جريدة الجرائد

الدولة الفاشلة!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

أحمد الخطيب

لا وزارة ولا مجلس أمةhellip; المحكمة الدستورية عرّت وضعنا المأساوي، تم هدم كل أسس الدولة فعمّت الفوضى واستشرى الفساد، وتفتت المجتمع وتحول إلى دويلات طائفية وقبلية، ومزارع مافياوية على مرأى بل بمشاركة أطراف مهمة في النظام، وضعت مصلحتها الخاصة فوق مصلحة الوطن، مؤكدة عداءها للنظام الديمقراطي. لقد وصلنا إلى وضع فقدت فيه الوزارة صلاحيتها وأصبحت تنفذ ما تؤمر به، فلا برنامج واضح ولا تجانس موجود، ولا شيء يجمع الوزراء غير حبهم للتوزير، إلا ما ندر. فبعضهم لا يهمه سوى التمسك بالكرسي وكسب أصوات الناخبين حتى لو كانت رغباتهم ضد مصلحة البلد. وأصبحت الاستجوابات وسيلة لابتزاز الوزراء لتمرير المعاملات المشبوهة وللتدخل في التعيينات بالوظائف العامة، مما دمر البنية الإدارية في الدولة، فأصبحت المناصب المهمة للأتباع وأُقصيت، لا بل اضطهدت الكفاءات ما أثر في نفسية العاملين فأصيبوا بالإحباط. الدولة فقدت أجهزتها الإدارية، وهذه الأجهزة أصبحت عبئاً على الدولة بدلاً من أن تكون عوناً للبناء، وتعمّقت الولاءات بكل أنواعها في هذا الجهاز بدلاً من الولاء للدولة. وهنا جاء القضاء ليطلق رصاصة الرحمة على هذا الجسد المريض، وخصوصاً بعد أن رأينا أصواتاً ترتفع عالياً لهدم كياننا الدستوري، ولإلحاقنا بدول تعيش في عصر الجاهلية مستفيدة من سقوط الدولة في وقت تجتاز فيه المنطقة عاصفة عنيفة تسعى جهات أجنبية إلى استغلالها من أجل ترتيب المنطقة وفقاً لمصالحها الخاصة، ونكون نحن من ضحاياها. النظام فشل في القيام بواجبه، وعليه أن يدرك أنه هو السبب في ذلك، وألا يتوهم أو يعتقد أن اللجوء إلى العنف هو الحل لهذه الأزمة الخطيرة، فلينظر فقط إلى ما يحدث حوله الآن في سورية واليمن ليتعظhellip; أرواح البشر غالية، ومن لا يكترث بها يفقد إنسانيته وقدرته على الإصلاحhellip; قدرة الأغلبية الحالية على قيادة عملية الإصلاح الديمقراطية لا يمكن التأكد منها، فهي مجموعة مختلفة المشارب والأهداف، وما رأيناه في الأشهر الأخيرة من اقتراحات وتصريحات تشير إلى رغبة في إلغاء الدستور برمته، وفرض منهج ديني متطرف يعادي كل مَن يخالفه، حتى لو كان من طائفته. كما لاحظنا التضييق على الحريات العامة والشخصية بشكل فجّ أقنع كثيرين بأننا أمام انقلاب يعيدنا إلى عصر الجاهلية، في وقت يتسابق فيه العالم إلى الولوج في القرن الواحد والعشرينhellip; هذا ldquo;التجمعrdquo; قاسمه المشترك المكاسب الشخصية والفئوية، وطرحه طغى على صوت بعض المخلصين من أعضائه، فلم يستطيعوا أن يميّزوا أنفسهم، البرنامج الإصلاحي المطروح والحاجة الملحة لإنقاذ الدستور والحياة الديمقراطية شيء، والطرح الذي نراه الآن شيء آخر. نعم، نحن من دون دستور مفعّل وانتقلنا إلى مشيخة بعد أن كنا دولة اختفت فيها السلطتان التنفيذية والتشريعية، ولم يبق إلا الحد الأدنى من حرية الرأي، لكن ذلك كله جرى بسبب وهن القوى الديمقراطية وتشتتها. الحكم الدستوري لإبطال الأمر الأميري بحل مجلس الأمة عام 2009 أنعش الآمال وجدد الثقة في السلطة القضائية كي تلعب دورها المطلوب في هذه الأيام الصعبة. يجب أن نؤكد احترامنا للقضاء ونبدد الشكوك التي حامت حوله بسبب بعض الأحكام التي صدرت مؤخراً، ولو أنها لم تكن نهائية، إلا أننا لا ننسى أحكاماً تاريخية مهمة صدرت في أوقات المحن يعرفها كل متتبع لمسيرة قضاتنا الأفاضل، ومنها تبرئة الكثيرين من الكتّاب ممن حاولت السلطات تكبيل حريتهم الصحافية. ويجب ألا ننسى أننا نعيش في فترة امتدت عقوداً عدة تحت رحمة حكم مطلق شل كل السلطات في البلد، مما وفر للفساد مناخاً خصباً في مفاصل الدولة كلها، فيجب ألا نعجب إن أصاب البعض ldquo;طشارةrdquo;، لكننا نعلم أن هذا الجسم القضائي مجتهد في تطهير نفسه بشكل هادئ لا يظهر على السطح على الرغم مما يتعرض له من ضغوط. الآن على مجلس 2009 واجب تنفيذ قرار المحكمة الدستورية الذي أعاد إليه صلاحياته، لأن هذا الحكم القضائي يمثل حدثاً تاريخياً في ترسيخ الحكم الدستوري، فلأول مرة تلغي المحكمة قراراً أميرياً لتأكيد أن الدستور فوق الجميع، فليرجع المجلس ويعطي الشرعية للحكومة كي تقوم بواجبها في الدعوة إلى انتخابات عاجلة بعد مشاركتها القرار في تعيين هيئة انتخابية مستقلة من أعضاء لا يشكك أحد في نزاهتهم لتولي عملية الانتخاب كاملة. المطلوب تنفيذ قانون الانتخاب بحذافيره، وخصوصاً في ما يتعلق بالعقوبات التي ينص عليها، وكذلك بكل ما يتعلق بالانتخابات وليس بيوم الانتخاب فقط. لقد آن الأوان لأن يعطى الشعب حقه في انتخاب مَن يريد. إن الكويت لم تعرف انتخابات نزيهة حقاً بعد انتخابات المجلس التأسيسي ومجلس عام 63، فبعد ذلك التاريخ حدث تدخل في الانتخابات بشكل مباشر وغير مباشر، بإشراف أجهزة الأمن وبأوامر من الحكومة، لينتهك القانون بشكل فجّ وواضح أمام الجميع. لكن الأمل في الجيل الجديد - جيل الربيع العربي الفاعل الذي انبرى لهدم كل الأباطيل التي ورثناها، ويرسم للوطن المستقبل الذي يستحقه. هؤلاء الشباب وحدهم، ومعهم كوكبة من المتنورين، هم الأمل، هم الذين سيقودون عملية الإصلاح السليمة المطلوبة، وانتصارهم حتمي، ولن نقلل من مقاومة المنتفعين من هذا الوضع. لقد جاء هؤلاء الشباب لينهوا رحلة تاريخية طويلة من الذل والعبودية والتخلف كي يعيش الإنسان بكرامة وأمل. "الطليعة"

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف