جريدة الجرائد

طرابلس على فوهة بركان ... وميقاتي من أهم ممولي المسلحين

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

خاص


تفرض المواجهة التي يُجمع أهالي باب التبانة "السنة" وجبل محسن "العلويون" على حتميتها, كشف حقيقة ما يدور في أزقة المنطقتين اللتين يلفهما البؤس والحرمان والتشرد والجهل والأمية والفقر والعوز.
ومن دون قفازات وبلا مواربة, تنفرد "السياسة" بكشف معلومات تنشر للمرة الأولى بهدف تشكيل جبهة ضغط, قوامها الرأي العام, على السياسيين الذين أمعنوا في تفتيت طرابلس عاصمة شمال لبنان, وتحويلها خزان فقراء يستخدمون منها جنوداً لمعاركهم القذرة.
فبعد جولات المعارك والاشتباكات الضارية التي دارت بين باب التبانة المؤيدة للثورة السورية وجبل محسن المؤيد لنظام الأسد, خلال الأسابيع القليلة الماضية, هدأت أصوات الرصاص والقذائف, لينصرف الفريقان إلى الاستعداد للمعركة "الحتمية" و"النهائية", وسط هدوء نسبي وجمر تحت الرماد.

مقاتلو الجبل


في جبل محسن حيث يقدر عدد السكان بحوالي 50 ألفاً, يوجد حوالي ألف مقاتل تابعين لmacr;"الحزب العربي الديمقراطي" بزعامة علي عيد ونجله رفعت. ومعلوم أن الحزب يدين بالولاء علناً لنظام بشار الأسد و"حزب الله" ويتلقى الأموال والأسلحة منهما.
يُجمع العارفون على أن الجيش السوري عندما غادر لبنان في ابريل 2005 أخرج معه كل أسلحته وذخائره وآلياته من المناطق اللبنانية كافة, عدا جبل محسن, حيث ترك الأسلحة والذخائر لمقاتلي آل عيد.
وسمح هذا الوضع لمخابرات النظام بإشعال فتيل التفجير بين باب التبانة وجبل محسن في التوقيت الذي يناسبها سياسياً وأمنياً.

مقاتلو باب التبانة


في المقابل, تغص باب التبانة بمئات المقاتلين - وربما الآلاف - الذين يمكن تقسيمهم إلى مجموعات ثلاث:
1- السلفيون الذين لايعرف عددهم على وجه الدقة, كونهم لا ينتمون بغالبيتهم إلى المنطقة, وإنما يظهرون عند المعارك, وإن كان بعضهم يتواجد في باب التبانة أيام السلم, وخاصة خلال الحلقات الدينية والاجتماعات في بعض المساجد.
ويؤكد العارفون في طرابلس أن هذه المجموعة هي الأكثر تمويلاً وتسليحاً, وترتبط بعلاقات وثيقة مع الأجهزة الأمنية, سيما المخابراتية منها.
2- مجموعة سعد المصري, وهو شقيق الشاب خضر المصري الذي قتل خلال اشتباك مع الجيش اللبناني في يونيو 2011 .
وهذه المجموعة يقدر عدد مقاتليها بالعشرات وهي فاعلة جداً على الأرض, وتتولى العديد من المحاور خلال الاشتباكات.
ويعلم الطرابلسيون أن عناصر هذه المجموعة التي تحمل اسم "كتائب الشهيد خضر المصري (أبوعمر)" هم من باب التبانة, إلا أن الحقيقة التي يخشون التحدث عنها هو أنها تتلقى الأموال مباشرة من مكتب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي, النائب عن مدينة طرابلس منذ العام 2000 .
وبحسب معلومات خاصة لmacr;"السياسة", فإن قسماً من هذه الأموال تصل مباشرة من ميقاتي إلى سعد المصري على شكل راتب شهري مقداره 15 ألف دولار أميركي (حوالي 4 آلاف و200 دينار كويتي), كان مخصصاً أصلاً لشقيقه خضر الذي يسمى في المنطقة بmacr;"أبو الفقراء" لأنه يساعد المحتاجين والفقراء.
3- مجموعة "8 آذار" التي تتلقى الأموال والسلاح, مباشرة وغير مباشرة, من "حزب الله" والنظام السوري وحلفائه.
هذه المجموعة هي الأقل فعالية على الأرض خلال الاشتباكات مع جبل محسن, رغم أنها تضم مئات المقاتلين, حيث تضطر إلى المشاركة "الرمزية" في المعارك, لإبعاد الشبهات عنها وتأكيد وقوفها إلى جانب أهالي باب التبانة في مواجهة جبل محسن.
وعلى جوانب هذه المجموعات الثلاث الأساسية, تنشط مجموعات أخرى أقل فعالية, تتلقى أموالاً من السياسيين في المدينة, سيما وزير المال محمد الصفدي ووزير الشباب والرياضة فيصل كرامي وعضو كتلة "المستقبل" النائب محمد كبارة وغيرهم.
إلى ذلك, توجد مجموعات صغيرة محسوبة على الأجهزة الأمنية, سيما فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي ومخابرات الجيش, وهدفها جمع المعلومات والمشاركة في التفجير أو التهدئة, تبعاً للأوامر التي تتلقاها.


تجدر الإشارة إلى أن العلاقات بين مختلف المجموعات المسلحة في باب التبانة يشوبها الحذر الشديد, مع سيطرة الخوف من السلفيين على الغالبية الساحقة من المقاتلين, رغم إخفائهم ذلك.
ويشار أيضاً إلى أن هذه المجموعات لاتعتمد فقط على الأموال التي تتلقاها من السياسيين وإنما تفرض "خوات" على كبار التجار "يومياً", بحجة ضرورة "شراء السلاح للدفاع عن المنطقة", سيما بعد وصول سعر القاذف الصاروخي المحمول على الكتف "ب 10" إلى عشرة آلاف دولار أميركي, فيما لم يتجاوز سعر القذيفة عتبة الmacr;150 دولاراً. في المقابل, ارتفع سعر قذيفة "ب 7", المستخدمة على نطاق واسع بشكل خيالي, فينما يبلغ سعر القاذف 1200 دولار أميركي.
وبطبيعة الحال, تعلم ذلك جميع أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية إلا أنها تقف عاجزة أمام سطوة "الأهالي", سيما بعدما أصبح الفلتان سيد الموقف.
يتضح من خلال ماتقدم ومن خلال الواقع الجغرافي والديموغرافي أن جبل محسن محاصر فعلياً ببحر من المقاتلين "السنة", سواء في باب التبانة, أو في منطقة القبة, أو محلة المنكوبين, مايعني أنه "ساقط" بالمفهوم العسكري في أي معركة.
رغم ذلك, يصر رفعت عيد على المواجهة الخاسرة التي يمكن أن تفجر طرابلس تنفيذاً لأوامر النظام السوري, ويأمل أن يلقى دعماً من جيش الأسد أو من "حزب الله", وهو مايبدو شبه مستحيل, أقله في الوقت الراهن.

