جريدة الجرائد

حلب: شهادات حية من «بنغازي» السورية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

باباك ديهجانبيشه

قعقعة السلاح حوّلتها إلى مدينة أشباح


ترك أسبوع من القتال المحتدم أكبر مدينة في سوريا تترنح؛ ولكن الأسوأ قد يأتي خلال الأيام المقبلة حين تتقابل الحكومة والثوار في ما يمكن أن يكون مواجهة مصيرية.

كانت حلب هادئة طيلة معظم الانتفاضة التي بدأت في سوريا قبل 17 شهراً تقريباً؛ ولكن خلال الشهر الماضي، سرعان ما تحولت المناوشات والاحتجاجات التي كانت تندلع من حين لآخر إلى حرب مدن مستعرة.

وتمثل حلب جائزة كبيرة بالنسبة للثوار، جائزة قد تتأثر بشكل خاص بكفاحهم من أجل انتزاع السلطة من نظام بشار الأسد. ومن أصل سكان حلب البالغ عددهم 2,5 مليون نسمة، يشكل السنة أغلبية السكان، والكثير منهم يشعرون بالتهميش والإقصاء من حكومة الأسد التي يقودها العلويون. ويسمح قرب المدينة الجغرافي من الحدود التركية لقوات الثوار بنقل الرجال والمعدات بسهولة نسبية.

وإذا استطاع الثوار الفوز في حلب، فإنهم سيسيطرون على مدينة لطالما مثلت المحرك الاقتصادي لسوريا، مما يزيد من صعوبة تمسك الأسد بالسلطة. وفي هذا السياق، يقول هلال خشان، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في بيروت: "إذا سيطرت على حلب، فإن الزحف على دمشق يصبح أكثر سهولة"، مضيفاً: "إن المعارضة ترغب في تحويلها إلى بنغازي"، المدينة الواقعة في شرق ليبيا، التي أصبحت عاصمة الثوار الفعلية وسرّعت بإسقاط نظام العقيد معمر القذافي.

ولكن الحكومة أشَّرت بقوة إلى أنها لا تنوي السماح بحدوث ذلك؛ حيث بادر الجيش بضرب المدينة بالمدفعية، وقصف الأحياء بقذائف طائرات الهيلكوبتر؛ ولأول مرة في النزاع، أرسل مقاتلات لتضرب مناطق سكنية. والأكيد أن العنف مرشح للازدياد؛ حيث قامت قوات الثوار، التي تقول إنها تسيطر على نصف مدينة حلب، بمصادرة دبابات وأخذت تستعمل أسلحة ومعدات أثقل.

وفي يوم الجمعة، قام الجيش السوري بنسف أجزاء من المدينة بواسطة قذائف المدفعية في وقت اندلعت فيه اشتباكات ضارية في الشوارع في حيي "المريديان" و"الفرقان". ونتيجة لذلك، قُتل ستة أشخاص على الأقل في حلب، وفق لجان التنسيق المحلية. وهذه الهجمات أتت بعد يوم واحد على إصدار الأمم المتحدة لتحذير غاضب. وفي هذا الإطار، قال إيرفيه لادسو، مساعد أمين عام الأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام، في نيويورك: "إن التركيز الآن هو على حلب، التي عرفت حشداً معتبراً للوسائل العسكرية، وحيث لدينا أسباب للاعتقاد بأن المعركة الرئيسية باتت على وشك أن تبدأ".

وفي الأسبوع الماضي، فر أزيد من 200 ألف شخص، ولجأت آلاف أخرى إلى المدارس، وقُتل العشرات. أما أولئك الذين لم يغادروا، فقد علقوا في منازلهم إذ يخشون المجازفة بالخروج.

ونتيجة لذلك، فإن عدة أجزاء من مدينة مأهولة بشكل متواصل منذ 5000 سنة باتت تشبه مدينة أشباح. والسكان يتضورون جوعاً ويبحثون عما يأكلونه. وأكوام القمامة التي تزكم الأنوف متراكمة في الشوارع، بالقرب من جثث أحياناً. والماء مقطوع معظم اليوم؛ والوقود وغاز الطبخ من المستحيل تقريباً العثور عليهما.

وفي هذا الإطار، يقول محمد سعيد، وهو ناشط في الخامسة والعشرين من حلب، في حوار معه عبر "سكايب": "إن الحياة هنا مثل الجحيم... من الصعب البقاء على قيد الحياة. لا يمكنك إيجاد أي شيء. إن الحكومة تحاول ارتكاب مجزرة في حلب".

ويقول محمد إنه يعرف أشخاصاً كثيرين فروا من المدينة؛ ولكنه يشعر بمسؤولية البقاء من أجل تسجيل وتوثيق التجاوزات والانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن الحكومية. ويقول في هذا الإطار: "لا يمكنني أن أرحل"، مضيفاً: "عليَّ أن أدخل المدينة وأنظر في كل المناطق لأرى ما إن كان ثمة قصف وقتال حتى أبعث بتقارير".

والحال أن الحصول على صور ومقاطع فيديو ليس بالأمر السهل، ولاسيما بالنظر إلى الانقطاعات المتكررة للكهرباء والهاتف. ولكن محمد لديه أداة قوية: "جهاز مودم عبر الأقمار الاصطناعية". فعندما تأتي الكهرباء ولو لفترة قصيرة، يسرع محمد إلى إرسال ما في جعبته من أخبار. والأخطار التي ينطوي عليها عمله واضحة وبديهية، فقد قُتل صديق له من النشطاء على يد قناص قبل ثلاثة أسابيع. ولم تستلم العائلة جثته الممزقة من قوات الأمن سوى في الأسبوع الماضي.

والواقع أن الكثير من السكان ما زالوا مذهولين بمدى السرعة التي انتشر بها القتال عبر المدينة. وفي هذا الإطار، يقول رجل في الثامنة والعشرين من عمره رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بسلامته: "لقد فوجئت للغاية عندما تصاعد الوضع بسرعة كبيرة جداً في حلب. في أحد الأيام أنا ذاهب إلى عملي وأسمع عن اندلاع معارك عبر سوريا"، مضيفاً "وفي اليوم التالي، أختبئ في المنزل في الحمام مع عائلتي بينما ابنة أختي الصغيرة تبكي بشدة بسبب دوي القنابل".

ولعل المنطقة الأكثر تأثراً بالقتال هي "صلاح الدين"، وهو حي يقطنه في الغالب السُّنة من الطبقة العاملة في جنوب غرب حلب. والحي يغص بأنصار المعارضة ويقع بالقرب من أكاديمية الأسد العسكرية. وبالتالي، ففي كل مرة يغادر فيها الجنود القاعدة للذهاب إلى وسط المدينة، فإنهم يمرون عبر حي صلاح الدين، مما يشعل فتيل اشتباكات ضارية مع المقاتلين الثوار، حسب نشطاء المعارضة. وفي الأسبوع الماضي، قام الجيش بدك الحي بواسطة المدفعية. ويقول أبو ثابت، وهو قائد من الجيش السوري الحر، في حوار معه عبر الهاتف: "إن القتال في حلب مسألة حياة أو موت بالنسبة للمعارضة والنظام معاً"، مضيفاً "لدينا خطط عسكرية وتصميم. النظام لديه أسلحة أكثر تفوقاً، ولكننا أقوى في تكتيكات قتال الشوارع داخل المدن!".


ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف