تفجر الائتلاف الحاكم في تونس؟!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
توفيق المديني
شكلت عملية تسليم رئيس الحكومة الليبية السابق البغدادي المحمودي المولود في عام 1945، والذي فر إلى تونس في أغسطس 2011، أزمة سياسية حقيقية بين رأسي السلطة التنفيذية في تونس، اي بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وذلك على أثر اتخاذ الحكومة التونسية قرارها بتسليم آخر رئيس وزراء ليبي في مرحلة نظام العقيد القذافي المنهار.
ومنذ أشهر عديدة، كانت قضية البغدادي موضوع جدل سياسي و قضائي بين رئاسة الحكومة التي ترى أن اتخاذ قرار التسليم يدخل ضمن صلاحياتها، لا سيما بعد صدور حكم قضائي، فيما كانت رئاسة الجمهورية ترى أن قرار التسليم يقتضي إمضاء رئيس الجمهورية عليه. فمن وجهة نظر الحكومة التونسية التي يرأسها السيد حمادي الجبالي، فقد اتخذت قرار التسليم بناء على الحكم القضائي الذي أصدرته المحكمة الإدارية بتونس. وجاء في بيان لرئاسة الحكومة التونسية أن عملية تسليم البغدادي المحمودي تمت بعد الإطلاع على تقرير اللجنة التونسية الموفدة إلى طرابلس لمعاينة شروط توفر المحاكمة العادلة للمعني بالأمر، واستنداً إلى القرارين المضمنين بمحضر جلسة العمل الوزارية المنعقدة بتاريخ 9 نوفمبر2011 و بمحضر مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 15مايو 2012، وقرار القضاء التونسي.
وما إن علم رئيس الجمهورية الدكتور محمد المنصف المرزوقي حتى استشاظ غضبا، من جراء اتخاذ رئيس الحكومة السيد حمادي الجبالي قرار التسليم من دون علمه وموافقته. ووفق تصريح للناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، فإن قرار تسليم البغدادي المحمودي رئيس الوزراء الليبي السابق غير شرعي، وتم بشكل أحادي من دون تشاور بين الرئاسات الثلاث، وموافقة وإمضاء رئيس الجمهورية. وأضاف أن هذا التسليم هو من السياسة الخارجية وهي من مشمولات الرئيس، وفي حالة الخلاف يتم اللجوء إلى المجلس التأسيسي، وحمل رئيس الحكومة مسؤولية السلامة الجسدية للمحمودي.
من الناحية السياسية، هذا الخلاف الذي فجرته قضية البغدادي المحمودي، يؤشر الى حقيقية كانت موجودة، وهي أن مركز الثقل في السلطة التنفيذية أصبح في أيدي رئيس الحكومة الذي بات يتمتع بصلاحيات واسعة تفوق بكثير صلاحيات رئيس الدولة، مما يُحِيلُنَا إلى النظام البرلماني الأُحَادِي الذي تتولى فيه الحكومة كل الإختصاصات التنفيذية في حين أن الاختصاصات المُخَولة لرئيس الجمهورية هي اختصاصات محدودة جدًّا. وإن كان هذا الوضع لا يجعلنا نتحدث عن تبني تونس النظام البرلماني السائد في بريطانيا، والسبب في ذلك، وجود سلطة تأسيسية أصلية متمثلة في المجلس التأسيسي الذي بإمكانه سحب الثقة من الحكومة وإجبارها على تقديم استقالتها وفي المقابل ليس للحكومة أو السلطة التنفيذية بوجه عام أي سلطة على المجلس التأسيسي.
ورغم أن الحقيقة هذه كانت ماثلة للعيان، فإن الخلاف الأخير أكد على وجود خلافات جوهرية بين رئيس الجمهورية الدكتور المنصف المرزوقي الذي ينتمي إلى حزب المؤتمر، ورئيس الحكومة السيد حمادي الجبالي الذي ينتمي إلى حزب النهضة. وهذا الخلاف في الصلاحيات يخلق توترات دائمة بين شركاء الترويكا الحاكمة في تونس. فالمرزوقي اعتقد واهماً أنه رئيس يمتلك صلاحيات حقيقية، لكنه اصيب بخيبة أمل كبيرة، بعد أن طعن في أحد أغلى مكتسباته النضالية ألا وهي ملف حقوق الإنسان الذي شكل له رصيداً نضالياً عندما كان في المعارضة. لكن عملية تسليم المحمودي، شكلت ضربة قوية له، فإذ ظل متشبثاً برئاسة الجمهورية، فإن رصيده النضالي، لا سيما في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، قد سقط في قاع البئر، ولم يعد له من خيار سوى تقديم استقالته إذا أراد ان يحفظ ماء وجهه.
في ردة فعل للرئيس محمد المنصف المرزوقي على تسليم رئيس الحكومة التونسية السيد الجبالي للمحمودي من دون علم المرزوقي، قام المرزوقي مؤخرا بتنفيذ قرار كان قد اتخذه منذ أشهر بإقالة رئيس البنك المركزي التونسي السيد مصطفى كمال النابلي. وجاء في بيان الرئيس التونسي، أنه عملاً بأحكام الفقرتين الأولى والرابعة من الفصل 26 من القانون التأسيسي عدد 6 لسنة 2011 المؤرخ في 16 ديسمبر2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلطات العمومية، وبالتوافق مع السيد رئيس الحكومة، أصدر سيادة رئيس الجمهورية محمد المنصف المرزوقي قراراً جمهورياً يقضي بإنهاء مهام السيد مصطفى كمال النابلي، محافظ البنك المركزي التونسي. وتمت إحالة القرار الجمهوري المذكور، بحسب نفس المصدر، إلى المجلس الوطني التأسيسي للمصادقة عليه خلال أجل لا يتجاوز خمسة عشر يوماً من تاريخ تقديم الطلب إلى السيد رئيس المجلس الوطني التأسيسي.
في المقابل، أعلن النواب المنسحبون يوم الثلاثاء الماضي من الجلسة العامة للمجلس التأسيسي عن تقديم لائحة لوم لسحب الثقة من الحكومة المؤقتة، على خلفية قيامها بتسليم البغدادي المحمودي الاحد الماضي. وأكد البيان انه بعد الوقوف على مخالفة الحكومة لبرنامج عملها المعلن بتسليمها البغدادي المحمودي، في مخالفة صريحة للمواثيق الدولية وبما يتناقض مع مبادئ الثورة وأهدافها، واعتبارا لتداعيات هذا القرار وانعكاساته الخطيرة على أداء السلطة التنفيذية، وما خلقه ذلك من تنازع خطير في الاختصاص بين رئيس الجمهورية المؤقت ورئيس الحكومة المؤقتة وعدم تفعيل الآليات الواردة بالفصل 20 من القانون التأسيسي المذكور، والتي توجب الرجوع إلى المجلس التأسيسي عند حصول تنازع، فإن النواب المنسحبين قرروا تقديم لائحة لوم لسحب الثقة من الحكومة المؤقتة. وبلغ عدد التوقيعات 75، ما يعني توفر النصاب القانوني لتقديم اللائحة، وهو ثلث اعضاء المجلس الـ217.
في المشهد السياسي التونسي، ليس المنصف المرزوقي هو الذي فقد الكثير من سمعته النضالية، ومن رصيده السياسي، بل إن الدكتور مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي هو في تراجع مستمر، من جراء هيمنة حزب النهضة على المسار السياسي في البلاد، وعلى أداء الحكومة، باعتباره الحزب الذي يشكل مركز الثقل في التحالف القائم.
فمن تداعيات قضية المحمودي، وقضايا أخرى، انها خلقت انشقاقات حقيقية داخل حزبي المؤتمر والتكتل، الأمر الذي يؤشر الى بداية تصدع في الترويكا الحاكمة. وهو ما جعل المراقبين والمتابعين للشؤون الداخلية التونسية، يعتقدون أن حزب النهضة يبحث الآن عن إجراء تعديل جديد في تحالفاته، لجهة إقامة تحالف جديد مع الحزب الجمهوري العلماني، لا سيما بعد الأزمة الكبيرة بين السلفيين والمجتمع التونسي، حيث تتهم الأحزاب وتكوينات المجتمع المدني حزب النهضة بأنه يستخدم الجماعات السلفية كقوة صدامية لضرب خصومه من المعارضة الليبرالية والعلمانية. لكن تجاوز السلفيين الخطوط الحمراء لجهة تكريسهم نهج التكفير والعنف الأعمى ضد المجتمع، ودخول تنظيم القاعدة على خط التحريض ضد حزب النهضة، إضافة إلى حادثة البغدادي، جعلت قيادات النهضة تراجع حساباتها، تمهيداً لاستعادة خلق الأوراق في المشهد السياسي التونسي، وهوما سيفسح في المجال لسيناريوات جديدة في تونس.