حصار الجبل لإسقاطه


بعد الاشتباكات الأخيرة, انتقل مقاتلو باب التبانة إلى تطبيق تكتيك مُحكم ومدروس لتحقيق هدفهم المتمثل بmacr;"إسقاط جبل محسن".
وبحسب مقاتلين تحدثت "السياسة" إليهم في الأيام القليلة الماضية, فإن "إسقاط" الجبل يعني, من وجهة نظرهم, استسلام مقاتلي آل عيد, وليس استهداف الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء.
تقوم الخطة المُحكمة على مايلي:
1- فرض حصار غير معلن على جبل محسن, حيث ترابط مجموعات من الشبان عند جميع المداخل المؤدية إلى الجبل, بهدف منع دخول او خروج أي شخص منه, سيما المقاتلين.
وأدى هذا الحصار المستمر حتى اليوم إلى شح في المواد الغذائية والحبوب, مادفع الجيش إلى التدخل عبر تزويد أهالي جبل محسن بالغذاء والطحين لصنع الخبز.
تتكون كل مجموعة من المجموعات التي تحاصر جبل محسن من حوالي عشرين شاباً, بينهم اثنان أو ثلاثة على الأقل من أهالي المنطقة, بهدف التعرف على الأشخاص الذين يخرجون من الجبل, سيما المقاتلين منهم.
لاتستطيع هذه المجموعات إطلاق النار على الخارجين من الجبل, بسبب وجود النقاط الثابتة للجيش, إلا أنها تعمد بدلاً من ذلك, إلى الاعتداء عليهم بالسكاكين والعصي وغيرها من الأسلحة البيضاء.
ونتيجة لذلك, دخل خلال الأسبوعين الماضيين ما لايقل عن 13 شخصاً إلى المستشفى الإسلامي في طرابلس ومستشفى السيدة في زغرتا, بسبب هذه الاعتداءات, وبعضهم لاتزال حالته حرجة حتى اليوم.


2- بالتزامن مع الحصار, عمدت مجموعات من الإسلاميين, يرجح أنهم سلفيون, على إحراق جميع محلات العلويين في طرابلس, خلال الليل أو مع ساعات الفجر الأولى, وتهديد العائلات التي تسكن في المدينة والطلب منها مغادرتها تحت طائلة تصفية جميع أفرادها.
رغم استنكار جميع المراجع الدينية والقيادات السياسة, استمرت هذه الممارسات بشكل ممنهج حتى اليوم.
وفي هذا الإطار, كشفت إحدى الفعاليات الطرابلسية لmacr;"السياسة" أن المسلحين يتحركون وفق لوائح موجودة بحوزتهم, تضم أسماء جميع العلويين الموجودين في طرابلس خارج جبل محسن.
وروى المصدر لmacr;"السياسة" حادثة حصلت يوم الجمعة في 7 يونيو الجاري, مفادها أن مجموعة من المسلحين الإسلاميين قدموا بسيارات وعلى دراجات نارية إلى محل تجاري كبير يبيع الأدوات الكهربائية مقابل مطعم الفيصل القريب من سنترال الميناء, وطلبوا من صاحبه وهو من آل شمسين إغلاقه ومغادرته على الفور.
لكن المفاجأة أن صاحب المحل أكد لهم أنه سني وليس علوياً, وأن عائلة شمسين هي في الأصل علوية, إلا أن قسماً كبيراً من أفرادها غير مذهبه وتحول إلى المذهب السني, وهو أحد هؤلاء الأفراد.
تابع المصدر: "لم يصدق المسلحون رواية صاحب المحل رغم تجمع العشرات الذين أكدوا لهم ذلك, ولم يغادروا المنطقة إلا عندما حضر مختاران وأبرزا لهما أوراقاً ثبوتية تؤكد أن الشخص هو من الطائفة السنية".

القنص من الجبل


في المقلب الآخر, لاتبدو الصورة أفضل حالاً, فصحيح أن العلويين لا يستطيعون الاعتداء على السنة أو محاصرتهم لأنهم يفوقونهم عدداً بعشرات الأضعاف, إلا أن موقع جبل محسن "الستراتيجي" عسكرياً يسمح للمقاتلين توتير الأجواء متى أرادوا ذلك.
ففي الأسبوع الماضي, عندما عاد التجار في باب التبانة إلى محلاتهم, وسط حذر شديد, عمد مقاتلو رفعت عيد إلى عمليات قنص من الجبل, ما أدى إلى سقوط ضحية على الأقل وإصابة آخرين بجروح, بهدف شل منطقة باب التبانة ومنع الحياة فيها من العودة إلى طبيعتها أسوة بما هي الحال في منطقتهم.
وهذا السيناريو يتكرر بشكل شبه يومي سواء مع ساعات المساء الأولى أو عندما يقرر ذلك رفعت عيد تبعاً للوضع في باب التبانة, بهدف إيصال رسالة مفادها أنه لن يسمح بالهدوء في هذه المنطقة طالما أن منطقته محاصرة.
وفي حين يؤكد المقاتلون في جبل محسن أن حرب "الاستنزاف" الحالية أكثر قسوة من المواجهة العسكرية, تجمع مجموعات المقاتلين في باب التبانة أنه لاخيار أمام رفعت عيد سوى تسليم سلاحه إلى الجيش ورفع الراية البيضاء, وإلا فإنها ستضطر إلى شن حرب شاملة على جبل محسن ومن جميع المحاور بهدف إخضاعه بالقوة وإخراج جميع المقاتلين منه, كما حصل في العام 1976 في ظروف مختلفة.
هذه الحرب التي تؤكد الأوساط الطرابلسية أنها باتت "حتمية" وأن جميع المعالجات لن تنجح في منعها, يقدر مقاتلو باب التبانة أنها ستكلفهم حوالي خمسة آلاف قتيل, ويقرون بأنه رقم ضخم لايمكن لطرابلس أن تتحمله, وبالتالي فإنهم لن يلجأوا إلى هذا الخيار إلا عند فشل حرب الاستنزاف التي يعولون عليها لmacr;"الانتصار" في معركتهم.
هذا الواقع المرير الذي يعرفه أهالي طرابلس وجميع سياسيي المدينة من قوى "8 و14 آذار", قد يؤدي إلى حرب عبثية دامية تمتد آثارها بشكل تلقائي إلى كل لبنان.

طه العراب


وبحسب الأوساط, فإن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يتحمل المسؤولية الأكبر لمنع الانفجار في مدينته, سيما أنه أحد أهم الممولين للمجموعات المسلحة, وهو يسعى حالياً فضلاً عن تغطية مجموعة سعد المصري وغيرها سياسياً, إلى نسج علاقات تحالفية مع الإسلاميين, تجلت بوادرها في استيعاب فورتهم بعد اعتقال الشاب شادي المولوي الشهر الماضي, وترسخت بتسديده كفالات الموقوفين الإسلاميين الذين أفرج عنهم قبل أيام.
ويعتبر طه ميقاتي, الشقيق الأكبر لرئيس الحكومة, "عراب" العلاقات مع المسلحين والفعاليات في طرابلس عموماً وباب التبانة خصوصاً, فضلاً عن علاقاته الوطيدة مع الأسد وأعوانه والمخابرات السورية.


يدرك ميقاتي جيداً أن وصوله الندوة البرلمانية العام 2000 كان بفضل دعم النظام السوري عبر "فعاليات" باب التبانة, كما يدرك أنه بات عاجزاً عن السيطرة على المسلحين.
وبحسب المعلومات المتوافرة لmacr;"السياسة", فإن ميقاتي حاول فك الحصار المفروض على جبل محسن ووقف الاشتباكات التي كانت مندلعة أواخر الشهر الماضي, إلا أن جميع مساعيه باءت بالفشل, كون المسلحين الذين يتلقون الأموال منه باتوا أقرب إلى السلفيين الذي يتولون إدارة المعركة بتفاصيلها كافة.
وتختم الأوساط التي تحدثت إلى "السياسة" على مدى أيام عدة بالقول: "ان الأمل الوحيد لتجنيب طرابلس بحراً من الدم هو بتسليم رفعت عيد سلاحه وانتشار الجيش والقوى الأمنية في جبل محسن, وأي حل غير ذلك لم يعد ممكناً في الوقت الحالي, بعد انفلات الشارع من أيدي السياسيين بتلاوينهم كافة".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف