الاستثناء المغربي ... و«الربيع العربي»؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
خيرالله خيرالله
يظلّ المغرب استثناء. ما يشير الى ذلك التطور الذي شهدته المملكة في السنوات القليلة الماضية في وقت كانت منطقة شمال افريقيا كلها تتغيّر بفعل "الربيع العربي". فـ "الربيع العربي" كان على موعد مع المغرب من دون ان يكون على موعد معه. كان ذلك عائدا الى ان المغرب، الذي اعتمد قبل سنة دستورا جديدا قاد الى انتخابات انتجت حكومة على رأسها السيّد عبد الاله بنكيران زعيم الحزب الاسلامي الفائز في تلك الانتخابات، استبق المغرب "الربيع العربي". استبقه بما يزيد على عقد من الزمن. كان المغرب جاهزا لـ "الربيع العربي" وكلّ المواسم الاخرى، بكلّ حلوها ومرّها.
في الواقع، بدأ الاصلاح باكرا جدا في المغرب. بدأ مع صعود الملك محمد السادس الى العرش قبل ثلاثة عشر عاما واعتماده خيار "مصالحة المغاربة مع ذاتهم وتاريخهم" فاتحا ابواب القصر الملكي امام الذين امضوا فترات في السجون بسبب آرائهم السياسية.
يكتشف زائر المغرب في السنة 2012 ان المملكة صارت اكثر انسانية، بل تزداد انسانية مع تركيز محمد السادس في خطاب العرش على ان ثروة المغرب الاولى الانسان وهي ايضا كلّ مكونات المجتمع المغربي، من الامازيغية الى المرأة... الى توسيع فضاء الحريات واطلاق اصلاحات اقتصادية عميقة تصبّ في قيام دولة عصرية.
بالنسبة الى العاهل المغربي، انّ الاصلاحات تعني تحمّل الجميع مسؤولياتهم. هذه الاصلاحات، التي ليست بنت البارحة، شملت اقرار الدستور الجديد الذي يوفّر صلاحيات واسعة للوزير الاوّل (رئيس الوزراء). ما حصل في الانتخابات النيابية الاخيرة، قبل اقلّ من سنة، والتي احتل فيها الاسلاميون الموقع الاوّل ان الاحزاب السياسية كلّها، خصوصا الاحزاب التقليدية، وجدت نفسها في مأزق. صار من واجب هذه الاحزاب، في حال كانت تريد بالفعل خوض الانتخابات المقبلة والمنافسة جدّيا فيها، اعادة تنظيم نفسها والارتقاء الى درجة تمكنها من مواجهة تحديات مرحلة مختلفة فرضتها عملية تطوير الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المملكة.
لم يعد في استطاعة الاحزاب تجاهل المشاكل الطروحة ولا المواضيع الشائكة التي يتحدث عنها محمد السادس في خطبه، بينها خطابه الاخير في مناسبة عيد العرش الذي احتفل به هذه السنة في الرباط. يتحدث العاهل المغربي عن استقلال القضاء واللامركزية والتنمية البشرية وحقوق المرأة والاسرة وتجاوز الركود الاقتصادي والجفاف والاهتمام بالجاليات المغربية في الخارج وتأثرها بالازمة الاقتصادية العالمية وكيفية معالجة ذلك. كذلك يتحدّث عن البيئة والسياحة والاقتصاد والضمان الطبي وكيفية الاستفادة من الطاقة المتجددة اي الطاقة الشمسية وتلك التي تولدها الرياح وتعميق العلاقات القائمة مع دول مجلس التعاون الخليجي والاستفادة من الصناديق الخليجية.
لا وجود لعقدة من ايّ نوع في المغرب. هناك على العكس من ذلك ابتعاد قدر الامكان عن اللغة الخشبية التي اعتادها العرب عموما. ولذلك، لا يتردد محمد السادس عن تسمية الاشياء باسمائها والقول: "نعمل كي تظلّ المملكة المغربية نموذجا في الالتزام بالاسلام السنّي الوسطي السمح الذي لا مكان فيه للتطرف والتعصّب والغلوّ والانغلاق".
هناك واقع مغربي لا يمكن تجاهله. هناك مشاكل لا مفرّ من التصدي لها. من بين هذه المشاكل الفقر والارهاب والتطرف الديني. تكمن شجاعة محمّد السادس في انه يطرح هذه المشاكل من دون مواربة لادراكه انه لا يمكن الانتصار في الحرب على الارهاب والتطرّف من دون التصدي للفقر ولمدن الصفيح التي نبتت الى جانب غير مدينة مغربية.
هناك ايضا واقع اقليمي لا يمكن القفز فوقه. يطرح المغرب مخارج بدل البقاء في اسر الشعارات، لذلك يقول محمّد السادس:" ان التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة تمنحنا فرصة تاريخية للانتقال بالاتحاد المغاربي من الجمود الى حركية تضمن تنمية مستدامة ومتكاملة. هل هناك رغبة جزائرية وغير جزائرية في الاستفادة من التحولات الكبرى التي يشهدها المغرب العربي ومجاراة المغرب في "ايجاد حلّ نهائي للخلاف الاقليمي المفتعل في شأن الصحراء المغربية على اساس المقترح المغربي للحكم الذاتي؟".
ما نسمعه اليوم في المغرب كلام واقعي. لن تعود الحياة الى الاتحاد المغاربي في غياب "حل نهائي في الصحراء المغربية"، نعم المغربية. لا شكّ في ان قواعد اللعبة الاقليمية تغيّرت، خصوصا بعد الذي حصل في مالي وسيطرة "القاعدة" على جزء من البلد.
اذا كانت هناك رغبة حقيقية في شنّ حرب على الارهاب، فانّ ذلك ليس ممكنا من دون تعاون وتنسيق بين كلّ دول المنطقة، على رأسها المغرب والجزائر من جهة ومن دون ايجاد حلّ في الصحراء المغربية من جهة اخرى.
في النهاية، صارت جبهة "بوليساريو"، وهي صناعة جزائرية، عبئا على من يريد خوض الحرب على الارهاب. تكفي، للتأكّد من ذلك، نظرة الى شبكة العلاقات التي اقامتها "بو ليساريو" مع "القاعدة" ومع شبكات التهريب في المنطقة الصحراوية الممتدة من جنوب موريتانيا الى جنوب السودان، اي من المحيط الاطلسي الى البحر الاحمر.
مرة اخرى، لا وجود لعقدة مغربية. هناك شعور بضرورة الانتهاء من الخلافات الاقليمية وهناك ايضا رغبة في تطوير العمل العربي المشترك وهناك تركيز على الانفتاح على الجار الاوروبي الاقرب، اي اسبانيا.
سبق المغرب "الربيع العربي". انه بلد متصالح مع نفسه، بلد يسعى ايضا الى ان يكون متصالحا مع محيطه. ولذلك، هناك حديث في الرباط عن "حرية تنقل الاشخاص والسلع ورؤوس الاموال والخدمات". فاوروبا ليست سوى على مرمى حجر من دول المغرب العربي. ما الذي يحول دون فتح الحدود بين هذه الدول بدل السقوط في فخّ اسمه الدور الاقليمي لهذه الدولة او تلك؟ هذا الدور المفترض اقرب الى الوهم من اي شيء آخر وهو الطريق الاقصر لافشال الحرب على الارهاب الذي يهدد كل دولة من دول المنطقة انطلاقا من مالي تحديدا ومن الساحل الصحراوي عموما.