحزبياً، بينما يحظى الإسلاميون في الكويت والمغرب بحصة كبيرة ومتنامية في البرلمان .
اتسم هذا الصعود بسمات يمكن إجمالها على النحو التالي:
أخذت جماعة الإخوان وحركات قريبة منها بمنهج براغماتي قوامه السعي للوصول إلى السلطة التشريعية ومنها إلى السلطة التنفيذية، مع تهدئة الخطاب السياسي، من دون إحداث تغيير ذي شأن فيه . باستثناء الإخوان المسلمين السوريين الذين تبنوا بوضوح الدولة المدنية .
بينما نسج الإخوان علاقات وثيقة مع حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا، إلا أنهم لم يأخذوا بنموذج الإسلام التركي الذي يمزج بين علمانية الدولة وتديّن المجتمع .
بينما يتشدد الإخوان في الأردن وفي دول عربية أخرى إزاء الموقف من تل أبيب ومعاهدات السلام، فإن الإخوان المصريين الأكبر حجماً ونفوذاً يبدون ليونة لافتة تجاه هذه المسألة الجوهرية .
باستثناء خطاب يتسم بمرونة لفظية تجاه حقوق النساء والأقليات غير المسلمة لدى الإخوان المصريين، فإن بقية فروع الجماعة تتحدث عن المجتمع المسلم والحقوق التي يمنحها الرجال للنساء لا الحقوق الطبيعية والأصيلة لهن .
وفي المجمل فقد قطع الإخوان شوطاً يسيراً في التكيّف والاعتراف بتعددية المجتمع، مع تفاوت هنا وهناك، فلا شك أن الإسلاميين المغاربة أوسع أفقاً من نظرائهم في الأردن والكويت . والتغيير الحاصل يتم حتى تاريخه لغايات براغماتية تمهد الطريق نحو وصولهم إلى السلطة، وقد أفادوا من الفراغ الناشىء عن قمع الحياة الديمقراطية، فسارعوا إلى ملء الفراغ مستهدفين الشرائح الاجتماعية الأقل حظاً، مع تعزيز الوعي الأولي البسيط لهذه الشرائح غير المسيّسة . والتحدي القائم هو في منع الانزلاق نحو نمط شمولي جديد، قام الربيع العربي من أجل وضع حد له .