اعدامات الرصيف وقهقهات شيطان الفساد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بسام البدارين
الجهة الوحيدة التي أتخيلها مستفيدة من المحاكمات الشعبية التي تجري بين الحين والاخر في الشارع الأردني هي جبهة الفساد الحقيقي النشطة والتي تمكنت حتى الأن من الإفلات.
الشعوب بتقديري تنزل للشارع وتعترض لانها تنشد دولة القانون والمؤسسات ونزاهة القضاء والشفافية والعدالة والإنصاف.. دون ذلك تصبح حركة الشارع مطابقة تماما لاتجاهات الإستبداد في الأنظمة القمعية واللص الحقيقي المستتر هو المستفيد من محاكمات صورية شعبية لا تقيم حجة ولا تعتمد دليلا وهدفها فقط إستقطاب الكاميرات.
ثمة فارق جذري بين إعتراضات شعبية تطالب بمحاكمة الفاسدين واللصوص والتحقيق في ملفات الفساد وبين مغامرين أو مبعوثين من قبل أحد الفاسدين لتشويش الجميع وإرهاق الرأي العام عبر تعليق مجسمات وصور لبعض الأشخاص تحت مسمى محكمة شعبية.
حلقات الفساد الحقيقي في النظام تخدمها مجانا مثل هذه المحاكمات التي لا تسمن ولا تغني من جوع والداعون لقمع الشوق الشعبي العارم والسلمي للحرية والديمقراطية يستخدمون مثل هذه المشاهد حجة ضد الشارع وقواه السلمية الفاعلة وذريعة تثبت جهل بوصلة الناس وحالة الفوضى التي يريدها البعض.
بالنسبة لي لا أشعر إطلاقا بالإرتياح عندما نستبدل إستبداد السلطة بإستبداد الشارع فنحن دعاة حقوق مدنية ومواطنة ودولة قانون ومؤسسات وقضاء قوي وصلب لا يمكن إختراقه يحاسب عبر الأدلة الموثقة وفي عملية تعطي الحق للمتهم بالدفاع عن نفسه ولا يعتمد إلا على البينة بدلا من الشائعة والأقاويل.
أحدهم وكان جنرالا سابقا في الجهاز الأمني أصبح فيلسوفا للتزوير نجح في إستئجار ثلاثة أشخاص العام الماضي عقدوا محكمة شعبية لأشخاص محددين في الشارع وأحرقوا صورهم ..توفرت أدلة عملية على أن الرجل كان يحاول إبعاد النار عن قرصه عبر التشويش على عملية مكافحة الفساد الحقيقي وتوسيع قاعدة المتهمين حتى يضيع دم الفساد الحقيقي بين القبائل.
عليه أخشى أن ترتسم خلفية محاكمات الشارع الوهمية لفاسدين إفتراضيين عبر محاولات للتشويش والإثارة وتصفية الحسابات فقط خصوصا وان إرتكاب شخص لأي مغامرة من هذا النوع خلال تظاهرة شعبية مشهد لا يمكن رصده أو تنظيمه او التصدي له فالتوجه بالسيارة عكس السير في شارع مزدحم يلفت الأنظار أكثر بكثير من الإنتظام الذي تعبر السيارات بواسطته الشارع وهي ملتزمة بالإتجاهات.
وقد أبلغني رئيس هيئة مكافحة الفساد الجنرال الفاضل سميح بينو شخصيا أن بعض قطاعات الشارع لن ترضى عنه ولن تؤمن بأنه يعمل فعلا في تقويم الإدارة العامة والحد من الفساد وتقليص فرصه إلا إذا رأت شخصا محددا قيد التحقيق وخلف القضبان ويقول: نبشنا في كل الملفات ولن نجد أي قرينة تدين هذا الرجل لكن الشارع يريده منا.
إنها ديكتاتورية من نمط آخر وجديد تعود ملكيتها للشارع ولا تقف عند حد المحاكمات الشعبية البائسة التي ينفذها أشخاص غير مؤهلين للقضاء بل تمتد لتكفير وتخوين ونبذ كل صاحب رأي يطالب الشارع بتركيز خطابه على المبادىء الأساسية للعدالة بدلا من الخلط ما بين الحقيقة والأقاويل.
بعض القوى في الشارع اليوم تلفظ الاخر وترفضه عندما يختلف معها بالرأي أو يلاحظ على الحراك والمعارضة وصخب الإتهام المجاني الذي يلحق الضرر بالوطن والمؤسسة والمواطن.
وهذه دوما كانت أفضل وسيلة لتبديد طاقة المطالبين بالإصلاح وتشتيت بوصلتهم وإضعاف الحراك وإخراجه عن سكة المعقول والمنطقي والطرح العلمي المنتج.
وأحيانا أشعر بأن الجزء الفاسد في مؤسسة السلطة أو الجزء الذي لا يريد مكافحة حقيقية للفساد مرتاح لهذه الإنفلاتات والعصبيات أو حتى يغذيها بين الحين والاخر حتى يفلت فعلا الفساد الحقيقي ويتحول الشارع إلى قوة عمياء ضالة مشتتة تتهم بدون دليل وتحاكم بدون توفير أسس المحاكمة العادلة وتتلقف القشور في مشهد الحرب المعلنة كذبا على الفساد والفاسدين.
وأزعم أن توسيع قاعدة {المشتبه بفسادهم} وتوزيع تهمة الفساد بالمجان على الجميع ولاحقا إجراء محاكمات ساذجة على الأرصفة يتخللها تعليق أعمدة لإعدام صور بعض الأشخاص سلوك منهجي قد يكون خلفه فاسدون حقيقيون يتبادلون الإبتسامات وقهقهات الشيطان وهم يرون الإعلام والشارع يتخبطان في هذا التشتت البائس الذي يعني ببساطة بأن الشارع منفلت وغير منظم وغير مؤهل وبأن المجتمع المدني ما زال بعيدا أو مستحيلا.
طبعا لو شهد المواطن الأردني محاكمات حقيقية وتحقيقات عميقة ومنهجية بالفساد لما سمح لأي مغامر بعقد محاكمات الرصيف ولما كانت الحاجة ملحة لصخب الشارع حتى يحاكم بإنفعالاته وبدون أدلة ومحكمة حقيقية ونظام عدالة.
الأردني المسكين القلق على وطنه والذي تلاحقه منظومة الغلاء الفاحش شاهد بعينيه متهمين بالفساد تقلدوا أرفع المناصب بعد أيام من قراءة ملفات فسادهم المفترض كما شاهد رجالا خرجوا من السجن وجلسوا فورا على موائد الحكم الرفيعة في مشهد غير مبرر ولا معنى له.
ويسمع الأردني بأذنه يوميا قصصا وحكايات عن فاسدين كبار لا تطالهم ذراع العدالة لانهم يمثلون قبائل أو عشائر كبيرة أو لانهم يستطيعون تحريض القبيلة ضد النظام لو إستهدفهم.
كما يستقر يقين الأردني بأن بعض منظري الفساد وفلاسفته ورجاله لا زالوا في مواقع التحكم في منظومة القرار والوظيفة العليا، وبأن سلطات القضاء تم إحباطها أحيانا.
والأردني منح النظام فرصة عندما بارك ولادة لجان التحقيق البرلمانية التي زاد عددها عن 40 لجنة فتوسم الناس خيرا قبل ان تنتهي وتتلاشى فجأة بقرارات إدارية مراهقة لا تقدر العواقب كما راقب الأردنيون كيف تفتح الملفات فجأة بتسرع أو يسمح بفتحها ثم تغلق بدون أن يعرف الناس لماذا فتحت ولماذا أغلقت؟
مثل هذه السلوكيات تؤذي الجميع وتسمح لبعض الإنفعالات بالإنفلات والتعبير عن نفسها بإعدامات الأرصفة والشوارع والتي تؤشر مجددا على الحقيقة المرة فليس المؤسسة وحدها التي تمضي فعلا للوراء بل تأخذ احيانا العقل الجماعي للمجتمع معها في طريق الإنزلاق.