جريدة الجرائد

مشروع إسرائيل للتسوية: عنصري

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

محمد السمّاك

أعدت حكومة بنيامين نتنياهو خطة "لحل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني". تتألف الخطة من خمسة عوامل هي:
أولاً: السيادة الكاملة على مدينة القدس.
ثانياً: فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية.
ثالثاً: فرض مظلة أمنية اسرائيلية على الضفة الغربية.
رابعاً: اسقاط أي حق بالعودة للفلسطينيين.
خامساً: بسط السيادة الاسرائيلية على المنطقة (ج) من الضفة الغربية بعد منح الجنسية الاسرائيلية لخمسين ألفاً فقط من سكانها البالغ عددهم 150 الفاً. أما المئة ألف الباقين فيجري تهجيرهم الى البقية الباقية من الأرض الفلسطينية والى دول الجوار: الأردن سوريا لبنان ومصر.
بموجب هذه الخطة يبقى للفلسطينيين 9 بالمئة فقط من أرضهم لإقامة دولتهم عليها.
ومن خلال مصادرة 91 بالمئة من الأرض الفلسطينية يكون المشروع الاسرائيلي الجديد قد التزم بمبدأ تهويد القدس ويهودا والسامرة. ثم انه من خلال منح الجنسية لخمسين الف فلسطيني من سكان هذه المناطق، يكون المشروع قد رد على الاتهامات الدولية الموجهة الى اسرائيل بالتمييز العنصري ضد الفلسطينيين(؟)
في عام 1947 أقرت الجمعية العامة للأمم التحدة مشروعاً بإقامة دولتين فلسطينية واسرائيلية. ولكن الدولة الفلسطينية لم تقم حتى الآن. أما اسرائيل فقد أصبحت عسكرياً خامس دولة في العالم. ولكن هذه الدولة التي بدأت صهيونية علمانية تكاد تنجز عملية تحولها الى دولة دينية يهودية.
منذ عام 1975 أدركت الأمم المتحدة هذا التوجه وحذرت منه حتى انها اتخذت قرارها الشهير باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية. في ذلك الوقت كانت الحملة العالمية على العنصرية في جنوب افريقيا تتصاعد حتى تمكنت من اسقاط النظام العنصري بعد سنوات قليلة. أما اسرائيل فقد ازدادت عنصرية. ومع ذلك فان الأمم المتحدة تراجعت وسحبت في عام 1991 قرار الادانة بالعنصرية.
وتحت مظلة سحب الادانة سرّعت اسرائيل الخطى العنصرية باحتلال المزيد من الأرض وتهويدها، وبالتضييق على الفلسطينيين العرب مسلمين ومسيحيين ومصادرة أملاكهم ودفعهم الى الهجرة. وهي اليوم تنفذ على مراحل التطهير العنصري من خلال سلسلة المستوطنات اليهودية. ومن آخر معالم هذا التطهير العرقي، المشروع الذي تعمل حكومة نتنياهو على تنفيذه، والذي تصفه بأنه مشروع حلّ الصراع مع الفلسطييين.
يعرف الاسرائيليون ان حكومتهم تنفذ سياسة عنصرية، حتى من قبل أن يتبوأ نتنياهو السلطة. ففي عام 1991 ضم رئيس الحكومة الاسبق اسحاق شامير الى حكومته حزب "موليديت" وهو حزب عنصري بامتياز يطالب بالتخلص من العرب وبطردهم مما يسميه "أرض الميعاد". يومها حذر بيني بيغن أحد اركان حزب الليكود الذي يترأسه اليوم نتنياهو، وابن مناحيم بيغن الذي وقع مع الرئيس أنور السادات على اتفاقية كمب دافيد في عام 1979، حذر من أن ضم حزب "موليديت" الى الحكومة سوف يجدد التهمة بالعنصرية الموجهة الى اسرائيل. يومها ألقى شامير بالتحذير في سلة المهملات. وهو ما يفعله اليوم بنيامين نتنياهو أيضاً مستعيناً بحليفه في الحكومة حزب "موليديت" ذاته؟.
وتمضي اسرائيل قدماً في برنامج التهويد وراء الغبار الكثيف الذي تطلقه حركات التغيير التي تعصف بالعالم العربي، وانشغال العرب بهمومهم الداخلية العميقة والفلسطينيين بخلافاتهم الأشد عمقاً، مستفيدة من فرصة العجز العربي عن أي تحرك يوقف أو يعرقل أو حتى يكشف عنصرية ما تقوم به في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كما ان اسرائيل توظف تراجع العلاقات العربية الإيرانية، وتدهورها لدعم مشروعها العنصري غير عابئة بأي رد على مستوى العالم الاسلامي.
ثم ان الظروف الدولية توفر لها غطاء مثالياً من حيث التوقيت. فالولايات المتحدة منشغلة بانتخابات رئاسة البيت الأبيض. والاتحاد الروسي منشغل بمرحلة ما بعد انتخابات رئاسة الكرملين. والطرفان الأميركي والروسي منشغلان في عمليات اعادة صناعة الحلفاء وترميم التحالفات الدولية استعداداً لما يبدو انه "حرب باردة ثانية" وسط الأزمات المالية والاقتصادية الشديدة التي تعصف بهؤلاء جميعاً!.
فالعالم منشغل بنفسه وبمشاكله، وآخر همه هو ما تقوم به اسرائيل من تهويد، وما تمارسه من عنصرية، وذلك خلافاً لما كان عليه الأمر عندما شدد العالم الخناق على النظام العنصري في جنوب افريقيا حتى اضطره الى الاستسلام والسقوط. ويشجع هذا الواقع نتنياهو وحكومته على اتباع سياسة "حرق المراحل" في مشروع التهويد والتوسيع ليس في القدس وحدها، ولكن في معظم مناطق الضفة الغربية أيضاً. ولكن لا يستطيع نتنياهو أن يفعل ذلك من دون اصطناع غطاء تبريري ما.
بعد عام 1967 أي عام احتلال القدس والضفة الغربية اضافة الى سيناء ومرتفعات الجولان ربطت اسرائيل استراتيجيتها بالاستراتيجية الأميركية القائمة على محاربة الشيوعية. حتى بدا ان اي استهداف لاسرائيل على خلفية توسعها على حساب العرب وعنصريتها، هو استهداف غير مباشر للمعسكر الأميركي وحلفائه واضعاف له. واستمرت على هذا الربط حتى انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي.
فكانت عملية صناعة العدو الجديد للمعسكر الغربي. وكان هذا العدو المصطنع هو الاسلام. حتى اذا وقعت الجرائم الارهابية في عام 2001 في نيويورك وواشنطن، جرى ربط الارهاب بالاسلام، واصبحت اسرائيل جزءاً أساسياً من استراتيجية أميركية غربية لمحاربة الارهاب. وقد تمكنت عبر اللوبي الصهيوني والمحافظين الجدد في ادارة الرئيس جورج بوش الابن، من استدراج الولايات المتحدة الى الحرب على العراق. وجرى تبرير ذلك بأن نظام الرئيس السابق صدام حسين متعاون مع القاعدة، وانه يملك أسلحة دمار شامل. وقد ثبت أن ذلك كله كان ادعاء كاذباً.
ولكن بعد انكشاف هذا الربط الوهمي المصطنع وإسقاطه بسقوط ادارة بوش، جرى اختراع شعار تخويفي جديد يجدد ربط اسرائيل بالتحالف الغربي. ويتمثل هذا الشعار في صعود "الاسلام المتطرف".. والملف النووي الإيراني.. وما يمثله هذان الامران من خطر على السلام العالمي وعلى الديمقراطية؟!.
ولكن ذلك لا يعني بالضرورة ان الضمير العالمي قد مات. بل انه لا يعني ان الضمير اليهودي قد مات أيضاً. فهناك أصوات ترتفع منددة بالسياسة العنصرية التي تنتهجها حكومة نتنياهو محذرة من عواقبها الوخيمة، ليس فقط على اسرائيل انما على سمعة اليهودية ايضاً.
ففي الشهر الماضي صدر في الولايات المتحدة كتاب جديد عنوانه:" معرفة الكثير: لماذا يصل الحب الأميركي باسرائيل الى النهاية؟". ومؤلف الكتاب نورمان فنكلشتاين هو أكاديمي يهودي أميركي. وفي هذا الكتاب الجريء الذي يتهم فيه الاتحاد السوفياتي السابق بانه كان وراء اشعال حرب 1967 ـ ينتقد بشدة مؤسسات حقوق الانسان الدولية لسكوتها على الجرائم التي ترتكبها اسرائيل بحق الانسان الفلسطيني، كما ينتقد وبشدة ايضاً المجلس الاعلى للقضاء في اسرائيل ويتهمه بالتواطؤ مع السلطة الاسرائيلية لتمرير اجراءات غير قانونية وغير أخلاقية تنتهك حقوق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وفي اسرائيل بالذات.
وكان قد صدر قبل ثلاثة أشهر كتاب آخر لكاتب يهودي أميركي آخر هو بيتر بينارد عنوانه:" أزمة الصهيونية". وفيه يكشف المؤلف عن مخاطر التحول الى العنصرية باسم الصهيونية. وكان استاذ أكاديمي يهودي يدعى آلان ديرشوتيز طُرد من جامعة ديبول بسبب نشره كتاباً أكاديمياً عنوانه "صناعة الهولوكوست". وفيه كشف كيف ان اسرائيل وظفت واقعة الهولوكوست توظيفاً سياسياً لتعزيز دفاعاتها الحربية نووياً وعسكرياً. ولا يزال هذا الاستاذ الجامعي عاطلاً عن العمل منذ طرده من الجامعة في عام 2007!!.
ثم ان العديد من المؤسسات الثقافية والأكاديمية في العالم، بما في ذلك في بريطانيا، تقاطع الجامعات في اسرائيل لأن هذه الجامعات تسكت على جرائم حكومة نتنياهو في ممارسة التمييز العنصري والديني ضد الفلسطينيين العرب المسلمين والمسيحيين، وتنتهك حقوقهم الانسانية التي أقرتها شرعة حقوق الانسان ومقررات الأمم المتحدة ومواثيق جنيف الدولية.
وما كان لمنظمة اليونيسكو أن تمنح فلسطين عضوية المنظمة لولا الدور الذي مارسته هذه المؤسسات الثقافية الدولية دفاعاً عن الحق الفلسطيني. غير ان الرد الاسرائيلي على قرار اليونسكو تمثل بالمزيد من التهويد انتهاكاً لمقررات اليونسكو بشأن المحافظة على الصروح الثقافية الدينية في المدينة المقدسة، وبالمزيد من العنصرية.. فهل تعود الجمعية العامة للأمم المتحدة الى قرارها السابق باعتبار اسرائيل شكلاً من اشكال العنصرية ؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف