واشنطن والأزمة السورية.. مخاطر السلبية: الانحياز للمعارضة المدنية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن
ندد مبعوث الأمم المتحدة الخاص كوفي عنان أول من أمس الجمعة بالمذبحة التي راح ضحيتها أكثر من 200 شخص في بلدة تريمسة السورية، والتي يعتقد أنها الأسوأ منذ بدء المظاهرات في ربيع 2011.
ولكن ما هي الأشياء الأخرى التي يمكن القيام بها؟
الواقع أن العديد من الحجج التي تم الدفع بها ضد رد أميركي أكثر قوة على الأزمة، ومن ذلك: أننا لا نعرف ما يكفي عن المعارضة السورية وحركة التمرد العسكري، وأن ما سيأتي لاحقاً قد يكون أسوأ، وأن التدخلات التي وقعت في الماضي نحت منحى سيئاً في الأخير، وأنه لا يمكننا أن نتدخل في كل مكان. والحال أن أياً من هذه الحجج لا تصمد أمام التدقيق الأخلاقي والجيوسياسي.
فحتى الآن، قُتل أكثر من 17 ألف شخص، والعديد منهم قُتلوا في هجمات عشوائية لا تميز بين المسلحين والمدنيين على مدن وبلدات من قبل الجيش السوري أو في مذابح لمدنيين من قبل قوات الأمن السورية وميليشيات "الشبيحة" المتحالفة معها.
هذا في وقت أخذت فيه سوريـا تنزلق بسرعة إلى حرب أهلية يمكن أن تؤدي إلى تطهير عرقي وفق خطوط طائفية على غرار ما عرفه العراق في 2006. وهو ما من شأنه أن يفرز تداعيات خطيرة على الاستقرار الإقليمي.
ثم إن إيران وروسيا منخرطتان عسكرياً منذ بعض الوقت، إما من خلال جنود على الميدان (إيران) أو صفقات أسلحة ضخمة (روسيا). هذا في وقت انضمت فيه الصين، القلقة بشأن التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان المنتهكة لحقوق الإنسان، إلى روسيا في حماية دمشق بمجلس الأمن الدولي.
وعلى الجانب الآخر، تقوم بعض الدول العربية بمد المعارضة العسكرية بالمال والسلاح، من أجل القضاء على نظام متحالف مع طهران والمساعدة على تشكيل حكومة سنية.
كما وجد "معهد دراسة الحرب" أن المعارضة العسكرية السورية أخذت تحقق تقدماً على نحو متزايد. وفي هذه الأثناء، يمكن القول إن خطة عنان حول مستقبل سوريا -الذي تدعو من جملة ما تدعو إليه إلى "حكومة وحدة وطنية" لن يقبلها أي من الجانبين- ماتت حتى قبل عدم تبنيها خلال المؤتمرات الدولية التي عقدت مؤخراً. ثم إن كلا الجانبين يعرفان أن بقاءهما في خطر، وهما لن يستسلما.
وفي وقت بدأت تتشكل فيه ملامح مستقبل سوريا منذ بعض الوقت، فإن السؤال الذي يطرح هو: هل ستلعب الولايات المتحدة دوراً في تشكيلها؟ أم ستقف على الجانب وتترك آخرين أقل التزاماً بالمبادئ الديمقراطية يقومون بذلك؟
الواقع أن الولايات المتحدة لا يمكنها البقاء في الهامش، وذلك لأن من شأن دولة فاشلة في سوريا أن تمتد إلى العراق ولبنان على الأرجح وتؤدي إلى تدفق للاجئين إلى تركيا وبلدان مجاورة أخرى، إضافة إلى تكثيف حرب وكالة بين السعودية وحلفائها الخليجيين من جهة، وإيران من جهة ثانية. كما أن من شأن انهيار سوريا أن يخلق تهديداً أصولياً لشعور إسرائيل بالأمن ويزيد من خطر حسابات خاطئة أو اندلاع حرب.
بيد أن هذه الأزمة تقدم فرصاً أيضاً. ذلك أن القضاء على نظام الأسد -الذي أخذ يضعف ربما في وقت تزداد فيه الانشقاقات العسكرية، وآخرها انشقاق الجنرال مناف طلاس، ابن وزير الدفاع السابق في النظام- من شأنه أن يزيد من احتمال انتقال بلد آخر نحو الديمقراطية في قلب الشرق الأوسط. كما أن تخليص حليف مهم من قبضة إيران يمكن أن يقلب ميزان القوة في لبنان ويُضعف القيادة الإيرانية.
