ليبيا... تعديل بوصلة "الربيع العربي"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
محمد الحمادي
آخر اقتراع شارك فيه الليبيون كان قبل واحد وخمسين عاماً، في عهد الملك السنوسي، أي أن أحداً من ذلك الجيل ربما لم يشارك في انتخابات المؤتمر الوطني العام بليبيا التي جرت الأسبوع الماضي. أما نتائج الانتخابات الليبية، فكانت ضربة قوية ومبكرة لتيارات الإسلام السياسي، لكنها تبدو منطقية ولم تكن مستبعدة. والسؤال هو هل تسهم في استفاقتهم وتساعدهم على إعادة قراءة الواقع بشكل منطقي وعقلاني، خصوصاً أنهم لا يزالون غارقين في نشوة الانتصار؟!
التجربة الليبية عدلت البوصلة السياسية في المنطقة وصححت خط سير "الربيع العربي" الذي اعتقد البعض لوهلة أنه لا يؤدي إلا إلى حكم الإسلاميين، فتبين أن هذه ليست حقيقة مطلقة، وأن الإسلاميين ليسوا وحدهم في "الميدان" وأن الناخب العربي واع بما يكفي ليدرك ما يدور حوله، وبالتالي لم يعد قاطعاً أن تكون نتائج الانتخابات في دول "الربيع العربي" وإفرازاتها متشابهة... وأن استمرار اختطاف الإسلاميين لـ"الربيع العربي" ليس دائماً، فهذا "الربيع" يسير ويتنقل ويتطور بسرعة ولا أحد يعرف ما الذي ينتجه، أو من سيحكم في تلك الدول، ولا كم سيبقى من وصل إلى كرسي الحكم هناك.
يبدو أن الشعب الليبي كان مستعداً لهذه الانتخابات بشكل أكبر مما كان يتوقعه جميع المراقبين، وكانت قراراته وخياراته واضحة أيضأ، فلم يرد أن يعيش في جلباب ديكتاتور جديد ومهووس آخر، فلمن لا يعرف فإن خطاب القذافي لليبيين لم يختلف كثيراً في "شكله" عن خطاب الإسلاميين -والتي كان يفعل عكسها- فقد كان القذافي يمنع بيع وتجارة الخمور، وكان حريصاً على الظهور بمظهر حام حمى الإسلام، وكان يشيد المساجد داخل ليبيا وخارجها، فضلاً عن أنه كان يصر على إمامة الناس في الصلاة! وكان المواطن الليبي يتعامل مع كل هذه المظاهر على أنها كذبة مكشوفة... فلم يعد يقبل بأن يأتي متاجر آخر بالدين يكرر اللعبة نفسها.
المواطن الليبي يريد أن يحمي دولته التي استرجعها بالقوة من سلطة ديكتاتور مستبد، من أن تتحول إلى دولة دينية، ويريد أن يكون متأكداً من أن دولته ستكون مدنية يحكمها القانون الذي يساوي بين الجميع بعيداً عن معتقداتهم الدينية وقناعاتهم الأيديولوجية، وبعيداً عن أي تطلعات غير منطقية وأجندات خارجية.
بعض المحللين الليبيين يرجعون سبب عدم فوز الإسلاميين بالأغلبية إلى الطبيعة القبلية للمجتمع الليبي، الذي يصعب على التيارات الإسلامية السياسية اختراقها، فتلك المجتمعات المحافظة والمتدينة بطبيعتها لا تقبل التدين السياسي، وبالتالي لا يلاقي الإسلام السياسي أرضية خصبة في تلك المجتمعات.
كما أن من الأمور اللافتة في التجربة الانتخابية الليبية أن إقبال الشباب الليبي كان كبيراً على التصويت لمصلحة تحالف القوى الوطنية -تحالف محمود جبريل- بعكس ما حدث في تونس ومصر. وهذا ربما يؤكد صحة فرضية انتشار موجة التدين في العالم العربي، لكن يبدو أن الخلط بين التوجه للتدين والتوجه لأحزاب الإسلام السياسي بدأ يزول، وهذا ما أصبحنا نلمسه حتى في مصر وتونس، حيث بدأ الناس هناك يعيدون التفكير في توجهاتهم، ويتم الفصل بين الالتزام بالدين الحنيف ودعم تيارات الإسلام السياسي.
