جريدة الجرائد

رئيسة الرابطة الفرنسية للمرأة المسلمة : مسؤولون يغطون أداءهم السيئ بغطاء المرأة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

باريس - أيمن أبوعبيد


تمثل فرنسا قلعة العلمانية في أوروبا، ويوجد فيها جالية إسلامية من اكثر الجاليات في الغرب تنظيماً، وبين صفوها يظهر العنصر النسائي، هذا العنصر الذي استغله من يريد تقويض الإسلام بحجة حريتها، فاختاروا لها ما يعتقدون أنه يناسبها من دون أن يستشيروها، وخاصة في موضوع الحجاب، حيث يدعي مناصرو منعه أن الرجل يجبر المرأة على ارتدائه وأن ذلك يخالف مبادئ الحرية التي تكفلها الديمقراطية، لكن هؤلاء المناصرين أنفسهم أجبروا المرأة على نزع الحجاب ولم يمنحها أحد حق حرية الاختيار، ورفضوا مواجهة حقيقة أن إجبار إنسان على نزع غطاء رأسه مخالف لمبادئ الديمقراطية وأبسط بنود الحرية الشخصية وهي حرية الملبس .

حول هذه الموضوع، التقينا هالة خمسي، رئيسة الرابطة الفرنسية للمرأة المسلمة، وعضوة تنفيذية لاتحاد المنظمات الفرنسية في فرنسا وعضو مؤسسة في المنتدى الأوروبي للمرأة المسلمة وكان هذا الحوار:

ما أهم أهداف رابطتكم؟ وكيف تسهمون في اندماج المسلمات في المجتمع الفرنسي؟

- جمعية الرابطة الفرنسية للمرأة المسلمة، أسست في عام ،1994 وتهدف إلى إرجاع المرأة المسلمة إلى مكانتها الصحيحة التي تستحقها وتشجيع النساء على أخذ مواقعهن الحقيقة في هذا المجتمع، إلى جانب الدفاع عن حقوق المرأة المسلمة وتغيير الصورة النمطية الموجودة عن المرأة المسلمة في فرنسا .

بالنسبة للاندماج، الاندماج كلمة غير محببة لدى الشاب المسلم الفرنسي، فهو يقول أنا مندمج بطبعي، فأنا خلقت في هذا البلد وتلقيت التعليم نفسه وارتدت المدارس نفسها وأتحدث اللغة ذاتها، لهذا أنا مندمج بدون سجال، أما كوني ملتزماً بديني، ولدي بعض الطقوس الإسلامية فهذا شأن يخصني ولا يعيق اندماجي في المجتمع، فالمجتمع لا ينحدر كله من الأصل نفسه ولا يعتنق الدين نفسه . هو مجتمع مكون من أصول متعددة ومنها الأصل العربي ومنه من يدين بالإسلام وهو جزء لا يتجزأ من فسيفساء هذا المجتمع، لهذا كلمة اندماج غير صحيحة . والسليم أننا نسعى إلى خلق جيل مسلم معتز بهويته الدينية ونافع لوطنه، نريد أن يكون المسلم الفرنسي مواطناً صالحاً ومسلماً صالحاً ولا تضارب بين الإسلام والمواطنة .

كيف ينظر المجتمع الفرنسي بوجه عام إلى المرأة المسلمة؟

- هناك صورة قاتمة تريد أن تظهر المرأة المسلمة تابعاً للرجل، وهي فاقدة لإرادتها ومنعدمة الشخصية، وما إلى ذلك من مفردات مشابهه يستخدمها السياسيون والإعلاميون بشكل مكرر في مداخلاتهم، في حين أن المرأة المسلمة براء من هذا، ونحن بفضل الله سبحانه وتعالى وطبقاً لتعاليم ديننا، نستشعر حريتنا ونتحسس إرادتنا في الجو المحيط بنا، في منازلنا، بجانب أزواجنا، وفي مجالات العمل التي تميزنا فيها، الاختلاف بيننا وبين المرأة غير المسلمة، أن نظرتنا إلى الدور المنوط بنا نابع من فكر التكامل مع الرجل، وليس التضاد كما تنادي به مدعيات حقوق المرأة، والحديث عن أن مخالفة الرجل هي دلالة على استقلالية المرأة حديث واهم، وإسلامنا يحثنا على غير ذلك وهذه هي الرؤية الإيجابية في ديننا حين يقول الله سبحانه وتعالى ldquo;وتعاونوا على البر و التقوىrdquo;، وكذلك قوله عز وجل ldquo;والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكرrdquo;، ومن هنا نؤمن أن للمرأة رسالة في هذا المجتمع، جنبا إلى جنب مع الرجل، رسالة في نشر الخير بكل أنواعه، هذا هو ديننا وهذا ما نريد أن نقوم به وأن تنهض به المرأة المسلمة في المجتمعات العلمانية .

لماذا تسود فكرة أن استقلال المرأة تتحقق بمخالفة الرجل؟

- تاريخ فرنسا مع المرأة هو الذي أوجد هذه الإشكالية، فعندما نقرأ التاريخ الفرنسي نفهم لماذا يثار كل هذا الجدال حول المرأة، إذ إن فرنسا التي قامت بثورة الإخاء والمساواة والحرية لم تنصف المرأة، وكان هذا العنصر مهان في المجتمع حتى وقت قريب، يكفي فقط أن نعرف أن المرأة الفرنسية لم يعترف بمواطنتها إلا في عام ،1944 في حين أنه في ديننا الإسلامي ومنذ بداية الرسالة المحمدية، كانت النساء يبايعن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان لهن هذه الحظوة في المجتمع، والاحترام لمكانتها أماً وأختاً وراوية للحديث، ومن هنا نستشعر نحن المسلمات أن الدين هو الذي رفع مكانتنا، بينما النساء في فرنسا ينظرن إلى الدين على أنه السبب في إيصالهن إلى مكانة وضيعة في العصور الوسطى حين حكمت الكنيسة، وهناك منهن من قتل حتى بعد قيام الثورة وانحسار دور الكنيسة بسبب قيامهن بالمطالبة بحق المواطنة . وإذا قورنت بنظيرتها الأوروبية نجد أن الفرنسية هي آخر من حصل على حق الاقتراع والتصويت في الانتخابات .

هذه النظرة التاريخية لا تزال حاضرة في المجتمع، الفرنسيات يعتقدن بسبب إرث معاناة أسلافهن، أن نظيراتهن من المواطنات الفرنسيات المسلمات يتكبدن نفس المعاناة لوجود الدين في حياتنا . مثال ذلك الحملات التي تشنها النساء على الخمار، إذ إن الخمار بحسب تقاليدهم الدينية كان يعبر عن تسلط الرجل، ولكنه في الدين الإسلامي حفاظ للمرأة . ونحن نحاول على الدوام التأكيد أن هناك فرقاً شاسعاً بين نظرة الإسلام للمرأة ونظرة عصور الظلمات للمرأة وأن الإسقاط التاريخي لماضي المرأة الأوروبية لا يصلح للمرأة المسلمة في الحاضر .

ما الدور الذي تلعبه السياسات الداخلية للدولة بحق الجالية؟

- هناك من الساسة من يريد التغطية على سوء أدائه ومشكلاته الداخلية بغطاء المرأة بشكل خاص والإسلام بوجه عام، لا سيما في الفترة الأخيرة، مع تصاعد وتيرة الأزمة العالمية وانخفاض القدرة الشرائية وزيادة نسبة البطالة، لجأ هؤلاء إلى تضخيم بعض القضايا ومن بينها الإسلام لصرف نظر الناس عن مشكلات البلد الحقيقية، لا أنكر أن هناك بعض الحوادث التي يتورط فيها مسلمون، لكن هذا لا يمنحك الحق في التعميم، فنحن وبحسب الإحصاءات الرسمية نزيد على ستة ملايين مسلم فرنسي ولا يمكن أن يتم الحكم علينا من خلال حوادث فردية معدودة، حتى الفرنسي البسيط أصبح ينتبه لمآرب الحكومة والساسة في ذلك التوظيف وبات لا يهمه سماع ترّهات لا تعكس المشكلات الحقيقية التي تهم عامة الفرنسيين .

ونحن أوصلنا صوتنا لهم وأعلمناهم أن هذه الحيل ما عادت تنطلي على الجميع، وأن المسلمين وخاصة النساء منهم وصلن لدرجة من الوعي لم يعد معها مقبولاً مثل هذا التوظيف للدين، ونحن نجتهد في العمل من أجل إيصال تلك الرسالة وهناك نخب فرنسية تقف معنا .

تحايل على مفهوم العلمانية

هل تتحمل الجالية وزرا أو تمنح الساسة ذريعة توظيف الدين على النحو الذي أشرت إليه؟

- أصل المجتمع الفرنسي هو مجتمع حقوق إنسان، وأنا مؤمنة أن فرنسا سوف تثوب إلى رشدها، فلا يمكن أن تتنكر لمبادئها الأساسية التي تقوم عليها الجمهورية، كما هي الحال الآن، ولا يمكن أن يدوم ذلك .

ونحن يقع على عاتقنا دور كبير في إعادة البلاد لمسارها الصحيح، كذلك نتحمل كجالية مسلمة جزءاً من المشكلة، فهناك ليس في داخل الجالية فقط وإنما في العالم الإسلامي أيضاً من يغلب العادات والتقاليد على التعاليم الدينية، هناك من يريد تطويع المرأة وهناك من يهينها، وهناك من يريد تقزيمها بإسناد أدوار بدائية لها، هذه الحالات موجودة خارج فرنسا وموجودة أيضا بين صفوف المسلمين في فرنسا، والذين ينحدرون من ثقافات متعددة ومجتمعات مختلفة . فكل منهم قدم من بلده بحقيبة من العادات والتقاليد، يظل يحافظ عليها إلى أن يتجدد لديه الفكر الديني ويعيد لديه الإسلام الحقيقي فيترك من العادات ما لا يتماشى مع المبادئ الإسلامية، ولا ننس أن بداية الهجرة كانت طبقة عمالية في معظمها، وكانت تشعر بنفسها وافدة للعمل لا أكثر وتتعامل من هذا المنطلق، فلا تكترث لسياسات الجمهورية وكانت منغلقة على نفسها، ولكن فيما بعد ومع استقرار الجالية وظهور جيل أو اثنين فرنسيي المولد، أصبح من المنطقي أن يطالب الإنسان بحقوقه مواطنا .

وفي هذا الجزئية أذكر أنه في أحد لقاءاتنا ببرلمانيين للتحاور حول حقوق المرأة المسلمة، سألتنا إحدى النائبات قائلة لماذا نرى هذا العدد من النساء المحجبات، ولم نكن في الماضي نرى الانتشار نفسه للمرأة المحجبة، فأجبتها بالقول إن المرأة المسلمة التي هاجرت في البداية كانت تستشعر نفسها خارج وطنها وغريبة عن ديارها وكانت تخاف من أن تزعج المجتمع الجديد فآثرت أن تختفي إما في بيتها أو أن تظهر دون الحجاب الذي يلفت النظر إليها، أما اليوم فنحن نعد أنفسنا في بلدنا، في داري، ومن الطبيعي عندما أكون في دراي أن أكون على طبيعتي ولا أخفي هويتي وأطبق تعاليم ديني دون خوف من أحد، وهذه الأمور يحفظها دستور البلد الذي نعيش فيه، والقوانين الفرنسية تنص على حرية ممارسة الشعائر الدينية، وrdquo; اللائكيةrdquo; ليس كما يفهمها بعض الناس أنها إخفاء الدين بل هي أن يتعامل الجميع على القدر نفسه من المساواة بغض النظر عن معتقداتهم . وهناك العديد من الحقوقيين الفرنسيين الذين أشاروا

إلى أن الحكومة تحاول التلاعب في مفاهيم ldquo;اللائكيةrdquo;

وتسن قوانين مغايرة للبعد الحقيقي لمفهوم ldquo;اللائكيةrdquo; في الجمهورية .

مدارس للجالية

بعد مرور أكثر من ست سنوات على القانون الذي منع الطالبات من ارتداء الحجاب في المدراس الحكومية، كيف تتعامل الجالية مع هذا المعطى حالياً؟

- كان قانون منع الرموز الدينية في المدارس الحكومية والذي على إثره منعت الفتيات المسلمات من ارتداء الحجاب قانوناً صعباً وقاساً جداً، وأنا كأم عشت هذه التجربة مع بناتي، إحداهن منعت من دخول المدرسة في السنة النهائية، فهي لم تستطع أن تنزعه ولم يسمح لها نسيجها الديني والثقافي أن تتنازل عنه، فرفضت وأكملت دراستها في المنزل وهذه الحالة تكررت لدى الكثيرات، منهن من نزع ومنهن من تركن المدرسة، لكن الجميع كان محبطا نفسيا، وكما يقولون رب ضارة نافعة، اجتهدت الجالية لمعالجة هذه المعضلة فأسست عدداً من المدارس، ولم يكن الحجاب فقط هو السبب، وإنما أحد العوامل التي دفعت إلى تأسيس هذه المدارس إلى جانب عامل اللغة الغربية وأهمية تدريسها وكان الإتقان هو هدف هذه المدارس، وبالفعل وصلت نسبة النجاح في بعض هذه المدارس خلال الثانوية العامة إلى مئة في المئة . وللعلم فإن هذه المدارس ممولة من الدولة ومعترف بها، لهذا، الصورة ليست قاتمة والدولة لا تحارب كل شاردة وواردة ذات صبغة إسلامية، وإنما هناك قوانين يصوتون عليها لتحقيق أهداف سياسية، ونحن أيضاً بحكم المواطنة، لدينا قوانين يكفلها الدستور وتتيح لنا الكثير من الفرص إذا تدبرناها وأحكمنا العمل بها من أجل تطوير الجالية وتوظيف طاقاتها .

كيف تقرئين مستقبل الجالية بشكل عام والفرنسية المسلمة بشكل خاص في ظل الحكومة الجديدة؟

- نأمل بأن يكون الوضع أفضل، الحزب الحاكم الآن هو حزب اشتراكي، والأصل أن الاشتراكي أقرب إلى الشعب، لكن لا ننسى أنه عندما عرض قانون منع الحجاب للتصويت، صوت الحزب الاشتراكي بتمامه مع قانون المنع، ومؤخراً أقرت ldquo;الفيفاrdquo; السماح للمحجبات باللعب، لكن فرنسا رفضت، أعلنت أنها ستقف ضد تطبيق هذا القرار، رغم ذلك نحن متفائلون، ونأمل بأن الأبواب ستفتح أمام المرأة المحجبة، ونحن نساعد في ذلك، من خلال الوجود الإيجابي لها في المجتمع، وهناك حالات كثيرة لنساء متميزات في مجالهن محجبات، اشترطن العمل بحجابهن فما كان من إدارة العمل إلا الموافقة لحاجتها إليهن وإلى مهارتهن .



التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف