سوريا... تعليق مهمة المراقبين الدوليين ولاخطة أخرى على الطاولة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
باتريك ماكدونل
قرار الأمم المتحدة تعليق بعثة مراقبيها في سوريا يمكن أن يزيد من الضغوط على نظام الأسد من أجل حمله على الامتثال لخطة سلام أممية ينظر إليها كثيرون باعتبارها آخر فرصة لتفادي نشوب حرب أهلية شاملة في تلك الدولة الشرق الأوسطية التي يمزقها الصراع. ولكن انسحاب المراقبين الذي أعلن عنه يوم السبت الماضي يمكن أيضاً أن يضع ضغوطاً على روسيا، التي أدى تحالفها مع الأسد إلى زيادة في التوتر مع واشنطن، وذلك على اعتبار أن موسكو ساعدت على صياغة مبادرة السلام، ومصممة على الإبقاء عليها حية، وتدرك أن فشلها يمكن أن يزيد من المطالب بتحرك دولي أكثر حزماً وصرامة.
وكانت الأمم المتحدة قد أشارت إلى تصاعد العنف في تعليلها قرار تعليق بعثة المراقبين، التي تعد مكوناً أساسياً من خطة المبعوث الأممي الخاص كوفي عنان.
وتعليق بعثة المراقبين -وإمكانية أن تكون جهود عنان برمتها على وشك الانهيار- يمكن أيضاً أن يشكل رسالة واضحة إلى الأسد، الذي قال عنه عنان إنه يتحمل "المسؤولية الأولى" بخصوص تنفيذ خطة إنهاء الأزمة. غير أن قلة قليلة من المراقبين المستقلين للشأن السوري يعتقدون أن الأسد يمكن أن يقوم بسحب جنوده ومدرعاته من المناطق السكنية ويسمح باحتجاجات سلمية، وهما نقطتان رئيسيتان تنص عليهما خطة السلام، في وقت ما زال يتمسك فيه بالسلطة في تلك الدولة المنقسمة والبالغ عدد سكانها 23 مليون نسمة.
وبالتوازي مع ذلك، تحولت خطة عنان إلى نوع من حبل النجاة بالنسبة للأسد، الذي يواجه حكمه الاستبدادي انتفاضة اندلعت قبل 15 شهراً أسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من 10 آلاف شخص وتدمير اقتصاد سوريا، حيث سمحت لأنصاره بأن يجادلوا، وإن على نحو غير مقنع، بأن دمشق تستجيب للهدنة التي يرعاها المجتمع الدولي والانتقال إلى حكومة أكثر تمثيلية. كما وفرت الخطة بعض الغطاء الدولي لنظام الأسد، على رغم التنديد الواسع بأعماله القمعية.
أما المعارضة السورية، الحذرة دائماً من مقترح السلام، فتشدد على أن الأسد إنما يسعى إلى كسب الوقت ولا نية لديه في تطبيق الخطة ما عدا خطواتها الأولى، غير المؤلمة نسبياً: الموافقة على وجود المراقبين الأمميين، والإفراج عن بعض السجناء، ومنح تأشيرات لبعض الصحفيين الأجانب، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق النزاع. غير أن روسيا، التي سبق لها أن تزعمت مرتين استعمال "الفيتو" ضد مشاريع قوانين في مجلس الأمن الدولي تندد بقمع الأسد لمعارضي النظام، تسعى جاهدة إلى إنقاذ هذا الجهد، حيث ترغب موسكو في عقد مؤتمر دولي حول الخطة، ولكن واشنطن تعترض على إلحاح موسكو الواضح على توجيه دعوة لإيران، وهي حليف قوي آخر للأسد، لحضور هذا الاجتماع.
والخطة تحظى بدعم إدارة أوباما وحلفائها العرب والأوروبيين، غير أن الهدف المعلن لهذا التحالف -خلع الأسد- ليس جزءاً من الخطة التي تدعو بشكل فضفاض إلى "عملية سياسية شاملة يقودها السوريون من أجل معالجة التطلعات والتخوفات الشرعية للشعب السوري". ويبدو أن واشنطن وحلفاءها يتبنون استراتيجية التمسك علانية بالخطة إلى حين ما يعتبره الكثيرون فشلاً لا مفر منه. وفي تلك اللحظة، ستزداد الضغوط على موسكو ربما من أجل دعم تحرك أكثر صرامة من قبل الأمم المتحدة ضد حكومة الأسد.
وقد صرحت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مؤخراً: "أعتقدُ أنه من المهم أن نمنح عنان وخطته القدر الأخير من الدعم الذي نستطيع حشده لأنه، من أجل إدخال آخرين في حالة نفسية لاتخاذ قرار في مجلس الأمن، يجب أن يكون هناك اعتراف أخير بأنها لم تنجح".
وكانت كلينتون قالت في وقت سابق من هذا الشهر، في ستوكهولم، إنها أخبرت وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأن رحيل الأسد ليس "شرطاً مسبقاً"، ولكنه "ينبغي أن يكون نتيجة" أي خطة لسوريا.
ويسعى المسؤولون الأميركيون إلى الحصول على دعم روسيا لمخطط "عملية انتقالية" مدعومة دولياً من أجل حكومة جديدة في سوريا. والنموذج الناجح هنا هو المخطط الذي أفضى إلى رحيل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بعد أشهر مديدة من الاحتجاجات. غير أن موسكو قالت إنها لن تدعم سوى مقترح يحظى بدعم الشعب السوري، ونفت علانية العمل على أي نوع من الخطوات الانتقالية بخصوص القيادة السورية. ذلك أن موسكو ما زالت تعارض تدخلاً عسكرياً في سوريا، معتبرة العمليات التي يقودها الغرب بهدف تغيير القيادات، على غرار تلك التي تمت في ليبيا والعراق، عمليات مريبة ومشبوهة كلفت روسيا حلفاء مهمين وزادت من حالة عدم الاستقرار الدولي.
والواقع أن الثوار والقوات السورية على حد سواء انتهكوا وقف إطلاق النار الأممي، والدبلوماسيون لا يستطيعون صياغة بديل من شأنه تجنيب البلاد ما يخشى كثيرون أن يكون حمام دم بمسحة طائفية قد يمتد إلى خارج الحدود السورية ويزعزع استقرار المنطقة المضطربة. ولذلك، فإنه لا توجد أي خطة أخرى على الطاولة.
وفي بيان صدر يوم السبت الماضي، أشار الجنرال روبرت مود، الذي يرأس بعثة الأمم المتحدة، إلى أن "تصعيد العنف المسلح في سوريا خلال الأيام العشرة الأخيرة" زاد حصيلة الضحايا ويطرح خطراً كبيراً بالنسبة للمراقبين غير المسلحين. وقال الجنرال النرويجي: "إن غياب الإرادة لدى الطرفين في البحث عن عملية انتقالية سلمية، والدفع في اتجاه دفع المواقع العسكرية، يزيدان الخسائر على كلا الجانبين"، مضيفاً "هناك مدنيون أبرياء، رجال ونساء وأطفال، يُقتلون كل يوم".
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"