لذا يبدو أن قراءة الإسلاميين للوضع الليبي لم تكن موفقة، فمن الواضح أن المجتمع الليبي المتدين بطبعه لم يكن بحاجة كبيرة لحكومة همها الأساسي تطبيق الشريعة، وإنما كان يتطلع وبقوة إلى دولة مدنية تقوم على أسس القانون، وتمتلك مؤسسات تواكب التطور الذي يشهده العالم بأسره... فتيار الإسلام السياسي في ليبيا الذي راهن على شعارات دينية براقة مني بالفشل الذريع، الأمر الذي فاجأهم ومن الواضح أنه حتى هذه اللحظة لم يستطع التيار الإسلامي "الإخواني"، سواء في ليبيا أو خارجها، أن يستوعب ما حدث، خصوصاً أن الجميع قبل ظهور النتائج كان يتوقع -بما فيهم المحللون الغربيون- أن يكون الفوز حليف الإسلاميين كما كان حليفهم في تونس ومصر والمغرب، فما الذي حدث؟!
كما اكتشف التيار الإسلامي، فإن الشعب الليبي لم ينس أن "الإخوان" وقعوا في أخطاء جوهرية سابقاً، منها تحالفهم مع القذافي في السنوات الأخيرة لدرجة أنهم كانوا على استعداد لدعم مشروع توريث الحكم لسيف الإسلام القذافي، مقابل بعض الوعود، كما أن الشعب الليبي الذي عانى من جنون القذافي طويلاً لم ينس وساطة القرضاوي عند القذافي عام 2004 التي انتهت بالإفراج عن رموز "الإخوان"، وتجاهل رموز وطنية فقط لأنها محسوبة على تيارات سياسية أخرى.
أما منظري "الإخوان"، فهم كذلك لم يستوعبوا ما حدث في ليبيا، فحاول أحدهم أن يقلل من هذه الفرحة ومن ذاك الانتصار الوطني للشعب الليبي، وأن يخفف من وقع الخسارة التي مني بها "الإخوان" الليبيون، فقال: إن الناس يجب ألا تفرح بانتصار الليبراليين في ليبيا وإنما تفرح لنجاح التجربة!
غريب عدم قبول أتباع الإسلام السياسي خسارة "الإخوان المسلمين" في الانتخابات الليبية، رغم ادعاءاتهم بقبولها، والأغرب أن يخرج أحد منظري "الإخوان" ليطمئن الناس بأن "لا خوف على الإسلام في ليبيا"، وكأن من فاز في الانتخابات مجموعة معادية للإسلام والمسلمين! إن هذا الخطاب التحريضي الذي تستخدمه جماعة الإسلام السياسي ضد مخالفيها أصبح مكشوفاً وفجاً، واستمراره في خطف الدين وتقديم نفسها كممثل وحيد للإسلام أصبح غير مجد، فالأمور أصبحت واضحةً للمواطن العربي، كما أن أفعال بعض أفراد تلك الجماعات أصبحت فاضحة.
التجربة الليبية كشفت أموراً مهمةً؛ منها أن الشعوب العربية واعية ومدركة لما يدور حولها، وأن جماعات الإسلام السياسي تخسر رصيدها في الشارع بسرعة، وذلك ليس بما يفعله الآخرون ضدها -فأغلبهم أضعف منها تنظيمياً وأداءً- لكنها تخسر بسبب فشلها في التعاطي المنطقي مع الواقع، وفي تقديم ما وعدت به وفي إيجاد البديل الأفضل.
التعليقات
قراءة الواقع الليبي قبل
توفيق -الكاتب ليس له علم بالشأن الليبي ، فالمواطن الليبي لم يصوت لتحاف القوى الوطنية الليبرالي بقدر ما انه صوت للدكتور جبريل ، والدليل على هذا في الدائرة الفرعية عن طرابلس وهي منطقة سوق الجمعة فان الفائزين فيها كلهم من اصحاب "التوجه الاسلامي" -مع التحفظ على هذا الوصف- ، في حين الفائز في القوائم هو حزب تحالف القوى الوطنية ، فالناس هنا صوتت لمحمود جبريل رئيس الوزراء السابق المعروف لدى كل الليبيين الذي قاد البلاد فترة الحرب على القذافي، ولم يصوت لتحالف القوى الوطنية الليبرالي. وشكرا
قراءة الواقع الليبي قبل
توفيق -الكاتب ليس له علم بالشأن الليبي ، فالمواطن الليبي لم يصوت لتحاف القوى الوطنية الليبرالي بقدر ما انه صوت للدكتور جبريل ، والدليل على هذا في الدائرة الفرعية عن طرابلس وهي منطقة سوق الجمعة فان الفائزين فيها كلهم من اصحاب "التوجه الاسلامي" -مع التحفظ على هذا الوصف- ، في حين الفائز في القوائم هو حزب تحالف القوى الوطنية ، فالناس هنا صوتت لمحمود جبريل رئيس الوزراء السابق المعروف لدى كل الليبيين الذي قاد البلاد فترة الحرب على القذافي، ولم يصوت لتحالف القوى الوطنية الليبرالي. وشكرا