سجال فرنسي استباقي حول سوريا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فيصل جلول
تتوالى المؤشرات على ضغوط حثيثة تبذلها المعارضة اليمينية لحمل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على الاندفاع أكثر في الملف السوري، وقد بدأت هذه الضغوط مع تصريح أدلى به الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي قارن فيه بين سياسته الحماسية ضد سوريا ودعمها المطلق للمعارضة المسلحة، فيما الحكومة الراهنة تعتمد التروي في معالجة هذا الموضوع . وأشار ساركوزي إلى رد فعله السريع في دعم المعارضة الليبية السابقة وتصدره للحملة العسكرية الدولية لإسقاط القذافي وإنه نجح في رهانه . وحث ساركوزي نظيره هولاند على أتباع الاستراتيجية نفسها في سوريا مذكراً بمبادرته المبكرة بتنظيم حملة ضد الرئيس بشار الأسد في باريس بالاشتراك مع الجامعة العربية والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي .
وما كاد الصمت يطوي تصريحات ساركوزي التي جاءت من مقر عطلته الصيفية في المغرب الأقصى بضيافة الملك محمد السادس حتى بادر الكاتب المقرب من نتنياهو برنار هنري ليفي بتذكير الرئيس فرانسوا هولاند بأنه اقترع لليسار في الانتخابات الرئاسية وبأنه محبط إزاء موقف فرنسا من الموضوع السوري، وحث ليفي الرئيس الفرنسي على السير على خطى ساركوزي معتبراً أن الأخير كان أكثر إقداماً وحيوية من الرئيس الحالي .
وفي السياق نفسه أشار رئيس الوزراء اليميني السابق فرانسوا فيون أمس إلى ضرورة أن تتزعم فرنسا مبادرة أوروبية لدى روسيا وأن يزور هولاند برفقة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل موسكو لطمأنة فلاديمير بوتين إلى مستقبل العلاقات الأوروبية الروسية الآمنة وعقد اتفاق أمني معه ينطوي على طمأنة روسيا على أمنها وتقديم ضمانات أوروبية قوية على هذا الصعيدrdquo;، لأن تخلي روسيا عن النظام السوري يؤدي حتماً إلى انكشافه وسقوطهrdquo; كثمرة ناضجةrdquo; على حد تعبير فرانسوا .
لم تتأخر ردود فعل الحكومة الاشتراكية على هذه الضغوط فقد أشار وزير الخارجية لوران فابيوس ساخراً إلى أن النشاط الوحيد الذي يذكره من عهد الرئيس ساركوزي إزاء سوريا هو دعوة الرئيس بشار الأسد إلى فرنسا ومشاركته في احتفالات العيد الوطني الفرنسي في 14 يوليو/تموز قبل سنوات قليلة .
والواضح أن اللوبي اليميني يتحامل على سياسة الحكومة الاشتراكية في الملف السوري ليس لأنها مؤيدة للرئيس الأسد وإنما لامتناعها عن تصدر الحملة الدولية ضده في وقت تنشغل فيه الولايات المتحدة الأمريكية في الانتخابات الرئاسية وتغرق المانيا في الأزمة الاقتصادية الأوروبية ويخشى اللوبي نفسه من أن ينفرط عقد الحملة ضد الأسد إذا ما كفت عن تزعمها دولة عظمى وإذا ما تراجع إيقاع الدعوة لإسقاط النظام السوري .
ويشار هنا إلى أن فرانسوا هولاند صرح في مناسبات عديدة بأنه يواصل سياسة سلفه في الملف السوري، ولم يتوان عن وصف الرئيس السوري بعبارات قاسية جداً بالمعايير الدبلوماسية، وترأس وزير خارجيته اجتماع أصدقاء سوريا في باريس الشهر الماضي وأعلن خلال المؤتمر عن انشقاق الجنرال مناف طلاس، كما أعلنت فرنسا عن إرسال مستشفى عسكري إلى الأردن لمعالجة اللاجئين إلى المخيمات الأردنية على الحدود مع سوريا، ودعمت باريس مشروع تشكيل حكومة سورية في المنفى، في حين أشارت صحيفة ldquo;لوكنار اونشينيهrdquo; في عددها الصادر الأسبوع الماضي إلى اشتراك المخابرات الخارجية الفرنسية في تدريب المعارضين السوريين في تركيا وتزوديهم بأجهزة اتصالات حديثة . . إلخ . ولعل ذلك كله لا يعبر عن تراجع في الموقف الفرنسي من سوريا، فهل يراد من الحملة اليمينية حث فرنسا على تزعم الحملة كما حصل في ليبيا؟ إما أن المعنيين يستبقون تراجعاً محتملاً في الموقف الفرنسي أم أنهم يريدون اصطياد الحكومة الاشتراكية في السياسة الخارجية لتعويض عجزهم عن النيل منها في السياسة الداخلية؟
أكبر الظن أن الحملة اليمينية المذكورة يراد منها بلوغ الاهداف الثلاثة معاً، فكل نجاح فرنسي في الحملة على النظام السوري يسجل في خانة اللوبي اليميني الذي رسم السقف الأعلى لسياسة الحكومة الحالية أيضاً في الملف السوري ومن غير المستبعد أن يعيد هولاند النظر في السياسة الراهنة إزاء روسيا لأسباب متصلة بالصراع وميزان القوى على الأرض وشعور الاليزيه بالخوف من أن يؤدي النزاع السوري إلى مجابهة إقليمية شاملة لن تكون فرنسا بمعزل عن مخاطرها، والملاحظ في هذا الصدد ان فابيوس أجل اجتماعاً وزارياً تشاورياً في مجلس الأمن حول سوريا إلى أواخر الشهر الجاري علماً بأن باريس تترأس الدورة الحالية لمجلس الأمن الدولي، في حين خفف الاليزيه لهجة التصعيد ليتحدث عن حل سياسي للأزمة السورية .
يبقى الملف الداخلي، وهنا أيضاً يمكن القول إن اللوبي اليميني يستغل نجاحه في الملف الليبي طالما أنه لن يقوى على استثمار الملف الداخلي للضغط على الحكومة التي خرجت من صناديق الاقتراع بسبب سياسة ساركوزي الليبرالية التي أدت إلى فشله في الفوز بولاية ثانية في قصر الاليزيه . يعود اللوبي اليميني في فرنسا إلى المسرح السياسي من الباب السوري واليسار يتروى مخافة السقوط في مستنقعات الشام .