هل تقود طهران موسكو إلى مواجهاتها؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد المختار الفال
"الحسابات" الروسية انتهت إلى أن حضورها في المنطقة بات مرتبطا بالحليف الإيراني وأن هذه الرؤية المؤسسة على تحقيق المصلحة الروسية القومية تقتضي الإنحياز بالكامل للحليف والدخول معه في التنازع مع الخصوم والتحديات مع الأعداء
بدأ التقارب الإيراني الروسي مع سقوط الشاه وقيام الثورة الخمينية وتقلص النفوذ الروسي (وريث الاتحاد السوفييتي المنهار) والتقاء مصالح الدولتين في العديد من المواقع والمواقف. واتسمت العلاقة بالتنامي المطرد طوال الفترة الماضية على المستوى الاقتصادي والعلمي والتنسيق في المواقف الدولية والإقليمية. وجاءت الثورة السورية وتداعياتها لتضع هذه العلاقة على "المحك" وتختبر عمقها وصلابتها وضرورتها الاستراتيجية للطرفين.. وكانت روسيا حريصة طوال السنوات الماضية على دعم حليفها تحت غطاء القانون الدولي والتعاون العلمي والاقتصادي، لكن "المأساة السورية" ومواقف روسيا المنحازة للموقف الإيراني كشفت ما كانت تحرص على "مداراته" بالطرق الدبلوماسية واضطرت إلى الظهور في مواقف ما كانت تقفها من قبل. ولعل تصريحها الأخير بخصوص اعتقال الانفصالي نمر النمر يعد سابقة في السياسة الروسية التي حرصت - رغم علاقتها مع إيران - على الاحتفاظ بعلاقات معقولة مع الدول العربية والخليج بصفة خاصة. والنشاط الروسي الإيراني، هذه الفترة، وحرصهما على بقاء حليفهما في دمشق قد يولد "حلفا" جديدا في المنطقة يزيد من "الاصطفافات" والمواقف الحدية الغالبة على سياسات دولها. فكرة المقال ومعالجته كانت قبل الضربة النوعية التي وجهتها الثورة إلى نظام الأسد وقضت فيها على أبرز أعضاء "فريق الأمن" المسؤول عن المجازر، وسيكون لهذه الضربة تبعاتها المؤثرة على روسيا. ويبدو أن التحالف مع طهران سيدفع بموسكو إلى "الزوايا" الضيقة التي لا تتفق مع صورتها العامة مثل تبنيها خطاب "الدفاع" عن حقوق الإنسان في منطقة الخليج!
وهي الدولة المتهمة بانتهاك تلك الحقوق على أراضيها ولا يشفع لها تاريخها وسلجها في الميدان. وتشير "تسريبات" إعلامية إلى أن روسيا أكدت لحليفتها بأنها "لن تتخلى عن الأسد" وأنها تعمل مع الأميركيين على بلورة صيغة للخروج من الأزمة مع "التمسك بالأسد" والتخلى عن فكرة الحل على "الطريقة" اليمنية.
وليس خافيا أن إيران تتحرك في المنطقة العربية لزيادة مساحة تأثيرها وتكوين "مجموعات الضغط" لإشغال منافسيها وخصومها وخلق توترات داخلية تزيد من متاعبهم أو تدفعم إلى "المهادنة". وحضورها المتنامي في اليمن أحد الشواهد الحية على هذه السياسة، فبعد العلاقة المعروفة مع الحوثيين ها هي طهران تدخل جنوب اليمني من خلال أحد فصائل "الحراك الجنوبي" الذي يتزعمه سالم البيض وتضيف إلى التنازع القائم مزيدا من الوقود. ويتهم بعض قيادات الحراك فصيل سالم البيض بأنه يدفع بعناصر مسلحة مدربة في إيران لتشويه الحركة السلمية التي يتحرك في إطارها دعاة الإصلاح في جنوب اليمن.. وعلاقة البيض مع إيران لم تعد سرا فحتى أنصاره ومؤيدوه لا ينكرونها في إطار نشاطه السياسي الهادف إلى "فصل دولة الجنوب" لكنهم ينفون البعد الديني الطائفي ويجادلون بأن "التخويف" من سقوط اليمن في قبضة أنصار إيران (الحوثيون وجناح البيض) وهم يراد بهم إسكات الأصوات الرافضة لهيمنة النخبة الحاكمة في صنعاء. لكن أمين عام الحراك الجنوبي عبدالله الناخبي يتهم سالم البيض بأنه يدفع بمجموعات مسلحة تلقت تدريبها في إيران لاختراق المظاهرات السلمية والاشتباك مع قوات الامن من أجل الإساءة إلى المطالب المشروعة لأبناء الجنوب. وتشير المعلومات المتاحة إلى أن إيران فتحت أبوابها لأبناء جنوب اليمن وهي تستقبل آلاف الطلاب في الجامعات الإيرانية وتقدم الدعم والعون لبعض أعضاء النظام القديم الذين تربطهم علاقات "الرفاق" مع روسيا.
ويرى بعض المهتمين بالشأن اليمني أن النشاط "الإيراني الروسي" في جنوب اليمن يهدد هذه الدولة العربية ويرشح بعض قواها السياسية للسقوط في شباك إيران التي يساعدها "الفراغ" العربي وانعدام رؤية الكثيرين وبطء حركة البعض. وبعيدا عن زيادة الكراهية وإشعال الطائفية البغيضة وما تولده من نتائج ضارة تبدو "المواجهة" مع إيران "سياسية" بامتياز، وتلعب فيها المصالح دور المحرك المحوري. ولأنها مواجهة سياسية، فمن الطبيعي أن يستخدم فيها المتنافسون كل "الأوراق"، الانتماء الطائفي والإمكانيات الاقتصادية وكسب الأنصار والأتباع لتوسيع دائرة المنافع في مناطق النفوذ، ومن الواقعية الإقرار بأن إيران، منذ قيام الثورة، تبنت رؤية هدفها "الخروج" من دائرتها التقليدية وبناء جسور مع ساحات لم تعرفها من قبل وإيجاد "جزر" من المؤيدين والأنصار في المجتمعات خارج طائفتها. وبدأت هذه السياسة في المناطق التي لا تعرف الفروق المذهبية (أفريقيا والشرق الأقصى). وكان الخطاب المعلن هو "وحدة الأمة ضد أعدائها" دون الدخول في التفاصيل المذهبية. وصاحب هذا الخطاب، بذكاء ملحوظ، طرح مشاريع "المنافع" المشتركة والترحيب بأبناء تلك المجتمعات في الجامعات الإيرانية لتكوين "تيار" من المتفهمين والمتعاطفين مع خطابها. واليوم هناك مئات الآلاف من هؤلاء يتصدرون واجهة مجتمعاتهم ولديهم "تأثيرهم" على مسار الارتباطات الخارجية.
ونظرة على خطوط التحرك الروسي وبواعث مواقفه المعلنة تجاه القضايا في المنطقة العربية تكشف "تبعية" ملفتة للموقف الإيراني حتى ليبدو وكأن روسيا دخلت في مزاج النزاع الطائفي الذي تغذيه السياسات الخاطئة!! والواضح أن "الحسابات" الروسية انتهت إلى أن حضورها في المنطقة، في الأفق المنظور، بات مرتبطا بالحليف الإيراني، وأن هذه الرؤية المؤسسة على تحقيق المصلحة الروسية القومية تقتضي الانحياز، بالكامل، للحليف والدخول معه في التنازع مع الخصوم والتجاذب مع المنافسين والتحديات مع الأعداء. وهذا يعني أن الحليفين سيستخدمان كل الأوراق المتاحة "لتليين" مواقف الدول الرافضة لقمع الشعب السوري. ولم يعد خافيا أن إيران تدفع حليفتها روسيا للتفاعل مع أحداث المنطقة ودعم علاقاتها وتحالفاتها المبنية على عنصري "المذهب والمصلحة". ورغم أن الكثير من المعلقين والمحللين لا يحبذون القراءة السياسية على أساس طائفي، وأنا منهم، إلا أن "التغابي" عن هذا العنصر لا يساعد على قراءة الواقع، فالتحرك الإيراني في المنطقة يؤكد أن ارتباطاته وتحالفاته تستند، في الأساس، على مبدأ "وحدة المذهب" التي تشكل ممهداً طبيعياً للتقارب، خاصة في ظل الأجواء والمشاعر التي خلفتها الثورة الإيرانية وشعاراتها المذهبية. وهذا ما تؤيده "خريطة" النفوذ الإيراني، حيث مراكز المذهب الشيعي - العراق وسورية وجنوب لبنان - كما نجدها في "بؤر" التنازع - اليمن وبعض الجيوب في منطقة الخليج - وتمتد أذرعها إلى مدن العالم الإسلامي في أفريقيا وشرق وجنوب شرق آسيا. والشعار المرفوع في المناطق النائية هو "وحدة الإسلام" ومقاومة "الاستكبار"، لكن إذا فحصت هذين الشعارين وجدت عجباً. فهل تنقاد روسيا للمشاريع الإيرانية على حساب مصالحها مع المجموعة العربية؟