مؤسسة القرار الاردنية واللحاق بمعسكر 'اسقاط' بشار الاسد واغراءات 'مالية'
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عمان
دائرة الخيارات الاستراتيجية الاردنية فيما يختص بالملف السوري تضيق الى مستويات قد تؤدي قريبا الى 'انعدام الرؤية' اذا تواصلت سياسة الترقب والانتظار والعمل بنظام المياومة والقطعة وفقا لتطورات الامور في الميدان.
ورغم ان عمان سياسيا وامنيا والى حد ما حدوديا حسمت امرها بوضوح في الاتجاه المضاد لمؤسسة الرئيس بشار الاسد الا انها تجتهد في الوقت نفسه لاظهار انها لا زالت تحتفظ ببعض 'التعقل' ولا تهتم بالهرولة للارتماء في احضان السيناريو السعودي القطري الضاغط بقوة على العصب الحيوي للاقتصاد المالي الاردني.
يمكن لاي مراقب تلمس ذلك من خلال تعليقات وزير الاعلام سميح المعايطة الذي اجتهد لكي يشرح موقف علني واضح للعاهل الملك عبد الله الثاني معتبرا بأن حديث الملك عن مرحلة انتقالية في سورية وحرب اهلية ليس 'موقفا' بقدر ما هو تعبير عن مخاوف.
الجملة التوضيحية للمعايطة تدلل في الواقع على الايقاع المتعاكس وغير الحاسم داخل مؤسسة القرار الاردنية التي لا تبدو 'موحدة' حتى الآن في قراءة النص السوري حيث تحاول مؤسسة الحكومة مثلا تخفيف حدة الجرعة التي يتحدث عنها القصر الملكي مع الاعلام الامريكي.
عمليا مؤسسة القرار الاردنية غير موحدة ازاء قضايا اخرى محلية الطابع واقل شأنا واهمية مثل الانتخابات وقانونها والعنف الاجتماعي والامن الناعم او الخشن فكيف يمكنها التوحد ازاء ملف معقد جدا ومفتوح على كل الاحتمالات من وزن الملف السوري.
وزير الخارجية ناصر جودة مثلا بدأ يخوض المسألة على طريقته فاصطحب عشرة من سفراء الدول الاجنبية 'الممولة بطبيعة الحال' في جولة افتتاحية لساحة مخيم الزعتري هو اول مخيم مخصص رسميا للاجئين السوريين.
ملاحظة الحضور كانت تشير الى ان الوزير جودة يقدم لضيوفه السفراء صورة لمكان سيطالبهم بالانفاق عليه مطولا، وعلى الحدود تعليقا على انشقاق رئيس وزراء دمشق رياض حجاب يقول وزير الداخلية غالب الزعبي: حدودنا مفتوحة وستبقى مفتوحة.
عمليا يتقاسم مجلس الوزراء المهام والوظائف فوزير الداخلية سيبقي الحدود مفتوحة امام اللاجئين ووزير الخارجية سيتولى تدبير الانفاق على مخيماتهم ووزير الاعلام يتصدى لنفي احداث يتحدث عنها اعلام الكون ويخفف من جرعة الاستفزاز الاردني الواضح لنظام الرئيس بشار الاسد على الاقل امام الاعلام فالمعركة ليست مفتوحة ضد بشار الاسد لكن توجد معركة في الواقع وهذا حصرا ما المح اليه رئيس الوزراء فايز الطراونه في عدة مجالسات رمضانية.
لذلك يقترح سياسي محنك من طراز الدكتور ممدوح العبادي بأن لا مصلحة لبلاده في خدمة مشروع اسقاط النظام السوري الحالي حتى لا تقوى شوكة تيارات الاسلام السياسي في عمان، لكنه في الوقت نفسه يقر بوجود 'مصالح حيوية' للدولة الاردنية وهوامش تدفع الاردن للاستمرار في محاولة التعامل مع جميع الاطراف وان كان لا يتوقع سقوطا مأمولا للنظام السوري.
ترجمة ذلك واضحة بالنسبة للناشط السياسي عماد دبس فالعاهل الاردني مضطر لمخاطبة الاعلام الامريكي بلغة تدعم خيارات 'الانتقال السلمي للسلطة في دمشق' حيث ان الاوضاع المالية للخزينة الاردنية لا تسمح بترديد كلام لصالح بشار الاسد خصوصا مع الاعلام الغربي ومصالح عمان الحيوية تتطلب بان لا تغضب عدة عواصم على عمان على رأسها بعد واشنطن الدوحة والرياض فالجزرة المالية متاحة لكن عصا 'الربيع العربي' موجودة ايضا.. على الاقل هذا ما يقال في اروقة القرار الاردني العميقة.
رئيس الحكومة الطراونة قال في احدى الجلسات: لا نستطيع اغضاب اعداء الاسد صحيح لكن في هذه المرحلة لا نستطيع المجازفة بانتاج جرعة كبيرة تغضب الاسد نفسه وتقلبه علينا فالرجل جريح وعنيف ويمكن ان يفعل اي شيء لالحاق الضرر بنا ولو قرر ذلك لاستطاع.
عليه يقرر المعايطة وهو يتحدث لـ'بي بي سي': نتحدث عن مخاوف وليس عن مواقف اردنية واولويتنا واضحة وهي حماية الاردن والاردنيين وحدودنا.
في الاثناء يمكن الاستدلال على استنتاج خطير من صحوة الضمير المفاجئة التي اجتاحت ستيوارت جونز السفير الامريكي في عمان فالرجل التصق كممثل للسلطة الكونية الى جانب اكتاف الوزير جوده خلال جولة مخيم الزعتري وقبل ذلك اندفع في وصلة مديح غريبة وغير مسبوقة لبرنامج الاصلاح التدريجي الذي تتبناه عمان وترفضه المعارضة.
التفسير الاكثر رواجا لهذه الصحوة له علاقة بتأجيل واشنطن للربيع الاردني قليلا او التغاضي عنه مؤقتا وفقا لاولويات المرحلة فالهدف اليوم 'دور اردني اكبر' ضد بشار الاسد ولاحقا قد يحتاج مشروع اسقاط الاسد لاشتباك اردني مباشر مع التفاصيل كما حصل تماما في الحرب ضد اسقاط نظام صدام حسين.
هنا لا يخفي نشطاء مقربون من السفير الامريكي تسريباته التي تقول لهم في اجتماعات ضيقة بأن العاهل الاردني وعد واشنطن ببرنامج اصلاح شامل سيفاجئها ويفاجىء الجميع لكنه طلب مزيدا من الوقت بسبب الوضع الاقليمي المتوتر وحراك العشائرالذي يستهدف اضعاف مؤسسة النظام.
الفارق بين قصة صدام حسين وقصة بشار الاسد اردنيا اليوم واضح فصدام كان كالقذافي الجميع في الكون ضده خلافا لبشار الاسد ففي ظهره قوى اقليمية ودولية لا يمكن اردنيا اسقاطها من الحساب او الوقوع في براثن مصالحها وفقا لتلميحات الدكتور العبادي.
فوق ذلك يلمح الباحث الاستراتيجي عامر السبايلة لكلفة الانضمام علنا وبصورة كبيرة لمعسكر اعداء بشار فعمان تتذكر دوما بأنها ستصبح هدفا لتنظيم القاعدة وللسلفين الجهاديين ولحزب الله اذا ما سقط نظام دمشق واستحكمت فيها هذه القوى كما لا توجد اطلاقا للاردن مصلحة في حرب اهلية او طائفية طويلة الامد يمكن ان تلفح موجات غبارها ضواحي عمان التي لا تبعد عن دمشق ساعتين بالسيارة.
وحتى تكتمل دائرة التعقيد يكشف مصدر مطلع لـ'القدس العربي' النقاب عن عرض واشنطن وقطر المغري ماليا للاردن مقابل دور محوري وجغرافي في اطار استراتيجية التخلص من بشار الاسد وهو سبعة مليارات دولار على شكل مساعدات وشطب ديون كفيلة بأن تنهي الحراك الاردني والازمة الاقتصادية وتصلب المؤسسة الاردنية داخليا واقليميا.
عرض من هذا النوع من الصعب تجاهله اليوم وفقا لما يقوله وزير المالية سليمان الحافظ لبعض زواره لكن رئيسه الطراونه مصر على عمق وصعوبة وكبر المجازفة والتعقيدات التي ستنتج لو استسلمت بلاده للخوف من كلفة الانضمام علنا ورسميا للمعسكر المعادي لبشار الاسد.
احدهم همس في اذن وزير الخارجية الاردني قائلا: وضعكم سيكون ابسط واسهل لو سهلت واشنطن عليكم المهمة ودبرت الامور مع موسكو ولاحقا تم اقصاء طهران عن المشهد.