وعلاوة على ذلك، فإن كسر تحالف طهران- دمشق على الحدود الشرقية والغربية للعراق يمكن أن يساعد العراق في سعيه نحو الديمقراطية.
وتأسيساً على ما تقدم، يتعين على إدارة أوباما أن تنحاز إلى المعارضة، المدنية والعسكريـة، وتدعمهـا بقـوة أكبر. كما عليها أن تكف عن التحدث عن الأشيـاء التي لن تقـوم بها وتشرع في مناقشـة ما يمكن أن تقوم به على نحو مختلف من أجل وقـف إراقة الدماء. وهو ما سيزيد من احتمال سقوط النظام والانتقـال إلى بلـد مستقر وأكثر ديمقراطية. ولهذا الغرض، يتعين علـى الإدارة الأميركيـة أولاً أن تتخلص من اتصالاتها غير الرسمية مع مجموعة المعارضة الرئيسية، المجلس الوطني السوري، وتعترف به رسمياً وتشرع في العمل معه باعتباره السلطة الانتقالية. وهو ما من شأنه تعزيز قدرة المجلس الوطني السوري على التحدث بشكل فعال مع العالم الخارجي والتخطيط لمستقبل سوريا.
وبالمقابل، يتعين على الإدارة الأميركية التشديد على ضرورة قيام المجلس الوطني السوري بمد جسور التواصل مع الأقليات، مثل المسيحيين والعلويين السوريين، الذين مازالوا يدعمون النظام لأنهم يخافون مما قد يعقب نظام الأسد العلوي.
وبالمثل، يتعين على واشنطن أن تقوم علناً بمساعدة الجيش السوري الحر، التنظيم العسكري المعارض الذي يتخذ من تركيا مقراً له، والتنسيق مع العناصر العسكرية في سوريا، ولاسيما المجالس العسكرية المحلية. كما يجب على الإدارة أيضاً أن تلعب دوراً أكبر في تنسيق توصيل الأسلحة من بلدان أخرى بهدف ضمان وصولها إلى العناصر العلمانية من المعارضة والتي لن تنقلب علينا بعد أن تنتصر.
وعلاوة على ذلك، يتعين على الولايات المتحدة أيضاً أن تقوم بتوفير أسلحة وتدريبات ومعلومات استخباراتية، مما يساعد على ضمان أن نصبح شريكاً مرغوباً فيه، يتمتع بتأثير متناسب.
وعلى البيت الأبيض أيضاً أن يبحث إمكانية فرض ممرات إنسانية (مناطق حظر جولان المركبات) إضافة إلى مناطق حظر طيران من أجل مواجهة الاستعمال المتزايد من قبل النظام لطائرات الهيلوكبتر الحربية.
كما يتعين عليه أن يطلق مناقشات رسمية لمثل هذه التدابير مع الحلفاء في "الناتو"، ذلك أن مجرد التخطيط لخيارات عسكرية جدية سيكون له تأثير نفسي مهم على النظام وقواته العسكرية، ويمكن أن يؤدي إلى مزيد من الانشقاقات.
لقد تعلمنا بالطريقة الصعبة في العراق وأفغانستان دروس الأشياء التي لا ينبغي القيام بها عندما نتدخل في بلد ما. كما شكلت سريبرينيتشا ورواندا درسين صعبين أيضاً -ولعل أهمها الكلفة من حيث الأرواح والمكانة الأخلاقية للولايات المتحدة- بسبب عدم التدخل.
ولذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تحشد مهاراتها القيادية وتقوم، مثلما فعلت في ليبيا، بوضع حد لنزاع كارثي يتحدى شعورنا بأنفسنا كأميركيين ويتحدى مصالحنا الوطنية كذلك.
تشارلز دون - مدير برامج الشرق الأوسط بمنظمة "فريدم هاوس" الحقوقية..
ديفيد كريمار - رئيس منظمة "فريدم هاوس"
ويليام تافت - رئيس مجلس إدارة منظمة "فريدم هاوس"
ينشر بترتيب خاص مع خدمة"واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"